(أسماء) طفلة بُرع التي سرق الغدر حياتها وهي تحلم باللعب مع أمها
المستقلة خاص ليمنات
لم تدرك أم أسماء “الطفلة ذات السنوات السبع”،- خلال ساعات النهار- عندما كانت طفلتها البريئة تحتضنها بشدة وتقول لها مراراً: “أحبك أمي، أحبك”، وتقبلها باستمرار ولم تعلم الأم أن هذا التعلق الطارئ بها من بنتها البريئة سيعقبه فراق للأبد.، ولم تكن تلك الكلمات المفعمة بالحب الطفولي البريء، إلاّ وداع أخير لست الحبائب التي تتلقاها من فلذة كبدها، ولن تسمع صوتها الموسيقي الرقيق يوماً آخر، وأن القبلات الحارة، التي يرصعها على خدها الفم الصغير المتسم، كحبات اللؤلؤ المنضود، هي هدية الوداع التي لن تتلقاها من طفلتها ولن تحس بحرارتها بعد تلك اليوم.. تُرى، ماذا لو علمت الأم الحنونة بما يخبئ لها القدر بعد ساعات قليلة، هل كانت ستبعدها عن حضنها؟! وهل ستسمح لنفسها بالنوم بعيدة عنها في تلك الليلة وقد طلبت منها أن تنام بجانبها.. أو بمعنى أدق هل كانت ستنام، وهل ستكف عن اللعب معها لحظة واحدة وهي تعلم أن تلك هي رغبة أسماء الأخيرة..
حل المساء وغرق الكون في ظلامٍ وسكون.. مرت ساعاته سريعاً على إيقاع يبدو وكأنه يحدث لأول مرة، بعد أن غرقت الأسرة المكونة من أمٍ وأطفالها الصغار في نوم عميق، انتصفت ليلة الخميس/ الجمعة 25 يناير 2013، كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل عندما أفاق سكون الليل مفزوعاً على وقع إطلاق النار، وضجت قرية “أكمة الشرف” مديرية بُرع محافظة الحديدة بأصوات الرصاص وهي تتساقط على جدران المنزل بغزارة، استيقظت الأم وأطفالها مرعوبين هلعين، وقبل أن تدرك الطفلة البريئة التي لم تكمل عامها السابع “أسماء” ما الذي يحدث، كانت رصاصة غادرة قد اخترقت إحدى نوافذ المنزل، لتخترق جسدها الغض البريء، لتصبح في غمضة عين غارقة بدمائها الزكية، في جريمة وحشية بشعة غدراً وإرهاباً وعدواناً في ليلة مشؤومة مرعبة، ارتكبتها مجموعة مسلحة برئاسة شيخٍ نافذ، بعد أن حاصروا المنزل وأمطروه بوابل من الرصاص، من جميع الاتجاهات، كانت الام كأطفالها تصرخ بأعلى صوتها وهي تستغيث وتطلب النجدة من أصحاب القرية، وتخبرهم أن طفلتها مصابة وتشارف من الموت وإنها بحاجة إلى إسعافها، لم يجرؤ أحداً على الاقتراب من المنزل، المحاصر من قبل المسلحين، يقول شقيق أسماء وهو طفل عمره ثماني سنوات: “كانت الرصاص تحط من كل جانب على البيت وأصابت رصاصة أسماء وكانت الدماء تسيل من جسدها على الأرض، ولم يحرك سكان القرية ساكناً لإسعاف ابنتهم المصابة، ولم يقوموا حتى بالمواساة.. فما ذنب الأطفال؟”..
تجاسرت الأم تحركها روح الأمومة وفطرتها والقهر يزلزل قلبها، فحملت طفلتها المغدورة وخرجت بها بقصد إسعافها إلى مدينة الحديدة، مضت وحيدة دون مساعدة من أحد، قطعت أكثر من 2 كيلو متر وهي تحمل فلذة كبدها فكانت الدماء تغسلهما معاً، وتسيل على الطريق تاركة وراءهما بقعاً حمراء قانية، لتكون شاهدة على جريمة الغدر البشعة، وعنواناً لمأساة أسرةٍ لم يتبق أمامها سوى البحث عن العدالة.. لم تكن دماء الطفلة أسماء كافية لتستمر في تدفقها طوال الطريق إلى المستشفى، لقد نضب في منتصف الطريق، بعد أن ظلت تنزف طويلاً، لتفارق أسماء “الطفلة البريئة” الحياة، وصعدت روحها البريئة نحو سماوات العلا تشكو لباريها مصابها الجلل، في حين بقي جسدها الغض الطري في حضن أمٍ ثكلى شاهداً على بشاعة الجريمة والغدر.. أوصلت الأم جسد طفلتها إلى المستشفى، وتركته هناك ليوضع في الثلاجة وخرجت وهي تتمنى لو يعود بها الزمن ساعات إلى الوراء لتبادل طفلتها قبلات الوداع وتحقق أمنيتها الاخيرة في اللعب معها.
والد الطفلة عبدالله حسن البرعي الغائب عن قريته لأنه يعمل في مدينة الحديدة لكسب قوته وقوت أسرته فوجئ بالجريمة متهماً شيخاً نافذاً وعصابته المسلحة بقتل طفلته الصغيرة مطالباً النائب العام ووزير الداخلية ومحافظ الحديدة بالتحرك العاجل لضمان ضبط الجناة وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم جراء هذه الجريمة الوحشية.
ومن الجدير ذكره أن خلاف قد نشب قبل عام من الآن بين شقيق الطفلة القتيلة ويدعى عبدالكريم وشخص آخر من جيرانه حيث صفع عبدالكريم بكفه وجه هذا الشخص وقد تم التحكيم بهذه القضية لدى العاقل إبراهيم المعتوق فحكم على شقيق اسماء الكف بدل الكف+ 250 ألف غرامة وتهجير فوافق أهل الطفلة القتيلة على ذلك لكن غرمائهم رفضوا الحكم وبعد ذلك تم تحكيم الشيخ أحمد صالح عضو مجلس النواب فحكم بـ 600 ألف ريال على أهل الطفلة و300 ألف ريال على الطرف الثاني ولكنه أيضاً لم يتم تنفيذ الحكم..
ختاماً من المؤكد أن بُرع محمية من قطع الأشجار لكنها ليست محمية من قتل الأطفال..