أرشيف

الميتمي: خرجنا ننشد دولة نبحث عنها منذ “50” عاماً ودخلاء الثورة عرقلوا نجاحها

حاوره/ ثابت الأحمدي 
حذر الخبير الاقتصادي د. محمد الميتمي من خطورة خلو المشهد الحالي من النقاشات الثقافية والاقتصادية والفكرية واقتصار المشهد على السياسة.. 
وأوضح – في حوار أجرته معه “أخبار اليوم” – بأن ما يعتمل اليوم هي حركة اجتماعية سياسية لا غبار عليها كأي حركة اجتماعية في التاريخ، مشيراً إلى أن اليمنيين يعيشون حالياً مشروع ثورة، مؤكداً أن الدولة اليمنية لم تتشكل بعد. 
وقال الميتمي: إن التغيير الاجتماعي هو أصعب أنواع التغيير وأكثرها تعقيداً وإن الفرقاء الدوليين والإقليميين أشد تأثيراً في المخاض السياسي في اليمن من الفرقاء المحليين، لافتا إلى أن المجتمع اليمني فسيفسائي، والطبقة الوسطى ضعيفة، والحركة العمالية تكاد تكون منعدمة ولا ثقافة عمالية ولا ثقافة الطبقة الوسطى، المجتمع اليمني أكثر المجتمعات فقراً وأقلها تعليماً وتصنيعاً وإنتاجية، وبالنهاية الكائن الإنساني هو منتوج بيئته حد قوله. 
وفيما يلي نص الحوار: 

 

 

  • * الثورات السابقة لم تكتمل أهدافها:

– بعيداً عن القراءة السياسية المباشرة.. ما الذي يجري اليوم على الساحة اليمنية منذ أشهر؟ 
* طبعاً.. لا شك أن خمسة عقود من الآمال والأحلام بحياة حرة، كريمة منذ قيام ثورة “26” سبتمبر عام 1962م، آمال وأحلام ما زال اليمنيون مسكونين بها حتى اليوم، لعلها تنضج وتكتمل لكن شيئا من ذلك لم يحدث حتى هذه اللحظة، “فالثورات اليمنية السابقة” لم تكتمل أهدافها حتى اليوم، المجتمع اليمني اليوم مليء بالتطلع لحياة جديدة وكريمة، يتطلع إلى الإحساس بوجوده ككائن إنساني يتمتع بالحرية والكرامة، ما يعتمل في الوقت الراهن في الساحة اليمنية هو نتاج لحاجة الغالبية العظمى من أبنائه الذين يتوقون للتغيير الذي يحتاجه كل اليمنيين، ما يعتمل اليوم حركة اجتماعية سياسية لا غبار عليها كأي حركة اجتماعية في التاريخ مع أن ثمة من لحق بهذه الحركة متطفلاً للاستفادة منها وربما حرفها عن مسارها المنشود. 


 

  • * أهداف ثورة سبتمبر ما زالت حلماً لليمنيين:  

– قلت أهداف ثورة “26” سبتمبر لم تكتمل منذ عقود من الزمن.. ما الذي أعاقها منذ زمن؟ 
* أولاً أقول لك: اليمنيون الأمة الوحيدة في المنطقة التي تأخرت عن ركب الحضارة مقارنة بجيرانها الذين سبقونا اليوم كثيراً بعد أن كنا نتقدم عليهم بقرون، وفي الواقع فإن التاريخ اليمني الطويل والعريق بقدر ما هو زاخر بآيات الإنجاز العظيمة فهو أيضاً مليء بالتحديات وعوائق الهياكل التقليدية الراسخة، التي حالت دون تحقيق المشروع الحضاري، وبالمناسبة هذه ليست حالة يمنية خاصة، هي حالة يمكن أن نلمحها في أكثر من شعب من الشعوب العريقة كالهند مثلا أو الصين، واليابان، حيث البنى التقليدية عريقة وراسخة لا تنسحب بسهولة لبنى التغيير والتقدم، بل تقاوم ما استطاعت، على عكس تلك الأمم الحديثة كالأمة الأميركية التي أنجزت مشروع النهضة دون معوقات تذكر قياساً بتلك الأمم العريقة. 
وأقول إن أهداف ثورة سبتمبر ما زالت حتى اليوم حلما يتطلع إليه اليمنيون ويكفي قول شاعرنا العظيم عبدالله البردوني الذي وصف هذه الحال قائلا: “الأباة الذين بالأمس ثاروا .. أيقظوا من حولنا الذئاب وناموا.. ربما أحسنوا البداية لكن .. هل يحسون كيف كان الختامُ” 


ــ ولكن الهند أو الصين متقدمة كثيراً قياساً باليمن والمقارنة هنا تبدو مجحفة..؟ 
* نعم.. قياساً إلى اليمن هي متقدمة والمقارنة هنا مجازية، غير أن النهضة قد بدأت عند هؤلاء متقدمة في القرن التاسع عشر، ولا زالت تعاني تلك الدولة إلى اليوم من ممانعة تلك البنى التقليدية فيها وقد قدمت تضحيات كثيرة في هذا الجانب.. 


ــ لماذا يصبح التاريخ عبئاً على أبنائه ويتحول إلى عامل سلبي بدلاً من الاستفادة منه؟ 
* الشعوب تستلهم حاضرها من ماضيها، وتصنع مستقبلها من حاضرها، تلك القوى الكامنة فينا وهي قوى تقليدية لا زالت تنظر إلى عيشها الماضي كمصدر فخر وإنجاز لها، وحالات كثيرة على أنها مكتسبات شخصية للبعض، لا ينبغي التفريط بها.. 


ــ قلت قبل قليل هناك من تطفل على الثورة ولحق بها لمآرب شخصية ومن ثم أعاق تقدمها؟ 
* أولاً حتى الآن لا نستطيع أن نتحدث عن ثورة أبداً، نحن الآن نعيش مشروع ثورة، نتحدث عن حركة ثورية، هناك مبادئ أو أهداف جميلة وسامية طرحتها هذه الحركة الاحتجاجية الشبابية ولكنها الآن هي تبحث عن التحقق والإنجاز، فهي لم تنجز بعد حتى نطلق عليها ثورة، الثورة هي في المفهوم فعل، وتغيير راديكالي شامل والوصول بتلك الأهداف المثالية إلى قيد الإنجاز، ونحن لم نصل بعد إلى هذه المرحلة، نحن الآن في حالة المشروع الثوري، وهو في طريقه إلى تحقيق أهدافه إذا قدر له ذلك ووضع له أصحابه خارطة طريق واضحة، عملية وواقعية. 


 

  • * اتخاذ قرار سياسي أصعب من صناعة ثلاثين قنبلة ذرية:

ــ يقول البعض إن الثورة تأخرت عن تحقيق أهدافها حتى الآن.. ماذا ترى؟ 
* يقال إن التغيير الاجتماعي هو أصعب أنواع التغيير وأكثرها تعقيداً أو كما قال “إنشتاين” إن صناعة قرار سياسي لهو أعقد من صناعة ثلاثين قنبلة ذرية، الهندسة الاجتماعية هي أعقد أشكال الهندسة في التاريخ البشري، يمكن أن تقوم بتعديل الجينات الوراثية لإنسان ما في المختبر وننجزه بأقل جهد وعلى مستوى عالٍ من الكمال، لأنك هنا تستطيع أن تعزل هذا الجين عن بقية الظواهر البيولوجية غير المرغوبة في جسد الإنسان أثناء قيام التجربة، لكنك لا تستطيع ليس فقط تعديل أي مدخلات وعناصر اجتماعية مؤثرة في حركة اجتماعية قيد الفعل بل ولا حتى مجرد تجاهلها، لأنك سرعان ما تكتشف وأنت تجري اختباراتك على الظاهرة الاجتماعية، ساعياً لعزل بعض المؤثرات الجانية، أنها تغزو نسيج هذه الظاهرة فتعدل مسارها الأصلي الذي ترنو إليه.
وهذا ما حصل لهذه الحركة الشبابية التي طرأ دخلاء على مفاهيمها وأهدافها، دخلاء على مفهوم الحياة المدنية والقيم الحضارية الراقية، شكلوا عائقاً وحائطاً صد أمام نجاحها. 


ــ بما في ذلك التداخلات الطارئة من خارج الجسم أو المحيط الثوري نفسه؟ بالتأكيد، ولا تنس أنه في أي مكان في العالم أي حدث أو فعل سياسي اليوم لا يوجد فيه اليوم فقط لاعبون محليون يمارسون اللعبة بمفردهم، بل هناك لاعبون إقليميون ودوليون أيضا يمارسون التأثير في الملعب السياسي المحلي؟. 
* نظرياً قواعد اللعبة هي في يد اللاعبين المحليين ، في اليمن هذه القواعد مختلة، حيث الفرقاء الدوليون والإقليميون أشد تأثيراً وأثراً في المخاض السياسي اليوم من الفرقاء المحليين، دعنا نؤكد ذلك من خلال طرح الولايات المتحدة الأميركية كمثال وهي الدولة العظمى الأولى والأغنى في العالم، تتخذ قرارات دولية كبرى ثم تتراجع عنها نتيجة لضغوط عليها آتية خارج محيطها، تضطر تتراجع عن قرارات ذات أهمية قصوى وقد أعلنتها على الملأ بسبب ضغوط خارجية، بمعنى أن العامل الخارجي يؤثر على مصير أي قرار أو إعلان للدول العظمى كالولايات المتحدة الأميركية فما بالك باليمن، حيث اللاعبون الإقليميون والدوليون الذين قد يتجاوز حضورهم فاعلية الحضور المحلي نفسه من حيث القوة والفعل، لا تستطيع أن تتجاهل أحداً اليوم. 


ــ ألا تلاحظ أن ثمة غياباً ـ إلى حد ما ـ للدور الثقافي والفكري في العملية السياسية اليوم والذي ينبغي أن يحضر؟ أين دور منظمات المجتمع المدني؟ أين دور كبار المثقفين؟
 
أتفق معك تماماً في هذه القضية، طُرح قبل فترة سؤال من بعض المثقفين على بعضهم: ما نسبة مقومات نجاح هذه الثورة إلى نسبة فشلها؟ وكان السؤال مهماً، فيطرح السياسيون اليمنييون قضية التغيير السياسي أولوية على كل شيء، لكن ماذا بعد؟ وما هي مقومات وأدوات ومستقبل هذا التغيير؟ هذا لم يطرح بعد للنقاش، أضع لك مثالاً أشبّه الوضع الحالي لدى القوى السياسية أو لدى معظمها، أشبهه بشخص أراد أن يغير موقعه من مكان إلى آخر لأنه لم يعد يقبل ذلك الموضع، فوضع نفسه في سيارة لا يعرفها ولا يعرف نوعيتها ولا يعرف إلى أين ستتجه وهل طريقها آمن أم لا؟ أمامنا الآن الانتقال إلى المجهول، لا ندري إلى أين نحن ذاهبون؟ أنت تريد فقط أن تغير الموقع، يقول الفيلسوف الانجليزي فرانسيس بيكون “إن الأعرج الذي يمشي في طريق معروفة يسبق العداء الذي يمشي على غير هدى” 
ونحن بحاجة إلى إلى نتلمس طريق التغيير بعقل وبصيرة قبل المضي فيه. 


ــ اسمح لي أقول لك: بدوت متشائماً مما يجري؟ 
ليس الأمر كذلك، وتعال ننظر إلى المعطيات التي أمامنا، وأنت عندما تتحدث عن مشروع تغيير اجتماعي عليك أن تعرف معطياته، وأي تغيير اجتماعي هو محمول على قوى اجتماعية تحدد خصائص ومسار ومستقبل هذا التغيير.. التغيير ليس مجرد حالة مثالية مجردة من القوى المادية الرابضة على الأرض.. ما هي تلك القوى الاجتماعية التي تحمل مشروع التغيير؟ ما هي الرافعة لهذا التغيير؟.. في المجتمع اليمني اليوم عندما ننظر إلى قوى التغيير اليوم لا نكاد نجد فيها قوى اجتماعية متمركزة كلياً وتتمركز حولها الأحداث كلياً، المجتمع اليمني فسيفسائي، والطبقة الوسطى ضعيفة، والحركة العمالية تكاد تكون منعدمة ولا ثقافة عمالية ولا ثقافة الطبقة الوسطى، المجتمع اليمني أكثر المجتمعات فقراً وأقلها تعليماً وتصنيعاً وإنتاجية، وبالنهاية الكائن الإنساني هو منتوج بيئته، أكثر القوى تنظيماً في اليمن اليوم وتأثيراً هي القوى التقليدية المشدودة إلى الماضي بعقلها وجسدها… 


 

    • القوى الاجتماعية متجزئة والأحزاب جسر عبور إلى الثورة:

ــ أين ذهبت الأحزاب؟ ألا توجد عندنا مؤسسة حزبية فاعلة إلى حد ما؟ 

* الأحزاب – كما قال أحد الفلاسفة – ما هي إلا جسر عبور لقوى اجتماعية تعبر به الجماهير إلى الثورة، كم حجم القوى البروليتارية والقوى الاجتماعية الحديثة والطبقة الوسطى داخل هذه الأحزاب؟ ولا تنس أن القوى الاجتماعية في اليمن شديدة التنوع والتجزؤ أيضا، الدولة اليمنية أصلا لم تتشكل بعد، نحن خرجنا من اللادولة في نهاية الخمسينات نبحث عن دولة ولا زلنا نبحث عنها منذ خمسين عاماً. 


ــ إذن ألا ترى أننا أمام نوعية مهمة من الخطاب الذي يمكن أن نوجهه إلى الشعب، فما نوع الخطاب الذي تراه مجدياً خلال المرحلة الآنية؟ 
* للجابري كلام مهم هنا فيما يتعلق بالعقل الانساني، الخطاب الثقافي لا يصدر إلا عن وعاء في العقل، والجابري في مقاربته لهذه الإشكالية يقول إن العقل وعاء يستقبل الأفكار من المحيط الاجتماعي الذي يتشكل فيه، ثم يعيد إنتاج الأفكار ليصبها في هذا المحيط الاجتماعي فهو قبل ذلك مستقبل، وعندما تتكلم عن الدور الثقافي فأنت تتكلم عن هذا الوعاء، والوعاء المسموع اليوم والموجود هو التقليدي، الصوت القبلي، الصوت الإسلامي، أما الوعاء المدني فلا يزال محدوداً جداً. 
ــ عفواً تقصد الإسلامي أم الإسلاموي على وجه التحديد حتى نكون أكثر دقة وموضوعية؟ نعم، وأشكرك على دقة التصويب الإسلاموي فعلاً المتحالف مع القبيلة المسيسة. 


ــ بالمقابل الفعل مستمر الآن فما هي الضمانات التي يمكن أن توصلنا إلى الطريق المعلوم خلال الفترة المقبلة حتى لا نتوه في المجهول؟. 
* التغيير سنة كونية والحياة تتدفق كتيار الماء، لكن عبر قنوات يتحرك فيها أو يشقها بنفسه، فإذا لم توجد القنوات السليمة التي تضمن وصول الماء إلى المكان المخصص له، فإن الأمر سينعكس سلباً على الناس. ما يحتاجه اليمنيون اليوم هو معرفة متطلبات التغيير وآلية التغيير وضماناته حتى نصل إلى النتيجة المبتغاة، وحتى لا ترتد إلى الخلف كما حصل منذ فترة، وكما قال سمير أمين في كتابه البديع “من نقد الدولة السوفيتية إلى نقد الدولة الوطنية ” وهو يتحدث عن الجمهوريات العربية ناقداً أن الخسائر في الجمهوريات العربية على شعوبها أكثر بكثير من الخسارات في الملكيات العربية. 


ــ بما تفسر نشوء الحركات الثورية الحالية في الوطن العربي في بلدان جمهورية ابتداءً من تونس فمصر فسوريا فاليمن، وكان القياس أن تبدأ من بلدان ملكية أو أميرية؟. 
* سؤال جميل، فالدعوة إلى التحرر والرغبة في الخلاص من الظلم والجور والاستبداد بدأ مع حركة التحرر بعد الحرب العالمية الثانية، ما أطلق عليه بالعالم الثالث الذي تشكل من مجموعة من الدول التي استقلت من الاستعمار ووضعت أحلاماً للجماهير، لكن اتضح بعد ذلك أن هذه الأنظمة ذاتها غدت أنظمة الشمولية يسود فيها الطغيان، لأنه لم تكن ثمة حواضن اجتماعية آمنة لتلك الأحلام وتلك المشاريع المثالية، الملكيات نظامها السياسي واضح وليس هناك خلاف أو صراع على رأس هرم الحكم مما يجنبها الخوض في صراعات على السلطة، وتلك ليس دعوى للملكية، لقد ساعد الحظ كثيراً الأنظمة الملكية التي توفرت لها موارد اقتصادية ريعية جيدة فأمنت لشعوبها الحد الأدنى من الاحتياجات التي تطمح إليها، ولا تنس أن خيارات الإنسان تكون ضعيفة عندما لا يكون الإنسان حراً متحرراً من الفاقة والجوع والجهل، وعندما يكون جائعاً وأمياً، فهو مسلوب الإرادة وأعمى في الاختيار، ويؤكد عالم النفس الشهير ماسلو في هرمه الشهير المعروف بهرم ماسلو أن الاحتياجات الغريزية الأولى هي التي تؤخذ قاعدة الهرم وتؤخذ أكبر حيزاً فيه وما لم تشبع تلك الغرائز فإن الكائن البشري يجد صعوبة في إدراك معاني الرفاه والحرية وغيرها.. المجتمع اليمني جرى إفقاره لعقود وتجريده من حقه في العيش الكريم. 


 

  • * التحديات الاقتصادية في واجهة الحكومة ولو كانت ذات خصائص ملائكية:

ــ حتى نتجاوز خطر الإشكالية التي نقبع فيها ما الذي تراه؟. 
* في الحقيقة دعني أجرجرك إلى مسرحي الذي أحبه كثيراً وهو الجانب الاقتصادي لنعود إلى الإجابة، أقول: اليمن اليوم أفقر دولة في المنطقة تقريباً وحجم التحديات الاقتصادية في بلادنا تفوق كل التصورات بحسب إشارة البنك الدولي نفسه الذي وصف اليمن قبل سنوات قليلة على أنها أكبر تحد للتنمية تعبيراً عن حجم التحديات الكبيرة الماثلة أمام اليمن.. الوضع الاقتصادي حرج جداً، ويفوق قدرة أي فريق مهما كان ناجحاً لو بدأ من الآن العمل في الطريق الصحيح، لو أتت حكومة ذات خصائص ملائكية وأرادت أن تنجز مشروعاً اقتصادياً ناجحاً ودولة ديمقراطية تنموية لواجهته تحديات جمة. 


ــ ألا ترى أن أزمتنا بالدرجة الأولى أزمة إدارة قبل أن تكون أزمة موارد؟. 
* في الوقت الراهن هي أزمة موارد وإن كانت ناتجة عن خلل في الإدارة.. إذا كان متوسط نصيب الفرد اليوم في العالم من الماء مثلا لترا وذلك من قبل المقاربة المجازية فإن نصيب اليمني اليوم هي ملعقة شاي صغيرة وهو مقبل على أن يلعقها جافة خلال العشر السنوات القادمة إذا لم يتم الإسراع في إيجاد الحلول وتسيير الأمور في هذا الاتجاه، حينما تنفق الموارد أو تبدد على نحو لا يعوض أو لا يتاح استخدامها للتنمية فمن الصعب أن تفكر بعدها بمشروع نهضة. عندنا نصف سكان اليمن تحت خط الفقر، ثلث القوى العاملة لا تعمل، أكثر من 70% من الشباب لا يعملون، النظام الحاكم يتحمل مسئولية ما وصلت إليه البلاد من ترد وتشظ، أتوقع أن الحكومة القادمة قد لا تستطيع أن تدفع مرتبات الموظفين في أشهرها الأولى، وهذا تحد كبير للتغيير الذي يحتاج إلى الحد الأدنى من المقومات الضرورية للنهوض بعملية التنمية، والأهم من ذلك الإجماع الوطني الذي يعتبر الأكثر تحدياً، الإجماع الوطني ليس متحققاً بالقدر الذي يؤمن لمشروع الثورة مساراً سلساً خالياً من الهفوات الكبيرة، وقد يتفكك خلال المراحل القادمة عندما يختلف الحلفاء إذا ما تقاسموا السلطة، هناك تجمعات يمنية لا زالت تنتمي إلى جغرافيتها المحدودة أكثر من انتمائها لليمن، لا زالت متمترسة خلف مشاريع صغيرة لا زالت القبيلة ببنيتها التقليدية هي الحاضر والمسيطر ونخشى أن تتحول بعض الدعوات لمشاريع كالفيدرالية والكونفيدرالية إلى مشروع تجزيئي للبلاد. 


اليمن لم تنجز بعد مشروع الدولة القومية ، ولا السوق الاقتصادية الوطنية ولا الهوية المنتمية إلى هذه الدولة القومية العصرية، نحن اليوم في اليمن نتعامل في حالات على أساس الهوية الجغرافية والانتماء القبلي، فكل الحكومات السابقة كانت تعطي البعد القبلي والجغرافي والعشائري والديني وزناً يفوق وزن حاجة البلد لمواطن يمني عقله ومهاراته وخبراته ووطنيته هي الأرجح، ولهذا يجب أن يتصدر الحوار الثقافي الفكري المشهد السائد إلى جانب العملية السياسية. 


 ــ فيما بين الفيدرالية كنظام سياسي والحكم المحلي كامل الصلاحيات تتصارع الآراء.. ما الذي تراه؟. 
* من يطرح الخيار الفيدرالي هذا لم يلتفت إلى تاريخ هذا البلد العريق تاريخ اليمن خلال آلاف السنين، الفيدرالية انتماء جغرافي ضيق، المجتمع اليمني ليس مجتمعاً عرقياً رغم تنوعه التضاريسي والجغرافي، مثل هذه النداءات قد تشكل مخاطر سياسية مستقبلية على البلاد.. هذه الدعوات نفسها لم تطرح على بساط البحث والنقاش في اللحظات الطبيعية، وهي غالباً ما تطرح على المسرح في أوقات الأزمات، في لحظات عاطفية نتاج تفكير لحظي آني لحظة من الغضب السياسي والغضب كما قال الإمام علي يطفئ سراج العقل. 

 ــ ركزنا كثيراً على المشكلة فما الحل؟ 
* أستطيع القول: أن القضية اليمنية بأمس الحاجة للتغيير وبحاجة لحكم جديد أساسه المشاركة والمساواة، أساسه دستور يحمي الحقوق والحريات فيه ضمانات لا يستطيع شخص ما مهما بلغ تأثيره أن يمسه بشيء، من هذه الضمانات ألا يكون الرئيس القادم عسكرياً وأن يكون قد تخلى عن عمله العسكري قبل مدة لا تقل عن عشر سنوات وألا يتولى أي من أقاربه أي منصب سياسي كبير، نحن بحاجة لنظام مؤسسي تغييري، وإلى جانب هذا وجود مؤسسات فاعلة تصنع قراراتها، نحن نحتاج إلى تآلف وإنسجام وتناغم بين المؤسسات والتنظيمات، أو بمعنى آخر بين قواعد اللعبة واللاعبين ، بحيث يتفق اللاعبون عن رضى وتراض ووعي على قواعد اللعبة، ويعملون باحترام وإجلال وتقديس على اللعب وباحتراف لهذه القواعد وليس باحتراب بما يحقق مصالح الجميع. 

المصدر : جريدة أخبار ايوم

زر الذهاب إلى الأعلى