فضاء حر

فتنة طائفية.. ما السبب؟!

 الإجـــابــــة: التعمــيــــم

حينما اندلعت ثورة 11 فبراير كان عدد المشاركين فيها عشرات الأشخاص، دعك من الآلاف التي خرجت بشكل عفويٍّ في الليلة الأولى ثم سُرعان ما عادت إلى منازلها.. فذلك الخروج ليس أكثر من مظاهرة احتفائية بسقوط مُبارك، وإن حملت بعض شعارات الرحيل فإنها لم تصبح جادة بعد أن عاد هؤلاء إلى منازلهم إلا ببقاء قلة من الشباب يمكن تقديرهم بالعشرات فقط، هؤلاء هم الذين استمروا لأيام متواصلة بالاعتصام وتعرضوا للاعتقالات دون أن يمنعهم ذلك من الاستمرار وصولاً إلى تأسيس ساحة الحرية في ليلة 13 فبراير 2011م، برأسمال قدره ثلاثة آلاف بَطَل..

يومها، كان المؤسسون لساحة الحرية، مجموعة من المنتمين إلى أحزاب اليسار القومي والشيوعي، ومجاميع من الشباب المستقلين والكادحين والمُقامرين بأرواحهم، بينما كان عدد الإسلاميين “المنتمين لأحزاب أو جماعات إسلامية” محدوداً جداً، وكان محصوراً في من يستطيعون الخروج على نظام التعميم في هذه الأحزاب الراديكالية، والذي يصعب على المنتمي لمثل هذه الأحزاب أن يخرج عليه بطبيعة الحال، حيث تحدد التعميمات الحزبية فيما إذا كان يجب على الأعضاء أن يثوروا أو لا.. وهذا النوع من الثوار – الذين ينتظرون صدور الأوامر ليثوروا – يمكننا تسميتهم بـ “ثوار بالاستئذان” أو “ثوار بالتعميم”..!

لقد مارس “ثوار التعميم” هؤلاء أقبح الأدوار داخل ساحات الحرية والتغيير في عموم الجمهورية، فهم الذين تناقلوا الإشاعات وفقاً للتعميمات الصادرة إليهم بتناقلها، وهم الذين شوهوا سمعة عدد كبيرٍ من الثوار والثائرات من المختلفين مع أحزابهم وجماعاتهم، وهُم الذين أرجفوا في الساحات فمنعوا التصعيد الثوري واتهموا الشباب الذين كانوا يذهبون للتصعيد ويعودون شهداء بأنهم يعملون لصالح المخابرات..! وهم الذين تصدروا لأعمال العنف والإشكالات داخل الساحات ومارسوا القمع بحق خصومهم باسم “عدم شق الصف” وهم الذين حرضوا وأساؤوا للثورة، بل وعدد كبيرٌ منهم كان ثائراً بالأُجرة، يأخذ من حزبه ثمن بقائه في الساحة مالاً وطعاماً ونثرياتٍ وامتيازات أخرى..!

 

غالبية هؤلاء “الثوار” المصطنعين، لم يقدموا تضحيات تُذكر، فهم ليسوا أكثر من مستفيدين من هذه الثورة، ولا أعتقد أن أحداً يمكنه الجِدال في أن هذه الثورة ساهمت في صعود نجم عددٍ كبير من الانتهازيين كمثل ثوراتٍ كثيرةٍ سبقتها، ولذا فقد كان لثوار التعميم هؤلاء أدوار سلبية داخل الصفّ الثوري، وهُم الذين مارسوا الإرهاب أكثر من مرَّة على جموع الثائرين الذين رفضوا كثيراً من المُبادرات والتسويات، وهُم الذين نافقوا بلا ملل، فكانوا كما يقول المثل: “يرعون مع الراعي، ويأكلون مع الذئب”، وهم بطبيعة الحال من لا يعرفون عن الثورة أكثر مما يقوله لهُم التعميم الصادر إليهم والموجِّه لثوريتهم..!. إن من خرجوا للثورة بتعميم حزبي، هم اليوم من يحرِّض طائفياً تنفيذاً لتعميم حزبيٍّ مشابِه، وبمُساعدةٍ من وسائل إعلام حزبية وحتى مُستقلة! لشحن الرأي العام والتغرير به تمهيداً لخوض حربٍ أهلية منتظرة وممولة إقليمياً على ما يبدو لتصفيات حسابات بين أطراف دولية لا علاقة للبلد ولا مصلحة له فيها على أيِّ وجهٍ من الوجوه..

لقد أدت هذه المسوخ الثورية دورها خلال الثورة، وبعد أن فرغت من صياغة شكل الثورة المطلوب؛ ثورة تقود للسلطة، بدأوا في مُمارسة الدور الألعن، إثارة النعرات المذهبية بين أبناء البلد، ودون أن يصدعوا رؤوسنا هذه المرة بنظرية “شق الصف” التي بسببها، أرهبوا وأقصوا وصادروا وضربوا واعتدوا، اليوم هُم يعملون على شق البلد نصفين دون أدنى وازعٍ من ضمير أو أخلاق، ودون رحمة، بالبلد أو بساكنيه، أو حتى بأنفسهم من هذه الجريمة التاريخية التي سيدفع ثمنها اليمن غالياً.. وغالياً جداً..!. هذه الكائنات الآلية لا تكترث، ومن المؤكد أيضاً أنها لا تفكر بذات الوقت، ومن السذاجة بطبيعة الحال أن نعطي آذاننا وعقولنا لهذه الإمعات التي تتنفس وتقرر وتنفذ وفقاً لما تؤمر بِه من أعلى، والتي تتحرك وفقاً لأجندة مخططة لها ومبنية على مصالح محددة لأفراد ومجموعات مستفيدة – قطعاً – من خوض مثل هذه الحروب العبثية وإذكاء الفتن الداخلية بين أبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة، خدمة لمصالح الإمبريالية العالمية.

 

ومن مقتضى العقل أن نعي، أن أولئك الذين يتحركون وفقاً لما يؤمرون بِه، دون تفكُّر وتدبير، والذين يخدمون أجنداتٍ إقليمية أو دولية لا علاقة للمصلحة الوطنية بها، والذين تقودُهم المصالح الخاصة على حساب مصلحة البلد، والذين يسيرون ويعملون وفقاً لمبدأ “السمع الطاعة”، هؤلاء جميعاً يجب ألا يكون لهم أيّ مكان في أسماعنا وتفكيرنا، فالمؤكد والحتميّ أنهم لن يهدونا سواء السبيل.. وباختصار: لا للفتنة الطائفية، لا للتحريض المذهبي، لا لثوار التعميم والمأزومين وعملاء الخارج!

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى