فضاء حر

الاخوان.. الانفلات عن مصالح الشعوب وتسويغ الاستبداد

يمنات

 ان ماشرع الاخوان المسلمين في ممارسته  فور وصولهم الي السلطة  يكشف عن عدم انتمائهم الحقيقي  الي المصالح الملحة والجذرية للجماهير وقضاياها الوطنية والاجتماعية والثقافية والعلمية، وهي المصالح التي تحتم بطبيعتها على  من يحكم اليوم  الانفلات من جميع شروط الزمان والمكان  التي  تخلق وعيا زائفا  يخدم   استمرارية  المعطيات التاريخية  التي  تنتج الاستبداد  وتسمح له بالبقاء والتفاقم.

إن الخطاب السياسي  للمكونات الدينية وان لم يكن قد اخذ مداه الزمني الا انه  قد بدا واضحا في انزلاقه  باتجاه المواقف الرجعية اجتماعيا والسلفية ثقافيا وطرحه نفسه بديلا ارتداديا  يدافع عن نكوصيته  بدون تغليف او مواربة وبعقل تسويغي يتعاطى  مع التحولات الجارية  على نحو يفصلها  عن  المشكلات الكبرى    ويعيد تفصيل تلك التحولات وفقا لمعطيات اللحظة السياسية التي   يؤسس فيها  بكيفية تسويقيه  لشروط داخلية تكفل  للمكونات الدينية استملاك السلطة واعادة انتاج تفسيرات وتنظيرات جديدة في سياق تأمين تغطية ايدلوجية دينية  تشرعن لاستبداد جديد قائم على شرعية دينية تزييفية تعلو على حرية الجماهير وحاجاتها في التنمية والتقدم.

بل ان الاكثر كارثية في ظلك الخطاب الديني الذي يفترض وفق اطروحاته التسويقية ارتباطه بالمصالح التاريخية للأمة، انه لم يخف فور وصوله مرمى السلطة انفلاته عن سياق حركته التاريخية وتراكماتها  من خلال ارتهان مكوناته لما يخدم مصالح القوي المهيمنة في المنطقة والتي تعد العدو الطبيعي  عبر التاريخ لهذه المكونات الدينية وللامة بل واعطا اشارات اولية بالاستعداد الكامل لحماية مصالح العدو الاستراتيجية وبلورة تفسيرات تسويغية لهذا السلوك السياسي الجديد القديم.

وعلي النحو الذي يعيد انتاج الوعي الديني  وفق موائمة تسويقية بين ذهنية الاستعداء التاريخي التي تهيمن علي وعينا الديني وبين حتميات  وضرورات التعايش مع اسرائيل والغرب.

والاهم من ذلك  ان تلك الموائمة التي سيتكفل المعطى الديني في تخليقها لن تأتي كاستجابة موضوعية لحاجات الجماهير وحل مشكلاتها الكبرى. وانما ستاتي استجابة لحاجات السلطة الدينية في احتكار السلطة السياسية وادواتها المحلية.

انه ومهما كانت المكونات الدينية للإسلام السياسي  هي الاكثر ارتباطا في بنياتها التوصيفية والمعرفية مع الهوية التاريخية للبلدان العربية الا ان ذلك الارتباط المتناغم ذهنيا قد يضيف اعبا جديدة على الشعوب اذا لم ترتبط السلطة الدينية السياسية  بمشاكل الجماهير الكبرى وتحقيق تطلعاتهم واحتياجاتهم العصرية.

وقد بدا واضحا من اول وهله انفلات السلطة السياسية الدينية عن تلك الهموم والمشاكل والتطلعات  التي تتمفصل فيها  احلام الشعوب. وهو ما يحتم على كل القوى الليبرالية  والحداثية القيام بدور حيوي لمواجهة  تلك السياسات الجديدة  وبأدوات مدنية واعلامية من خلال المشاركة في العملية السياسية الكلية والتي ليست بالضرورة المشاركة الحرفية والإدارية  في السلطة بقدر ماهي  تنفيذ سياسات وادا مهام توعوية برامجية متناسقة مع ادوات ادارة المجتمع ومسنودة بمنظومة اعلامية تثقيفية  متكاملة تؤسس لإنتاج فكر حيوي ووعي متفاعل مع حاجات الجماهير ومتطلبات العصر وتمهد لبلورة منظومة تربوية تكون حاضنة ومنتجة لتجربة عقلية حيوية تنمو فيها قيم الحرية والديمقراطية وتنمية الذات الجمعية و تعيد للإنسان العربي مكانته الحضارية، وفي ذات الوقت ليست بعيدة عن الحاجات الاقتصادية والمجتمعية للجماهير.

كل ذلك وبمعزل عن كل الممارسات التي تنحرف عن سبيل الاهداف الكبرى تحت تأثير القبح الذهني الذي يهيمن علي  العقل العربي  في ارادة امتلاك السلطة  وجعلها غاية كل الغايات، اما اذا لم تتهيأ تلك النخب الحداثية المتعددة الالوان الايدلوجية  وتصطف في اطار مشروع متكامل تتمفصل فيه المصالح الكبرى،  فان المكونات الدينية السلفية  بخطابها الديني الارتدادي ستهيمن علا كل امور الدولة والمجتمع وتعيد انتاج استبدادها الديني واحتكار السلطة السياسية وبأدوات الديمقراطية التي ستنهجها وتفصلها وفق حاجاتها الخاصة ونصبح اثر ذلك عصفا مأكول.   

زر الذهاب إلى الأعلى