أرشيف

“جُمَع” اليمنيين يتنازعها الرعب والخوف

ما أن يأتي يوم الجمعة حتى يزداد خوف ورعب اليمنيين من حدوث اعتداءات وقتلى وجرحى في ساحات الاعتصامات التي يتوافد إليها مئات الآلاف لأداء صلاة الجمعة من مناهضي النظام والموالين للحكومة، لا سيما في العاصمة صنعاء التي شهدت صدامات بين الطرفين راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى .
وتحولت الجمعة عند اليمنيين التي كان يتجمع فيها الأهل في منزل رب الأسرة ويتبادلون الزيارات أو يخرجون إلى المتنزهات مع أطفالهم، كونها يوم إجازة خاصة لطلبة المدارس، إلى خوف ورعب ، بسبب الأحداث الدامية المتكررة التي شهدتها خاصة ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء، ما جعل بعض الأسر يفضلون البقاء في منازلهم خوفاً من هجمات جديدة يكون ضحيتها أحد أفراد العائلة .
ويضطر بعض الأسر القريبة من ساحة التغيير إلى مغادرة منازلهم والسفر إلى قراهم مسقط رأس رب الأسرة تخوفاً من هجمات على المعتصمين تحدث قتلى وجرحى، وخوفاً على أطفالهم الذين يعيشون في قلق ورعب دائمين، كما تقول لميس الخولاني إن “الأسر تعيش حالة قلق مستمر ويزيد الرعب يوم الجمعة بشكل غير طبيعي عن بقية الأيام”، مشيرة إلى أن خالها الذي يملك منزلاً قرب ساحة التغيير أخذ عائلته إلى منزل والده بالريف وترك شخصاً يحرس المنزل خوفاً من حدوث هجمات وصدامات . وتضيف قائلة: “الجمعة لدى الأسر اليمنية كانت في السابق يوم إجازة يتم تبادل الزيارات بين الأهل والأصدقاء والخروج إلى المتنزهات ، لكنها أصبحت مرعبة لدى الجميع” .
وتقول الطالبة بكلية التجارة بجامعة صنعاء سارة زيدان، المقيمة ضمن الساحة “إن الجمعة تجعل أفراد الأسرة تعيش على أعصابها من شدة خوفهم من حدوث ما حدث في الجمع السابقة من إطلاق رصاص وقتلى وجرحى”، متمنية ألا تأتي الجمعة، أو تلغى في صنعاء، لأن الجمعة كانت قبل الاعتصام بالنسبة لها يوم راحة وإجازة تلتقي بزميلاتها وأقاربها .
أما مجد عبدالله التي تسكن بالقرب من الساحة فتمنع طفلها الوحيد البالغ 13 عاماً من الخروج يوم الجمعة لأداء الصلاة في الساحة أو المسجد وتلزمه الصلاة في المنزل . وتقول: “زاد خوفي خاصة أن خيام المعتصمين وصلت إلى قرب منزلنا، فنشعر أننا محاصرون وخائفون من حدوث هجوم عليهم من قبل الأمن” .
أما الموظف الحكومي عنتر علي المبارزي الذي يتعرض لضغوطات متواصلة من والده ووالدته بشكل خاص المقيمين في مدينة أخرى ، فإنه يحرص بعد إنهاء عمله على الاعتصام بساحة التغيير، ويقول: “والدي المقيم في ريف مدينة إب يتواصل معي عبر الهاتف بشكل مستمر ويزداد يوم الجمعة خوفاً من حدوث مكروه يصيبني ويطلب مني دائماً عدم الذهاب للصلاة يوم الجمعة في ساحة التغيير ، لدرجة أنه جعل أشخاصاً من منطقتي يقومون بمراقبتي في حال وجدوني في الساحة فأتفاجأ باتصال من الوالد” .
وشكلت جمعة الكرامة التي راح ضحيتها 52 قتيلاً وما يقارب من 600 جريح منتصف الشهر الماضي رعباً لدى الأسر، خاصة والد عنتر حينما اتصلت به زوجته عدة مرات دون أن تجد رداً فقامت بإشعار والده الذي لم يرد عنتر على اتصالاته لانشغاله بإسعاف المصابين من زملائه ، ما تسبب في حدوث انهيار عصبي لوالده ، يقول: “يخاف والدي كثيراً كوني مع إخواني الثلاثة معتصمين بساحة التغيير نطالب برحيل النظام”، مرجعاً الخوف الزائد لوالده إلى أنه عاش أيام حرب شهدتها المناطق الوسطى راح ضحيتها الكثير من أقاربه .
ويوضح عنتر أنه قبل أسبوع غادر العاصمة صنعاء مع زوجته وطفليه إلى الريف بمحافظة إب ، مسقط رأسه عند والده الذي بعد أيام أغلق عليه باب المنزل ومنعه من السفر إلى صنعاء ذلك اليوم المصادف الجمعة، مبيناً أن والده دائماً يذكرهم بتلك الأحداث المرعبة التي شهدها اليمن في الثمانينيات؛ فهو- حسب قوله – يريد الأمن والاستقرار .
خوف متزايد
يتزايد خوف أصحاب المحال التجارية لدرجة أنهم يغلقون محالهم صباح كل جمعة، وتقول الشابة حياة الحرازي التي لديها محل تصميم للأزياء والفساتين قرب ساحة الاعتصام، إن خوفها يزداد يوم الجمعة عن بقية الأيام العادية، وقالت: “نظل في المنزل من مساء الخميس متخوفين ومرعوبين مما سيحدث يوم الجمعة من كارثة وصدامات وقتلى، وتظل والدتي وشقيقاتي في قلق دائم من حدوث مكروه لدرجة أننا نقوم بشراء احتياجات الجمعة من صباح الخميس عكس الأيام العادية قبل الاعتصامات” .
وتقضي الجمعة – حسب قولها – في منزل الوالد مع بقية أفراد أسرتها بقلق وخوف من حدوث مكروه، فقد كانت الجمعة برأيها: “يوم فرح وسعادة للجميع، كوننا نلتقي مع أفراد الأسرة والأقارب ونخرج إلى المتنزهات في بعض الجمع”، متمنية أن تمر هذه الجمعة بسلام وأن تحتل الأزمة التي يمر بها اليمن وتعود الحياة كما كانت في السابق .
ويشاطرها أمين علي محمد، صاحب محل حلاقة بساحة التغيير، القلق والخوف بالقول إن “في يوم الجمعة الجميع خائف وقلق من حدوث مشكلات واعتداءات على المعتمصين”، مشيراً إلى أن القلق هذا انعكس على نفسية الناس وأثر في حركة العمل . وأشار إلى أن يوم الجمعة يصبح حدثاً مهماً لأن الجميع يتوقعون حدوث احتكاكات وزحف إلى القصر الرئاسي، بعكس المعتصمين الذين شاهدوا مرات عدة القتلى والجرحى أمامهم فأصبحوا متعودين ولديهم هدف يريدون تحقيقه غير بقية الأهالي، خاصة الأحياء القريبة من الساحة الذين يعيشون في رعب وخوف حقيقيين .
وتعيش طالبة الطب سحر عنتر مع بقية زميلاتها المقيمات بسكن الطالبات بقرب ساحة التغيير في قلق ورعب من حدوث حرب أهلية ، خاصة بعد ما شهدته يوم جمعة الكرامة، تقول ل “الخليج”: “كل جمعة نتوقع حدوث هجمات وصدامات بين شباب التغيير ومناصري الحزب الحاكم والأمن”، مشيرة إلى أن الطالبات في السكن يعشن حالة توتر وقلق وبعضهن يذهبن إلى أقاربهن يوم الخميس والجمعة ، ويعدن السبت في حال مرت الجمعة من دون حدوث مشكلات .
أما الصحافيون فتكون الجمعة عليهم شاقة ويزداد قلق أسرهم أكثر من الآخرين، حيث يقول الصحافي بمجموعة (إم . بي . سي) جلال الشرعبي إن قلق أسر الصحافيين يزيد على البقية، كون عملهم في المخاطر بشكل مستمر ومستهدفين، خاصة أنهم في جمعة الكرامة كانوا هدف القناصة بدرجة رئيسة كما استهدف المصورون والأشخاص الذين يصورون بهواتفهم، والهدف من ذلك قتل الشهود خاصة أنهم هم الذين يرون ما يحدث .
وأضاف الشرعبي: “خلال هذه الأحداث دفع الصحافيون ثمناً كبيراً من الاعتداءات والاعتقالات حتى الاستهداف اللفظي من المنابر الرسمية، وهو ما يجعل أسرهم تعيش بحالة قلق وخوف مستمر، خصوصاً الصحافيين الذين تقطن أسرهم في الأرياف” .

الخليج – وهيب النصاري

زر الذهاب إلى الأعلى