فضاء حر

مفقـــودان: الصـــندوق الأســـود رقـــم (2) والقيـــادة الجويــــة

يمنات

قال مدير إعلام القوات الجوية إنه "تم العثور على الصندوق الأسود لطائرة السوخواي22 التي سقطت الاثنين الماضي في بيت بوس جنوب صنعاء"، وإنه تم العثور عليه "شبه محطم، وباحتمالية قراءة ضئيلة لمحتوياته"، وقد لاقى تصريحه هذا لموقع "الثورة" الرسمية هجوما وسخرية من قبل الكثيرين. غير أنه لم يقل، في الواقع، ما يدعو إلى مهاجمته أو السخرية منه.

"الصندوق الاسود" برتقالي اللون حتى يسهل تمييزه وسط الحطام ويلمع في الظلام. وهو مصنوع من خامات فولاذية حتى يكون مقاوماً للتحطم والحرارة وأقوى الصدمات. لكنه، مثل أي شيء آخر، يمكن أن يتحطم ويحترق، ويحدث هذا في أحيان كثيرة.

غير أن "الصندوق الأسود" صمم أيضاً لمواجهة هذا الاحتمال، احتمال تحطمه أو احتراقه. فوحدات ذاكرته الصلبة، التي تسجل بيانات الطائرة، يمكن أن تفصل وتنظف لكي يتم استخراج المعلومات منها لاحقا بعد وضع كابل مشترك وتوصيلها بصندوق أسود سليم. فهل يفسر لنا هذا حديث ناطق الجوية عن وجود احتمال ضئيل لإمكانية قراءة محتويات الصندوق "شبه المحطم"؟

قد يكون الرائد طيار مهدي العيدروس محقاً في تصريحه حول حالة الصندوق، لكنه ما يزال مطالبا بإخبارنا بأمرين آخرين لكي نعتبره كذلك: ما الذي خرجت به التحقيقات من قراءة ذاكرة الصندوق "شبه المحطم"، وماذا عن الصندوق الأسود رقم 2؟

يخبرك "Google"، إذا سألته، أن هناك صندوقين أسودين في كل طائرة: أحدهما يسجل الوقت والسرعة والاتجاهات والآخر يسجل الأصوات والحوارات والاتصالات التي تدور داخل الطائرة.

وعلى الرائد العيدروس، الذي حدثنا عن الصندوق "شبه المحطم"، أن يخبرنا شيئا عن الصندوق رقم 2: أين هو؟ وكيف حاله؟

أميل إلى عدم التشكيك بكل موظف يمني عام في أي موقع كان داخل الدولة ما لم يكن لدي أسباب معقولة للشك به.

من خلال التصريحات القليلة التي أدلى بها مؤخرا وتسنى لي الإطلاع عليها، لا يبدو لي أن ناطق الجوية يسعى لتوفير غطاء لأي مخطط تدميري وعدواني يستهدف قوات الجو.

في تصريح له عن أسباب سقوط طائرة "السوخواي 22"، شدد العيدروس على أن "السبب خلل أمني وليس فني". لكن هذا في الحقيقة هو أقل ما يمكنه قوله في حالة كهذه. فقد تعرضت الطائرة قبل سقوطها للإصابة بأعيرة نارية ظهرت آثار بعضها على أجزاء من حطام الطائرة، بحسب ما أظهرته الصور الفوتغرافية الملتقطة للحطام والمنشورة في بعض الصحف والمواقع الإخبارية وصفحات الفيسبوك.

يسود الاعتقاد على نطاق واسع في الشارع اليمني منذ فترة أن هناك مخططا لتدمير القوات الجوية اليمنية. وهذا هو الاعتقاد الذي يبدو أنه أصبح معترفا به رسميا من قبل القوات الجوية بعد تصريحات ناطقها الرسمي مؤخراً: قال إن هناك "منهجية مدروسة ومخططة للنيل من القوات الجوية "، وسرد عددا من الهجمات التي تعرضت لها هذه القوات مؤخرا ولم يركز عليها الإعلام كفاية.

إلا أن العيدروس ارتكب على الأرجح خطأ حين أورد الاحتجاجات التي يقوم بها أفراد القوات الجوية على قيادتهم الفاشلة باعتبارها تندرج ضمن الأعمال المعادية لقوات الجو. هذه سقطة خطيرة سبقته إليها قيادة القوات الجوية التي أرادت استغلال حادث سقوط طائرة السوخواي 22 المأسوي لتصفية حساباتها مع المحتجين ضدها داخل هذه الوحدة العسكرية الهامة، كما رأينا في بيانها الصادر عقب حادثة السوخواي.

 

الحديث عن وجود "مخطط تدمير القوات الجوية" لديه ما يسنده، فما حدث خلال الشهور القليلة الماضية لا يقول لنا البتة إن الصدفة وراء كل هذه الحوادث المأسوية بما فيها اغتيالات الطيارين التي كان آخرها اغتيال ثلاثة من أهم الطيارين في لحج، إنه لا يخبرنا بهذا قدر ما يخبرنا بالعكس.

الصدفة لديها ما تفعله غير التربص طوال الوقت بالطائرات والطيارين، ولابد أن يكون لدى قيادة القوات الجوية ما تفعله حيال مسلسل الجريمة المنظمة الذي يستهدف أهم وحدات الجيش اليمني، لابد أن يكون لديها ما تفعله غير محاولة استغلال مآسي الطائرات والطيارين اليمنيين الذين سقطوا في هذه الحوادث من أجل إخراس أصوات زملائهم ومطالبهم.

ربما لم تعد حكاية "مخطط تدمير القوات الجوية" مجرد تكهنات أو نظرية مؤامرة، لكن المؤكد أن أية مواجهة لهذا "المخطط" لن تنجح ما لم تبدأ من داخل القوات الجوية، ما لم تبدأ بتغيير قيادتها الحالية التي يبدو أنها لا تفتقر للكفاءة فقط، وإنما للمسئولية والحس والضمير الوطني والأخلاق أيضا.

من الواضح أن هناك سفاحا متسلسلا يستهدف الطائرات والطيارين اليمنيين. لكن، من الواضح أكثر أنه ما كان ليكون بهذه الفاعلية ما لم تكن فاعلية قيادة القوات الجوية في مواجهته تساوي صِفْر.

المشكلة في مستجدات حادثة سقوط طائرة السوخواي 22 لا تكمن، كما يبدو، في حالة الصندوق الأسود الذي قال الناطق باسم القوات الجوية إنه تم العثور عليه "شبه محطم"، قدر ما يبدو أنها تكمن في عدم الكشف عن كل تفاصيل الحادثة بما فيها مصير الصندوق الأسود رقم 2. لكن المشكلة الأساسية في هذه الحادثة وكل الحوادث السابقة لها تكمن على الأرجح في أن قيادة القوات الجوية مفقودة بشدة في كل هذه الحوادث أكثر من الصندوق الأسود رقم 2.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى