أخبار وتقارير

الإخوان المسلمين … من أجل السلطة تتغير الاستراتيجيات

يمنات – ميدل ايست اونلاين

الإخوان المسلمون أيدوا ثورة 1952 وقبلها كتبت صحيفتهم عن الملك: 'إنه أعاد صورة سالفة صورة الرسول الكريم حينما طلع على أنصاره طلوع البدر'

أعلن الشيخ حسن البنا في المؤتمر السادس للإخوان، الذي انعقد في العام 1941، إستراتيجيته من خلال هدفين أو غايتين هما: غاية قريبة يبدو هدفها وتنظيم ثمرتها لأول يوم ينضم فيها الفرد للجماعة، أو تظهر فيه الجماعة في ميدان العمل، وغاية بعيدة لابد فيها من ترقب الفرص وانتظار الزمن وحسن الإعداد وسبق التكوين.

وإذا كانت الغاية القريبة قد حددتها أفكار خطاب الدعوة لاستقطاب أكبر عدد من الأعضاء للجماعة، فإن الغاية البعيدة تبدو ماثلة في الاستيلاء على السلطة، وفي محاولة جاهدة للرد على الانتقادات حول الدعوة التي بدأت دينية وإصلاحية ثم ما لبثت أن أسفرت عن وجهها السياسي الباحث عن السلطة فإن الشيخ "البنا" يعالج الأمر بالتمييز بين ما هو وطني وما هو سياسي على نحو غامض وغريب في آن معاً إذ يقول: ومن كل هذا الذي تقدم يبدو الفرق الواسع بين الوطني والسياسي فالوطني يعمل لإصلاح الحكم لا للحكم ولمقاومة المستعمر للحصول على الحرية لا ليرثه في السلطة، ولتركيز منهاج وفكر ودعوة لا لتمجيد شخص أو حزب أو هيئة ولهذا يحرص الإخوان المسلمون على أن يكونوا وطنيين لا سياسيين ولا حزبيين.

وعلى هذا النحو من التفرقة بين الوطني والسياسي يسقط الشيخ البنا من حسبانه هذا الارتباط المتلازم بين الوطنية والمشاركة السياسية؛ وكأن الوطنية نقيض العمل السياسي! وعلى المنوال نفسه مع استبدال مصطلح "الوطنية" بمصطلح "الثورة" يتحدث القيادي الإخواني محمد البلتاجي فيقول: "البعض منا يري أن نقبل بما يتاح لنا من مكاسب، وأقول أن هذا غير صحيح ولو كنا قبلنا بهذا المبدأ ما كنا حققنا رحيل مبارك ولا عمر سليمان ولا أحمد شفيق. ولا كان تحقق لنا حل الحزب الوطني، فكيف نسينا درس الثورة، وكيف تناسينا حديثنا عن احترام الإرادة الشعبية، نحن أصحاب قضية عادلة وهي حقنا في استكمال ثورتنا وفي حماية الثورة من أعدائها".

إذن ترتبط المسألة السياسية لدي الإخوان بالمبدأ، وهذا ما يحدده البلتاجي حين يتحدث عن عدالة القضية، والإرادة الشعبية واستمرارية الثورة غير أن المهندس هيثم أبو خليل يطالعنا قبل شهور من حديث البلتاجي فيكشف لنا وهو من جبهة المعارضة الإخوانية عن لقاء سري عقدته قيادات من مكتب الإرشاد مع نائب رئيس الجمهورية السابق عمر سليمان. وقال أبو خليل: إن لقاءً سرياً سبق مع كل القوى السياسية تحت مسمي الحوار مع المعارضة وقتها وقد أعلن أبو خليل أنه تقدم باستقالته من الجماعة بعد علمه بهذا اللقاء، وقال بالحرف الواحد: "كان الهدف من لقاء سليمان التفاوض لإنهاء المشاركة في الثورة مقابل حزب وجمعية للإخوان". وبدلاً من أن يثور مجلس الشورى العام عليهم فور علمه ويقيل مكتب الإرشاد أقسم أفراده على عدم البوح بهذه المصيبة بحسب تعبيره. ويستطرد أبو خليل قائلاً: "إن من بين أسباب استقالته التي أوضح أنه يكشف عنها للتاريخ، هو تأكده من تفاوض قيادات بالجماعة مع جهاز أمن الدولة في انتخابات مجلس الشعب العام 2005 على نسبة معقولة من التزوير تتيح لأفرادهم النجاح".

بعد ثورة 25 يناير وصل الأمر إلى محاولة تنفيذ استراتيجيات لا ترتبط بوحدة الهدف، كما مع الجماعات الأصولية الأخرى وأحزاب ليبرالية "كالوفد نموذجاً" تختلف جذرياً مع الجماعة في الهدف (أو الدولة المدنية الخالصة)، وفي المقابل أثار هذا الأمر حفيظة بعض قيادات حزب "الوفد" على الرغم من تحالفات الوفد مع الإخوان في الانتخابات البرلمانية عام 1984 – 2005، لكن ترددت شائعات داخل الحزب تقول إن إصرار السيد البدوي رئيس حزب الوفد على التحالف مع الإخوان المسلمين رغم الاعتراضات الداخلية سببه رغبة البدوي في أن يصبح رئيساً للوزراء حال حصول جماعة الإخوان المسلمين على أغلبية في البرلمان هذا في حال تطبيق النظام البرلماني في مصر.

لعله من الجدير بالذكر، أن الوفد حين فتح أبوابه للإخوان في العام 1984 ليخوضوا الانتخابات على برنامج الوفد؛ لكن بمجرد أن أبطل المجلس، في 1987، خرج الإخوان من التحالف لينضموا إلى حزبي العمل والأحرار، وفي 2005 تشكلت الجمعية الوطنية التي ضمت كل الأحزاب والقوى السياسية كتحالف انتخابي في مواجهة الحزب الوطني إلا أن الإخوان، على لسان مرشدهم العام السابق مهدي عاكف والراحل عبد الحميد الغزالي، أكدوا أنهم عقدوا تحالفاً مع الداخلية يمكنهم من الحصول على (150) مقعداً، وبذلك فشل التحالف.

ونعود إلى التحالف بعد 25 يناير بين الإخوان والوفد لنجد أنه سرعان ما فض التحالف ونشرت جريدة الشروق (المصرية) التفاصيل الكاملة لفض هذا التحالف. وقد أرجعت مصادر قرار البدوي رئيس حزب الوفد إنهاء التنسيق الانتخابي مع أحزاب "التحالف الديمقراطي"، الذي يتزعمه حزب "الحرية والعدالة" (الإخواني) فالوفد "كان قد طرح أن تشارك في قوائم التحالف في الانتخابات بنسبة 35% وطرح الحرية والعدالة في المقابل أن يشارك في القوائم بـ35% وهو ما يعني أن تقدم باقي أحزاب التحالف مجتمعة (44) حزباً نحو 30% من المرشحين موضحة أن الوفد عرض على التحالف ضم عدد من الأحزاب الليبرالية فردت قيادات الحرية والعدالة بأن تشارك تلك الأحزاب الوفد حصته من القوائم الانتخابية الـ35% وهو ما رفضه البدوي".

من أجل السلطة تتغير استراتيجيات التحالف عند الإخوان، فمن تحالف أصابه الفشل مع الوفد إلى تحالف مع السلفيين من أجل استخدام كتلتهم التصويتية في الانتخابات البرلمانية مع إدراك أن ثمة حزباً للسلفيين تحت اسم حزب (النور) لكن أيقن الإخوان حسب ما أورده حسام تمام الباحث في شئون الجماعات الإسلامية أنهم أمام واقع ثوري متمرد بنكهة ليبرالية منفتحة يحتاج للانفتاح على خزان سياسي جديد واسع يمتلك كتلة تصويتية عريضة كالسلفية.

وتظل العلاقة الأخطر بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين هي العلاقة مع سلطة النظام القائم فهي علاقة معقدة يكتنفها الغموض؛ وربما يعود ذلك إلى هذا الكم الهائل من المناورات والتسويات والمهادنات والمقايضات التي تقوم بها الجماعة، خصوصاً في الظروف السياسية الحرجة حتى يصل الأمر في أحيان كثيرة إلى حالة من الارتباك والتضارب في الأقوال والأفعال.

وعندما نستقرئ تاريخ الجماعة، فإنها منذ نشأتها مثلت وجه الصراع مع حزب الأغلبية (الوفد) أيام الحكم الملكي في مصر فقد كانت بمثابة الرد الديني الأصولي على الممارسة الليبرالية التي تبناها الوفد عدو الملك والإنجليز في آن واحد؛ ولذا جاء احتفائهم بالملك فاروق إلى حد أن نشرت مجلة "الإخوان" إثر حضور فاروق احتفالات بذكرى الهجرة، "إنه أعاد صورة سالفة صورة الرسول الكريم حينما طلع على أنصاره طلوع البدر"، كما نشرت جريدة "الأهرام" في 22/12/1937 في مناسبة أخرى، أنه عندما اختلف النحاس مع القصر خرجت جماهير الوفد تهتف "الشعب مع النحاس" فسير الشيخ البنا رجاله يهتفون "الله مع الملك".

بعد ثورة يوليو 1952 حاول الإخوان المسلمون أن يبسطوا نفوذهم على الثورة، فقد طلب الهضبي المرشد العام آنذاك من عبد الناصر بشرط استمرار تأييد الإخوان للثورة أن تعرض عليه قراراتها قبل إصدارها؛ ولكن عبد الناصر رفض هذه الوصاية، وذكر أن الثورة قامت بدون وصاية أحد عليها.

وبعد حادثة المنشية في 26 أكتوبر 1954 (محاولة اغتيال عبد الناصر) تعرض الإخوان لعمليات اعتقال واسعة، بل وإصدار أحكام بالإعدام على بعض القياديين، وفي المقابل يصل الحد بتيار إخواني هو التيار القطبي (نسبة إلى سيد قطب) إلى التمركز حول فكرة "جاهلية المجتمع" وقد استخدم بصورة مستحدثة للإشارة إلى النظم السياسية والاجتماعية الحديثة التي لا تلتزم بمبادئ الإسلام المستمدة من كل ما هو إلهي ومطلق، إن هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض … نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام. وهكذا بلغ "سيد قطب" الحد الفاصل في التمييز بين السلطة بوصفها جوهراً والسلطة بوصفها علاقة، فقد قدم نظريتين في السلطة قطعيتين: الأولي نظرية السلطة في المجتمع الإسلامي تقوم على أساس الحاكمية لله بوصفه مصدراً للسلطات، الثانية: نظرية السلطة في المجتمع الجاهلي ومنه تكون نظرية السلطة علمياً وواقعياً بمثابة اعتداء على سلطان الله وحاكميته، لأنها تقوم على حاكمية البشر

زر الذهاب إلى الأعلى