فضاء حر

هكذا خدعني الحوثي

يمنات
علّقت الليلة في قناة المسيرة على خطاب عبد الملك الحوثي، وكنت خلال تحضيري للتعليق وقبل سماعي لخطابه، قد جهزت ما سأقوله في مداخلتي، اعتمادا على فكرة أن خطابه لن يخرج عن مجموع عقائده الدينية التي تخيف الناس منه.
وعلى رأس ما حضرته مثلا، أن أقول له عليك يا سيد عبد الملك:
– أن تصغي لمخاوف اليمنيين وتعلن عن مشروعك “غير المعلن”
– أن تتراجع عن “الإمامة” و “الولاية” و “البطنين” (أو حتى “البطن” الواحدة)
– أن تعلن موقفك من ثورة “سبتبمر” و”ثمانية وأربعين” و”صلح دعان” و”عام الرمادة”. وسواها.
أعددت كل ذلك ثم استمعت للخطاب المباشر وأنا في استديو القناة، وحين أنهى خطابه الطويل (ساعة ونصف تقريبا) كنت أحك رأسي كمن وقع في ورطة غير محسوبة، فما حضّرته للمداخلة عليه كان في وادي، بينما كان خطابه في وديان أخرى:
– ينتقد تعطيل مخرجات مؤتمر الحوار ويطالب بسرعة تنفيذها
-ينتقد بشدة عدم تشكيل “الهيئة الوطنية” المعنية بتنفيذ المخرجات.
– يطالب بتشكيل حكومة كفاءات، أو شراكة وطنية
– يدعو إلى مصالحة وطنية
– ينتقد دعوة “الإصلاح” إلى “انتخابات” بالسجل الانتخابي الحالي الذي كان الإصلاح يقول إنه “مزور”
– يطالب بسجل انتخابي جديد، و بعدم هيمنة أي طرف سياسي على “العملية الانتخابية”
– يتحدث عن: اللجنة العليا للانتخابات واللجان الأساسية والفرعية والصناديق
– ينتقد الوضع الأمني المتردي و فشل “الإخوان” في وزارة الداخلية
– يتحدث عن النشيد الوطني في سياق حديثه عن التدخلات الأمريكية: “نشيدنا الوطني يقول: لن ترى الدنيا على أرضي وصيا”
والخلاصة، كان علي، وأنا بعد دقائق سأكون على الهواء، إما أن أنسحب وأضع القناة في مقلب مثلما وضعني زعيمها في مقلب، أو أن أستمر
في البرنامج مكتفيا بالتأمين على ما ورد في الخطبة وترديد مفردات من نوع: نعم، صحيح، هو هذا، كلام ولا بعده؛ فيما أنا لا أطيق أن أكون يوما في موقف “الإشادة” ولو بأمي حين تقول كلاما صحيحا، ذلك أن الكلام الصحيح لا يحتاج أصلا إلى تعليق، ثم إن مهنتي تقتضي دائما أن أبحث عن “الخطأ”، أنا صيّاد أخطاء محترف، وشعاري الدائم حين يخفق سياسي أو مسؤول ما، هو “لا نجوتُ إن نجا”.
لقد نجا “عبد الملك” اليوم، وسينجو، حسب توقعاتي، على المدى القريب والبعيد.. طالما لسنا قادرين، أن نضع أيدينا على “عمامة” “الإمام” خلف التسريحة المائلة لشعره الخفيف، أو بين سطور خطابه.
“الحوثيون” يسبقون خصومهم بأكثر من خطوة حتى الآن. إن كان هذا تلميعا لهم، من قبلي، فليكن، ولكني لن أكون وطنيا إن لم أحترم طرفا يدعو للانتخابات لأنه يراها فرصته الوحيدة لامتلاك “الشرعية”، فهو بهذا يقترب من مطلبي أنا له بالتوقف عن الاعتماد على “السلاح” والحرب والتحول إلى “السياسة” و أدواتها، كما أن حديث “الانتخابات”يجعل من الحديث الديني عن “الإمامة” مجرد حديث عقائد وغيبيات وتعبد معزول عن الواقع (وأصحابه أحرار في الاعتقاد به، وكل الحركات الدينية تقوم على هذا الازدواج في الخطاب: خطاب لله وآخر للقيصر، خطاب للآخرة، وآخر للدنيا، وما يهمنا هو خطابها للدنيا: والانتخابات جزء منه، أما خطاب الآخرة فلم يعد قادرا على إنجاز تاريخ، لقد أسقطه الواقع ولم يبق إلا أن يسقط نظريا، كما يقول فيورباخ عن الدين في عصره يا صديقي محمد العلائي.
من يهربون من مطالب الحوثي، الواردة بعاليه، هم من يبررون له الركون الدائم إلى سلاحه.
ولقد استغرب أمامي، وأمام زميلي نبيل الصوفي، سفير غربي كبير لإصرار القوى السياسية في صنعاء الدائم على عدم الانفتاح على الحوثي، وعدم إبداء أي مرونة في التعامل مع مطالبه السياسية. إنها قوى تفضل الحوثي “إماما” لكي يظل محاربا منبوذا، أو هدفا ل”شتائمها”، بدل أن يكون منافسا انتخابيا لها.. على أن مؤدى ذلك كله خسارة البلاد لاستقرارها السياسي وفقدان هذه القوى نفسها لكل مصالحها التي تحاول الحفاظ عليها يهذا التكتيك.
من حائط الكاتب على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى