فضاء حر

ميزان الرئيس!

"اشعر بالانكسار".. عبارة قالها احد زملائي المستقلين في اللجنة الفنية للإعداد والتحظير للحوار الوطني عقب سماع قرار رئيس الجمهورية بإضافة 6 اشخاص الى قوام اللجنة، قرار مفاجئ في مرحلة حساسة جدا من عمر اللجنة ، والأدهى من ذلك انه قرار لا يستجيب لطلبها المتكرر بإضافة ممثلين للحراك الجنوبي بمشاريعه السياسية المختلفة ، بل على العكس ، يرسل في تشكيلته السياسية رسالة سلبية لأطراف في الحراك ويجعل استجابتها للانضمام اكثر تعقيدا فلماذا هذا القرار؟ ولماذا الان ؟ولماذا بهذه الصيغة التي تصب في مصلحة طرف سياسي واحد؟ اسئلة لم اجد لها اجابات شافية حتى بعد لقاء اللجنة الفنية رئيس الجمهورية.

لهذا القرار ابعاد ثلاثة .. الاول قانوني ، والثاني فني اداري ، والثالث سياسي .. وفي البعد القانوني اتساءل واياكم .. هل يحق لرئيس الجمهورية ان يصدر قرارا بتشكيل لجنة تتمتع بموجب قراره بصفة السيادة في عملها وقراراتها، ومن ثم يقوم في منتصف عملها ودون استشارتها ان يضيف اليها 6 اشخاص ؟

هناك من يقول انه لا يحق للرئيس من الناحية القانونية ان يفعل ذلك وانه بعد اصدار القرار بتشكيل اللجنة عليه ان يتعامل مع اعضائها وعضواتها فيما يخص اللجنة كشركاء لا اتباع، وفي الوقت ذاته هناك من يقول ان للرئيس لحق في اصدار قراراته حتى وهو نائم وبلا قيد او شرط ، ردني هذا النقاش الى نقاش آخر دار قبل عدة اسابيع ضمن لقاء نسوي في منزل الاستاذة امة العليم السوسوة، حين استبشرت عدد من السيدات – مع بعض التحفظات – خيرا بقوام هذه اللجنة وبنوعية اعضائها وعضواتها وبنسبة وجود النساء فيها واعتبرته نتيجة لمقدمات معينة يومها قلت لهن ان انشاء هذه اللجنة بما تحمله من قوام مميز شجعني وآخرين غيري على قبول العمل فيها ليس له مقدمات تبشر بتراكم ايجابي ، بل هي "طفرة" ، حتى وان كانت لجنة جيدة بالنسبة للبعض وتحمل مقومات النجاح ، الا انها مازالت في طريقة تشكيلية مفصولة عن اي سياق يوحي بالثبات والتقدم .. هي قرار رئاسي لم يستند على الية محددة نعرفها ، فربما كان مزاج الرئيس جيدا حين شكلها ، لكن ان لم يتم وضع معايير واسس والية يتم عل اساس اختيار التكوينات المختلفة فمن يضن ان لا يتغير ميزان الرئيس؟

اما في البعد الفني والاداري فان اللجنة كانت قد قطعت شوطا كبيرا في التفاهم فيما بينها ، وجلست مع الخبراء حول عدد من القضايا التي يجب ان تتخذ قرارات بشأنها ، وخاضت عصفا ذهنيا مكثفا ، واي اضافة جديدة ستعيدها الى نقطة الصفر في كثير من القضايا ، وهنا ادخل مباشرة الى جانب السياسي وابدأه بالتساؤل حول ما يعنيه انضمام عدد من اتباع صف سياسي معين للجنة للجنة في مرحلة اتخاذ القرارات ؟ علما ان كل المجموعة المضافة كانت للقاء المشترك وشركائه ، ولحزب الاصلاح نصيب الأسد فيها ، وهو سياق ولد لدينا احساسا بان طرفا ما لم يستطع كسر حالة التوافق المتوازن داخل اللجنة ليفرض شروطه فاستعان بالرئيس ليكسرنا جميعا .. لهذا كان زميلي بليغا جدا حين قال " اشعر بالانكسار".

والاسوأ من ذلك كله ان قرار اضافة الـ 6 جاء بعد قرارات رئاسية سلمت محافظتي عمران والجوف اللتين تشهدان صراعا مسلحا بين الاصلاح والحوثيين لمحافظين اصلاحيين ، ضمن دلاله مقلقة خلقت توترا مضاعفا في تلك المناطق ، وقد تدفع تشكيله كهذه بان تكون الدولة طرفا في الصراع ، وهو امر خطير للغاية ، ولهذا وذاك .. شعر عدد من اعضاء وعضوات اللجنة ان طلب التهيئة للحوار الذي ضلت تنادي به اللجنة طوال الوقت لم يتم فقط التأخر في الاستجابة له بخطوات عملية ، ولكن الامور اتجهت عكسه .. شمالا وجنوبا.. وهنا سأقول العبارة التي قلتها في سياق الحديث عن الحوار الوطني اثناء احد اجتماعات اللجنة الفنية.." لا اريد ان تعود الحرب الى شارع الزراعة".

قلتها لأبيّن ان نجاح الحوار الوطني ليس مطلبا سياسيا مطاطا ولا اضافة ترفيه لجدول الاعمال بالنسبة لي .. بل هو ضرورة تمس حياتي بشكل مباشر وكل من يسكن معي في الشارع الذي تربيت فيه .. ولست وحدي من كان يدرك خطورة ما قد تسير اليه اليمن في حال فشلت الادوات السياسية السلمية بمختلف اشكالها في معافاة جروحها فاعضاء وعضوات اللجنة ليسوا ادوات جامدة تؤدي وظيفة فنية لا علاقة لها بما يدور على الأرض، بل هي شخصيات وتكوينات يمنية معنية بشكل مباشر بنجاح الحوار .. لهذا كان على راس ما طرحته اللجنة في اول لقاء لها مع رئيس الجمهورية بتلقائية وبدون تنسيق مشترك وثم ناقشته في اول اجتماعاتها هو الهيئة الميدانية نحو حوار وطني ناجح.

تناقشت اللجنة كثيرا وتباينت آرائها في كيفية صياغة التوصيات التي ترفعها الى رئيس الجمهورية بهذا الخصوص، لكنها توافقت على فكرة التهيئة وعلى وجود قضايا حقوقية لا تحتاج معالجتها الى حوار بقدر ماهي بحاجة الى قرار وارادة سياسية وعلى اولوية الجنوب وصعدة في المرحلة الحالية وعلى قضايا حقوقية عامة وعاجلة كقضية المعتقلين مع التأكيد على ان جميع الوطن يئن تحت وطأة المعاناة ويحتاج الى معالجات متعددة الأشكال قبل الحوار واثناءه وبعده.

كانت فجيعتي بالقرارات الاخيرة لا تنفصل عن هذا السياق .. فهل يمكن ان تنجح الحوار بدون ارادة سياسية من مختلف الاطراف وبدون خطوات تهيئة ، وبدون قرارات رئاسية متوازنة لا تغلب طرفا على طرف ؟ وسألت نفسي وآخرين غير ي في اللجنة .. كيف يجب ان نتصرف ؟ هل نبقى ضمن لجنة نعرف ان اهم ادوات نجاح ما تحضر له ليس بيدها؟

يرهق هذا السؤال المستقلين داخل اللجنة اكثر من غيرهم لأن للأطراف السياسية حساباتها ، فمهما كان حجم استيائها من قرار او توجه سياسي ما .. ستواصل عملها في اللجنة وستضغط بطرقها الأخرى ضد اي قرار لا تريد ، وبالاتجاه الأقوى عل الأرض فإنها ستسعى على تقوية نفوذها على الارض بالطرق المشروعة وغير المشروعة .. وهنا تكمن الخطورة المضاعفة لأي لبس يكتنف قرارات راس الدولة .. ان اختل توازن اليمن بأكمله.

لكن هل من المبالغ فيه والمبكر جدا الحكم على قرارات الرئيس بانها قد فارقت المنتصف ومالت نحو طرف ما؟ ربما.. وربما لا.. مازالت للأيام القادمة كلمتها .. لكنه جرس انذار لا نستطيع ان نتجاهله .. هو قال لنا في اللقاء معه ان التحديات كبيرة وانه يفعل ما بوسعه وانه يعلم ما لم نعلم.. ونحن قلنا له مخاوفنا.

عاودت اللجنة عملها بأغلبية اعضائها وعضواتها .. لم احضر اول وثاني اجتماعاتها في قوامها الجديد.. طلبت فرصة للتفكير .. ثم قررت ان اكتب هذا المقال واعود لمواصلة العمل فيها.. لا اعرف ان كان هذا هو القرار الاصوب .. ستخبرني الأيام القادمة!

عن – الأولى

زر الذهاب إلى الأعلى