تحليلات

الرئيس هادي والأجندة الانتقامية.. حسين اللسواس

عقب المحاولة الاجرامية الآثمة التي طالت وزير الدفاع توقعت كغيري من متابعي الشأن المحلي صدور قرارات رئاسية بإقالة رؤساء جميع أجهزة المخابرات الوطنية، باعتبارها المسئولة المباشرة عن الأمن الداخلي في الجمهورية، وبالأخص ما يتصل بتأمين حياة كبار المسئولين في البلاد، غير أن توقعاتي ذهبت أدراج الرياح، فالقرارات الرئاسية اقتصرت على شخصيتين من رؤساء أجهزة المخابرات، ألا وهما رئيس جهاز الأمن القومي، اللواء علي الآنسي، ورئيس دائرة الاستخبارات العسكرية، العميد مجاهد غثيم.

رغم أن جهاز الأمن السياسي يعتبر هو المسئول الحقيقي عن الأمن الداخلي للجمهورية اليمنية، باعتبار أن كلا من القومي والاستخبارات العسكرية مسؤولان عن الأمن الخارجي وأمن الجيش على التوالي، إلا أن قرارات الاقصاء الرئاسية لم تطل الرئيس التاريخي لجهاز الأمن السياسي، اللواء غالب القمش.

 

في شأن الحديث عن القرارات الرئاسية الآنفة، والاستثناء المثير للدهشة، ثمة تساؤلات عديدة تفرض نفسها، من قبيل: لماذا يظل الجهاز الآخر (الأمن السياسي) مبرأ لدى رئيس الجمهورية من أي اتهام أو مسئولية؟ هل يعني هذا أن الرئيس راضي كل الرضا عن عمله وادائه، رغم الأخطاء الفادحة والاخفاقات المتتالية التي وصلت حد عدم قدرة الجهاز على حماية عملائه ومنتسبيه من هجمات تنظيم القاعدة في جنوب اليمن، التي ذهب ضحيتها مئات الضباط الأكفاء في الجهاز؟

في حادثة كمحاولة اغتيال وزير الدفاع لاشك أن الجهاز المسئول عن الأمن الداخلي للجمهورية (الأمن السياسي) يعد هو الجهة المسئولة عن أي تقصير أو اخفاق، لا سيما إذا ما علمنا أن جهاز الأمن القومي – حسب قرار انشاؤه – مسئول بدرجة رئيسية عن الأمن الخارجي للبلاد.

لقد كانت معظم التوقعات تشير إلى صدور قرار جمهوري بإقالة رئيس الأمن السياسي ورؤساء أجهزة المخابرات الأخرى، كالأمن القومي والاستخبارات العسكرية، غير أن ذلك لم يحدث للأسف الشديد.

 

شخصيا كنت أتوقع ومعي كثيرون، أن يتزامن اقصاء الجنرال علي الآنسي من الأمن القومي، مع قرار شجاع وجرئ بإقصاء نظيره في الفشل والاخفاق، الجنرال غالب القمش، من الأمن السياسي، إن لم يكن من باب احداث تغيير يسهم في تصحيح الاختلالات الراهنة في عمل الجهازين، فمن باب ضخ دماء جديدة قادرة على احداث تحولات حقيقية في عمل المخابرات العامة، ووضع حد للتدهور الحاصل في وأداء أجهزة المخابرات الوطنية.

 

في الأمن السياسي ثمة مطالب عديدة برحيل غالب القمش، وسبق لضباط في الجهاز – حسب صحف محلية – تنفيذ اضراب واعتصام شامل في المقر الرئيسي للجهاز للمطالبة بالتغيير، ومع هذا لم يتم التعامل مع تلك المطالب بجدية، حيث ما زال الرئيس هادي يتعاطى معها بأذن من طين وأخرى من عجين.

 

في أحايين شتى يتعامل المرء ببراة: إذا كان الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيسا توافقيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فلمصلحة من – إذن – الابقاء على رموز الحرس القديم في مناصبهم ومواقعهم السيادية التي يتبوؤونها منذ عقود خلت؟ لقد كان القمش وأمثاله شركاء أساسيين للرئيس صالح في الفساد والعبث بأموال ومقدرات البلاد على مدى ثلاثة عقود، وما زالوا – مع الأسف الشديد – ثابتين في مواقعهم السيادية بالتزامن مع اقصاء كل الذين تم تعيينهم بعد مجيء هؤلاء بسنوات طويلة.

 

أحيانا أشعر ويشاطرني في هذا كثيرون – أن قرارات الاقصاء الرئاسية ما هي الا ردود أفعال انتقامية صادرة من مطابخ  رموز النظام القديم (القمش، علي محسن)، بهدف اقصاء كل أولئك الذين حاولوا تقليص نفوذهم، والاستحواذ على سلطاتهم في الدولة خلال المرحلة الأخيرة من حكم صالح.

وبما أن الرئيس هادي أضحى في نظر قطاع واسع مجرد منفذ لتلك الاجندة الانتقامية الخاصة برموز النظام القديم في الدولة، فقد بات – أي هادي – مطالبا أمام الرأي العام بإثبات عكس ذلك تماما.

هذا الاثبات في الواقع لا يمكن تحقيقه سوى بقرارات اقصائية مماثلة تطال غالب القمش ورموز النظام القديم، الذين باتوا وفق مؤشرات عديدة، أكثر المستفيدين من القرارات الأخيرة!

 

فاصلة

أبرز ما يدعو للدهشة في قرارات التعيين والاقصاء الرئاسية انها تتزامن دائما مع حوادث دامية! فعقب الحادث الارهابي الذي استهدف جنود الأمن المركزي في السبعين، صدرت عشرات القرارات الجمهورية ذات الطابع الاقصائي.

وعقب حادث كلية الشرطة صدرت قرارات اقصائية مماثلة. وبالأمس فوجئنا بسيل من القرارات الاقصائية. ثمة تساؤل يطرح ذاته وبقوة: لماذا تتزامن قرارات الاقصاء الرئاسية مع الأحداث الدامية؟ وهل هي – كما يزعم البعض –  محاولة من الرئيس للرد على ما يعتبره تورط للطرف الآخر في تلك الاحداث؟ أم أن تلك الأحداث محض مبررات لاتخاذ تلك القرارات وتمريرها دون مواجهة أي اعتراضات، وبالأخص من جانب المؤتمر الشعبي العام الذي باتت كوادره تتعرض لعمليات اقصائية منظمة في مختلف مؤسسات وقطاعات الدولة، مجرد تساؤل ليس أكثر.

عن: صحيفة الشارع 15/09/2012

زر الذهاب إلى الأعلى