فضاء حر

عبور المضيق.. في نقد أولي للتجربة (2)

يمنات
اليمن داخل المضيق
يثار، قبل هذا، سؤال حول الموقع الذي توقف فيه اليمن منذ بداية العملية السياسية، وما إذا كان الحوار قد استطاع أن يشكل رافعة إنقاذ لعبور المضيق.
في الحقيقة، إن موقع اليمن في الوقت الحاضر هو داخل المضيق، وهو وضع يعد أكثر تعقيداً وخطورة مما كان عليه وهو خارجه قبل أن يبدأ بالعبور. لم يعد لديه من خيار سوى أن يعبر المضيق إلى الضفة الأخرى منه، أما البقاء فيه فلن يكون غير قرار انتحاري، أخذت مظاهره تتبلور في صور شتى من العودة إلى تمجيد حالة الترهل العامة التي تنتجها الحروب الداخلية والتي تشكل البيئة المناسبة لهذه الحالة. والمفارقة أن العنف لا ينتج، في نهاية المطاف، غير الرخاوة والترهل. وحالة العنف والحروب، على ما تظهره من شدة وجبروت للمجتمعات التي تغرق فيها، إلا أن هذا لا يعدو أن يكون غير مظهر مزيف للحقيقة. فلم تكن مظاهر هذا العنف، ومنها تلك الحروب، في يوم من الأيام، سوى وسيلة لهروب هذه المجتمعات ونخبها، وأنظمتها الفاشلة، من مواجهة التحديات الضخمة لعملية الانتقال بالبلاد إلى الحالة التي تستقر عندها “كوطن”، ومعه تحقيق النهوض الاقتصادي والعلمي الشامل، باعتبار ذلك اختباراً حقيقياً لإرادة الشعوب وقدرتها على البقاء في عالم يدهس في طريقه المتخاذلين والفاشلين.
لا تحتاج الأنظمة المستبدة إلى دليل على فشلها أكثر من تلك الحقيقة التي تقول إنها أعاقت تحويل بلدانها إلى “أوطان”، وحافظت على البنى الاجتماعية والثقافية ما قبل الدولة، واستعانت بها في تعطيل مشروع الدولة، وتخريب كل التراكمات التي تنشأ مع التطور الكمي البطيء الذي يحدث في هذه المجتمعات كضرورة للبقاء ولاستمرار الحياة. الأنظمة المستبدة لا توفر الظروف المناسبة لخلق بيئة تساعد على التراكم طويل المدى؛ لأن الحاكم هنا لا يحسب إلا حساب فترة بقائه في الحكم، وهي لذلك تعطل أهم شروط التطور لمجتمعاتها. فبغياب التراكم الكمي لا تنشأ أي إمكانية لتحولات نوعية معرفية، علمية، تكنولوجية، فنون – من أي صورة كانت. وهكذا فإنه بالقدر الذي تستخف فيه هذه الأنظمة بعملية التطور وشروطها، فإنها تستخف ببناء الدولة. ولهذا نجد أن مصير الأنظمة المستبدة لا يختلف عن مصير دولها التي يتم الاستخفاف بها في تساوق مع طبيعة السلطة التي لا تدير الدولة وإنما تحل محلها. فعندما تنتهي الدولة إلى الفشل والانهيار، تكون الأنظمة التي أوصلتها إلى هذا الوضع -مع أدواتها التسلطية- أول من يتعرض للنتائج المأساوية لهذا الفشل.
إن المجتمع الذي يغرق في إنتاج وإعادة إنتاج العنف والحروب يعيش حالة من الرخاوة الداخلية. وتعبر عن هذه الرخاوة نخبه التي تفشل في خلق منظومة سياسية تتصدى لعملية التحول السياسي لهذه المجتمعات، على قاعدة مؤسسية مدنية شاملة. نراها تعمل، عوضاً عن ذلك، على إغراق المجتمع في العنف، وإنتاج العصبيات، على حساب الفعاليات المدنية، لتغطية هذا الفشل، وعجزها عن تحمل استحقاقات التحول السياسي. فإذا رأيت بلداً يغرق في الحروب فاعرف أن وراء ذلك نظاماً سياسياً واجتماعياً فاشلاً بسلطته وبنخبه، يغطي فشله بتنمية نزعات الحروب الداخلية، وطبيعة هذه الحروب تفضي، في كل الأحيان، إلى نشوء معادلات اجتماعية وسياسية ذات أبعاد عصبوية، تتناقض موضوعيا مع شروط الدولة المدنية؛ أي دولة المواطنة.
وعندما تقود عمليةَ التغيير سلطةٌ تتكون في جزء كبير منها من هذه العصبيات، أو تحت تأثير ثقافتها، فلا بد أن البقاء في المضيق سيطول، وسيحتاج إلى إرادة خارقة، وإلى وقت تحشد فيه قوى التغيير المدنية كامل طاقاتها وقوتها لمغادرته. إذاً، البقاء في المضيق، في ظل هذه الحالة، وبسبب طبيعة هذه القوى، سيؤدي إلى المزيد من تآكل البلاد، بكل فعالياتها السياسية والاقتصادية والبشرية والأمنية. لم يسجل التاريخ أي نهوض لأي بلد من البلدان في ظل هيمنة ونفوذ هذه العصبيات؛ فهي تتشبث بنفوذها ومصالحها التقليدية، وتجر معها بلدانها إلى القاع.
أما العودة إلى الخلف للخروج من المضيق، فمن المفروض أن القرار (2140) قد أغلق باب هذه العودة؛ ولكن هل سيقتصر أثره على إغلاق باب العودة إلى الوراء؟ أم أنه سيساعد على توليد قوة الدفع للخروج من المضيق إلى الإمام، حيث تنفتح أمام اليمن آفاق النهوض والتطور محمولا بقواه المدنية؟ الحقيقة أنه لا معنى للقرار الأممي إذا اقتصر أثره على إبقاء اليمن في المضيق بمنع العودة إلى الوراء؛ لأنه في هذه الحالة لن يعمل أكثر من تأبيد بقائه في وضع التآكل.
كان اليمن قد غادر، بفعل الثورة، موقعه القديم الذي تجمد فيه، وأخذ يتآكل بمعدلات أخذت تتزايد طردياً مع مرور الزمن، وتحرك، على عجل، نحو المضيق، الذي كان لا بد أن يعبر من خلاله إلى الطرف الآخر نحو أن يصبح وطناً. غير أنه توقف في المضيق، بعد أن تفاعلت العوامل المعيقة لعبوره محاصرة إياه داخل المضيق. وفيه لم يعد أمامه من خيار سوى الخروج منه، أو الموت فيه. من هذه الحقيقة يتجلى دور هذا القرار ومدى قوته في مساعدة اليمن على توفير الراحلة القادرة على حمله قدماً في مساره نحو النور. لا أقول أن يتحول هو، أي القرار، إلى راحلة؛ لأنه بكل تأكيد لن يستطيع أن يكون كذلك، بل ولا يجب أن يكون كذلك.
القرار بين الأمس واليوم:
أسئلة لا تنتهي
عندما تكون هناك إمكانية للسير إلى الأمام، يصبح الإصرار على البقاء في المكان نفسه ضرباً من التلهي بقيم الحياة. هكذا يبدو العبث.. هو اللون الفاقع لهذا التلهي المخادع، الذي يسرق السنين ويولم للنهايات المثيرة، في المكان نفسه، على صوت المزامير، وقرعات الطبول، وأقواس النصر، وقهقهة المخدوعين، وأراجيف المتربصين. وضعت الثورة اليمن على مسار جديد، يفتح أمامه خطاً طويلا للحركة إلى الأمام. هذا الخط ليس مستقيماً، ولا معبداً، بكل تأكيد؛ لكن فيه قدر من الوضوح يكفي لبدء مشوار السير الطويل. أضاء الحوار مساحة لا بأس بها من خط السير إلى الأمام، والسؤال: لماذا تعثر السير في ضوء ذلك؟ هل كان اليمنيون ينتظرون صفارة الانطلاق من مكان آخر؟ وهل اعتبر قرار مجلس الأمن هو صفارة الانطلاق؟
تثار أسئلة عديدة حول أسباب اتخاذ القرار الأممي اليوم، وقد أنجز اليمنيون الحوار، وأصبحت المرحلة الانتقالية على وشك الانتهاء، وليس بالأمس، عندما كانت المتاريس تملأ شوارع المدن، وكانت البلاد حبلى بحرب طاحنة، ومخاضها يعتصر جوف البلاد من أقصاه إلى أقصاه، وكل شيء فيه ينذر بالكارثة.
وقبل كل ذلك، كانت هناك ثورة سلمية تصارع محاولات إخراجها من المشهد العام بالتركيز، بدلا عنها، على الأسلحة المشرعة في المواجهة، وعلى المعارك العسكرية المندلعة هنا وهناك. ثورة كانت تقاوم محاولات ابتلاعها من قبل ذلك الطفح الهائل، الذي تدفق عليها بمضامين غير ثورية، ليصبغ عليها لوناً مختلفاً وأهدافاً جرى اشتقاقها من كهوف لم تشعل ثورات، وعلى مدى تاريخها كانت كل خبراتها تكمن في ابتلاع الثورات. ثورة استهلكتها زعامات “مقرطسة” في تطلعات تختزل المسافات إلى الشهرة، وتسبق النضال الحقيقي إلى القيادة، وغارقة في ظلمات من الخوف والحذر من الآخر، الذي لا تراه إلا خصما يجب أن يطيع أو يستبعد… أو يموت.
ثم، لماذا اليوم وليس بالأمس، عندما كانت العملية الانتقالية في حاجة إلى حماية ورعاية حقيقيتين لتتمكن من إنجاز مهامها، وكانت إشكالية عدم نقل السلطة تثير أكثر من سؤال حول المستقبل السياسي للبلاد وما يكتنفه من غموض بسبب ما كان يهدد المرحلة الانتقالية من مخاطر؟ كثيراً ما توقف اليمنيون أمام موضوع عدم نقل السلطة، وصلته بتأجيج الاضطرابات، وأعمال العنف، وحروب كسر العظم بعناوينها المختلفة، التي تثير الفزع مما تخلقه في النفوس من نزعات يصعب ترويضها على قبول الحقيقة المتمثلة في حاجة البلاد إلى التعايش والسلام والشراكة في بنائه.
تساءلوا عن موقف المجتمع الدولي، ورعاة المبادرة، من أعمال العنف التي اتسعت على نطاق واسع، وتفجيرات أنبوب النفط، وتدمير أبراج الكهرباء، ونزع الألياف الضوئية، وتفجير المعسكرات، والاغتيالات، والاختلالات الاقتصادية والمعيشية، التي عانى منها الشعب على ذلك النحو الذي أخذ يهدد العملية السياسية والحوار، ويدخل البلاد في دوامة المواجهة والانزلاق نحو الحرب الأهلية مجدداً.
تحدثوا عن الدعم المطلق للرئيس التوافقي هادي، وكان هذا موقفاً لا غبار عليه؛ ولكن عندما قلنا للمجتمع الدولي إن الرئيس هادي هو المرجعية الوحيدة التي نثق بقدرتها ونزاهتها في أن تخبركم عمن يقوم بهذه الأعمال التخريبية، التي تعرقل العملية الانتقالية، لم يصغِ أحد إلى ذلك؛ لماذا؟! وأخذت أعمال التخريب تتسع. لربما فهم المخربون هذا الصمت أن هناك إشارة من مكان ما بوضع هذا التخريب في إطار ما يعرف ب “الفوضى الخلاقة”. ولا ندري ما هو “الخلق” في تفجيرات أنبوب النفط وأبراج الكهرباء، وفي الاغتيالات، وغيرها من الأعمال، التي شهدتها البلاد في تلك الفترة.
لم يجد اليمنيون تفسيراً واضحاً لتأجيل القرار إلى الآن، غير واحد من ثلاثة تفسيرات:
1- إما أن المجتمع الدولي كان يرى أن اليمنيين قادرون على تنفيذ اتفاقهم السياسي الذي رسم ملامح المرحلة الانتقالية وأهدافها، ومن ثمَّ خوض معركة نجاح هذه المرحلة، بكل ما فيها من تعقيدات، بدعم أقل من المجتمع الدولي، وبالتالي لم يكن مجلس الأمن في عجلة من أمره لاتخاذ مثل هذا القرار الذي من شأنه في حالة اتخاذه بدون مبررات قوية أن يلقي بظلال من الشك على دول الإقليم التي ستنظر للقرار بتوجس كبير، خاصة إذا لم يكن مدعوما بأسباب قوية؛ أو:
2- أن المجتمع الدولي قد تصرف بقدر من التروي تجاه العملية السياسية اليمنية، والحوار على وجه الخصوص، ورأى أن يترك لها حرية السير إلى النهاية التي يقررها اليمنيون، مع ذلك القدر من الرعاية الأممية، التي شملتها قرارات مجلس الأمن، وخاصة القرار رقم (2051)؛ أو:
3- أن المجتمع الدولي كان يرقب الحراك السياسي وقد قرر ألا تؤدي العملية السياسية، واتفاقات التسوية، إلى انتصار طرف على آخر، لاسيما وأنه لم يكن يثق كثيراً في المعارضة، الممثلة في اللقاء المشترك، أحد طرفي اتفاق التسوية السياسية، بأن تنفرد بالحكم، مثلما لم يعد يرى أن المؤتمر الشعبي، الطرف الثاني، مؤهل لمواصلة الحكم وقيادة البلاد، ومن هذا المنطلق أخذ على عاتقه أن يرعى التسوية، مع ما يصاحبها من تخريب وعنف وفوضى، وألا يتدخل في تلك المرحلة بعصا غليظة حتى لا يؤثر على ميزان التسوية.
سأرد على ذلك من خلال ما عشته من وقائع، وبالاستناد إلى وجهة نظر لا ترى المجتمع الدولي شراً يجوس خلال ديارنا يتصيد الأخطاء ليؤدب اليمنيين ويتقصد الانتقاص من سيادتهم، ولا تراه خيراً كله، وخصوصاً عندما تستعيد الحرب الباردة القديمة بعضا من أسبابها المسترخية تحت أكوام من المصالح الحيوية للدول الكبيرة التي رتبتها سنوات الاستقطاب الطويلة، وكذلك حينما تصطدم قشرة الاستقرار الهشة الطافية فوق ركام من مخلفات الصراع بموضوع الأحادية أو التعددية القطبية؛ وإنما تنظر إليه من الزاوية التي تبرز فيها الحاجة إلى السلام والاستقرار والتعايش والعمل المشترك للأمم في تعمير الأرض وحمايتها من أي مخاطر، كأهم وظائفه؛ هذه الحاجة التي شكلها التوافق العالمي بعد حروب كونية تعرض فيها العالم للدمار، مما دفع بتنظيم هذا الجهد على نحو مؤسسي يرعى ويحمي المصالح الدولية، بما فيها مصالح الشعوب، وقيم العيش المشترك.
كان المجتمع الدولي شريكاً فعالاً في احتواء الأوضاع الخطيرة التي مر بها اليمن. ولسنا بحاجة هنا لاستعراض تجربة تلك الشراكة بتفاصيلها؛ فقد رسم القراران (2014) و(2051) الملامح الأساسية لهذه الشراكة. وفي محتويات هذين القرارين تأسست الخطوط العريضة لمعطيات هذا القرار الأخير رقم (2140) وحيثياته. لهذا يمكن القول بأن المجتمع الدولي لم يكن، وعلى مدى استمرار هذه الأوضاع، في مواجهة مع اليمن ليفسر القرار وكأنه يستهدف سلامته وسيادته، فالذي كان في مواجهة مع اليمن واستقراره هي تلك القوى والعصبيات الداخلية التي عطلت تقدمه وبناءه واستقراره، وما زالت، مع ما جرته معها من الغثاء الذي أنتجته المرحلة الانتقالية، تعطل مسارات عملية التغيير، وهي نفسها القوى والغثاء، التي يفترض أن يكون القرار قد استهدفها.
يمكن القول، ربما من باب الإنصاف، بأن المجتمع الدولي عندما تعامل مع قضية اليمن عمل كمجموعة متجانسة، لم تكدرها تناقضات المصالح الحيوية التي برزت تجاه أكثر من حالة من حالات الربيع العربي، وهو ما جعل الاحتمالات الثلاثة تبدو متداخلة العناصر، ولا يمكن فرزها، عندما يتعلق الأمر بتحديد السبب الأساسي لتأجيل القرار حتى نهاية الحوار. فالسبب هو خليط من هذه وتلك، وهو محصلة تفاعل كل هذه الاحتمالات الثلاثة التي شرحناها أعلاه.
وهكذا، ومع عدم إغفال الأهمية القصوى للعاملين الآخرين، وخاصة العامل الثالث والأخير، أي ذلك المتعلق بميزان التسوية، ففي رأيي أن المجتمع الدولي نظر إلى المسألة من الزاوية التي رأى من خلالها أن الحوار يجب أن يظل تعبيراً عن إرادة يمنية، وأن اتخاذ أي قرار بهذا المستوى قبل انتهاء الحوار من شأنه أن يضع مخرجات الحوار في خانة الإملاء الخارجي، مما من شأنه أن يهدد سلامة الخيارات السياسية في نظر الناس ويضعها على المحك. وبعد أن تحققت إرادة اليمنيين بالاتفاق والتوافق على وثيقة الحوار، فيما عدا ذلك الجزء الذي جسد حالة من الانقلاب على هذا التوافق وشوه جانبا من هذه العملية التاريخية وكسرها في أهم مفاصلها (القضية الجنوبية)، جاء دور المجتمع الدولي لدعم هذا التوافق فيما ينتظره من تعقيدات وصعوبات التنفيذ.
على هذا النحو بدا الأمر، أو على أقل تقدير، هكذا يمكن أن يفسر؛ لأنه لا يمكن تفسير تأجيل القرار بأي شيء آخر غير هذه الاحتمالات؛ فالأوضاع التي استدعت اتخاذه لم تتغير كثيراً، بل إن شروط اتخاذه تقلصت، بعد انتهاء الحوار، حتى أن الجميع كان يتوقع أن ينشغل المجتمع الدولي بقضايا أكثر أهمية من اليمن، وأنه كان ينتظر انتهاء الحوار ليعلن انتهاء المهمة في اليمن. ينسى البعض ممن ينتقدون القرار أن الكثير منهم كان يضع يده على قلبه خوفاً من أن يتخلى المجتمع الدولي عن اهتمامه باليمن، وكان هذا سؤالاً مثاراً من قبل الجميع، وهو: ما الذي سيكون عليه الوضع لو أن المجتمع الدولي تخلى عن اليمن فجأة، كما حدث في الصومال، وتركها تحت رحمة المليشيات المسلحة للقوى المختلفة التي تنتظر بفارغ الصبر اللحظة التي يغادر فيها المجتمع الدولي اليمن وهو بلا دولة تحميه من مشروع العنف الذي يلفه طولا وعرضاً؟
يدرك الجميع أن الاتفاق على الورق لا يشكل مشكلة كبيرة في معظم الأوقات، وخاصة في اليمن، الذي جرب ذلك كثيراً (وثيقة العهد والاتفاق نموذجاً)، وإنما تنشأ المشكلات الفعلية عندما يبدأ تطبيق هذه الاتفاقات على الأرض، بما يحدثه التطبيق من تأثير على المصالح ومراكز النفوذ.
فالمقدمات التي برزت مع قرب نهاية الحوار جسدت في الواقع نماذج لصور المقاومة العملية التي كان يُتوقع أن تواجه التطبيق. غير أن أخطر ما في العملية هو أن الاستخفاف، الذي عومل به النظام الداخلي لمؤتمر الحوار، وخاصة في المراحل الأخيرة منه، وإحلال القرارات الإدارية بدلا عنه، قد فتح الباب أمام مزيد من صعوبات التنفيذ. وفي مثل هذه الظروف يجد المعرقلون فرصتهم الذهبية، حيث يجدون في مثل هذا الخلل فرصة لسحب العملية إلى مسار مختلف عن مسارها، لاسيما عندما لا يكون هذا الخلل مجرد خلل تنظيمي، وإنما تقف وراءه إرادة من ذلك النوع الذي ينزع إلى تمرير مشاريع بعينها.
وكان لا بد للمجتمع الدولي أن يحسب حساب استعراض مظاهر التعطيل التي برزت في نهاية مؤتمر الحوار، من قبل بعض الأطراف، وما أشيع من فوضى واحتمالات فض الحوار، وما تم من اغتيالات، وإعلان العديد من التحديات الرافضة لمخرجات المؤتمر، والتهيئة للبدء بفوضى عامة. ومن هذا المنطلق كان عليه أن يضطلع بدوره الذي كان قد مهد له في قرارات سابقة لحماية العملية السياسية من الانهيار.
غير أن ما يجب أن نلفت انتباهه إليه، كمهمة غاية في التأثير على سير العملية السياسية مستقبلاً، هو تصحيح ذلك التشوه الذي ألحق بالحوار، والمتمثل في فرض خيارات إدارية بأدوات سلطوية بعيداً عن معادلات الحوار، وهو لن يستطيع تجاوزها أو تجاهلها عندما سيتعين عليه أن يفصل في بعض مواضيع العرقلة.
إن أخطر ما يواجه الحوارات السياسية هي النزعة الإرادوية التي تقف وراءها سلطة، أو نفوذ من أي نوع، والتي تنقضُّ، في لحظة ما، ولأسباب يقدرها أصحابها، على مجرى الحوار، لتشكل نهاياته على النحو الذي يضع الحوار كله في خانة المساءلة التاريخية.
لا يهم إن كان الهدف من التدخل نبيلاً أو غير نبيل؛ المهم هو أن الحوار الذي يضعف أمام هذه النزعة الإرادوية، في أي مرحلة من مراحل الحوار، وعند مناقشة أي قضية من القضايا، من السهل تهشيم قيمته، ما بالنا والتدخل الإرادوي جاء في أهم لحظة، وعند أهم قضية مفصلية من قضايا الحوار، ولأسباب تتصل برغبات وضغوط بعض المتحاورين لتمرير مشاريعهم؟! ترى هل أدرك المجتمع الدولي المعنى الذي حمله التدخل الإرادوي، الذي تم بدفع من بعض الأطراف، وعلى إثره جاء قراره ليمنع التمادي في مواصلة السير في هذا الطريق الضار؟ أم أنه هو الذي أعطى الإشارة بذلك، وجاء القرار ليدعم هذا المسار؟ سنترك الإجابة على هذا التساؤل لتجيب عليه الأيام في تساوق مع تطبيق القرار على الأرض.
القرار.. والجوهري في الحالة اليمنية
إن الاتفاق والاختلاف بشأن موضوع القرار الأممي أمر طبيعي، لاسيما وأن هناك حالات من هذه القرارات في بلدان عديدة أخفقت في تحقيق الأهداف التي أعلنت من أجلها. ويعود السبب، في تقديري، إلى الحالات المغايرة التي اتخذ بسببها القرار، فليست الحالات كلها متشابهة. أما بالنسبة للحالات القريبة من الحالة اليمنية، فغالباً ما يعود الفشل إلى أن القوى السياسية، والنخب الاجتماعية، تعثرت في الوصول إلى رؤى توافقية محددة بشأن الخروج من الأزمات التي عصفت ببلدانها، الأمر الذي ينصرف فيه الفشل إلى مكان آخر، وبالتالي لا يمكن للعطار أن يصلح ما أفسده الدهر وسادته.
المشكلة في تلك التجارب هي أن الفعاليات والنخب السياسية نفسها لا تعرف أحيانا ماذا تريد. كما أن استمرار الصراع فيما بينها، ومحاولة التفرد بالقرار السياسي، واحتكار توظيفه، أدى إلى أن يصبح القرار الأممي جزءاً من بنية الصراع الداخلي، مما قاد إلى فشله في نهاية المطاف. واتخذ الفشل صوراً عديدة، من أبرزها انهيار العمليات السياسية، وتزايد التدخل الخارجي في هذه البلدان، وبشروط أكثر إجحافاً، لم يكن أقلها إيلاماً التدخل الفج في القرار السياسي لهذه البلدان، والتعامل معها ك “سفيه” فقد الأهلية في اتخاذ القرار.
إن ميثاق الأمم المتحدة ينظم هذه المسألة في الفصل السابع، الذي يتضمن عقوبات تصل إلى التدخل العسكري. ولا يمكن، في كل الأحوال، ألا يكون للفشل أسباب أخرى تتعلق بتأثير الحل الأممي على المصالح الحيوية للبلدان صاحبة القرار، وعلى الأخص منها بلدان “الفيتو”؛ فأثناء التنفيذ قد تبرز معطيات جديدة تتعارض مع مصالح بعضها، أو مصالح بلدان أخرى ذات أهمية خاصة لهذه البلدان، تدفعها إلى مراجعة موقفها، مما يبطئ مسار العملية عند حلقات معينة أو يعطلها في حلقات أخرى.
إن الجوهري في الحالة اليمنية لا يكمن حصراً فيما يمكن أن يهدد التوافقات التي توصلت إليها القوى التي تحاورت، وإنما أيضا في مسألتين جوهريتين:
الأولى: عدم مشاركة قوى سياسية جنوبية حية في الحوار، وخاصة فيما يخص قضية الجنوب، وتتحمل هي بمفردها مسؤولية غيابها وبقاء البحث الجاد لقضية الحل ناقصاً إلى حد كبير.
الثانية: عدم توصل القوى المتحاورة إلى اتفاق حول الحل العادل للقضية الجنوبية، حتى يكون ذلك أساساً مشتركاً للتفاوض مع الممانعين، إذا ما تهيأت الفرصة لذلك.
لقد فوّتَ تحالف القوى، التي تمسكت بفكرة تغييب القضية الجنوبية في موضوع شكل الدولة بتقسيم الجنوب على ذلك النحو غير المدروس، هذه الفرصة التاريخية للتوافق، مما عقد المسألة أكثر، وهو ما يضع أمام مجلس الأمن مسؤولية لا تنتهي، بإصدار قراره الأخير؛ ولكن فيما يمكن توفيره من شروط لجعل تنفيذ القرار مهمة إنقاذية وليس تأديبية. أفق المهمة الإنقاذية أوسع وأشمل؛ ذلك أنه لا يتوقف أمام النتائج فقط؛ ولكنه يتناول الأسباب وجملة العوامل المؤثرة في العملية كلها.
كان من الممكن أن يخلص المتحاورون إلى خيارات تبقي الباب مفتوحاً أمام مواصلة الحوار مع الذين لم يشاركوا فيه، وخاصة حول القضية الجنوبية، وذلك لإغلاق كل الفجوات التي يمكن أن تعود منها عوامل الصراع مجدداً إلى ربوع “السعيدة”؛ غير أن هذا للأسف لم يحدث، فقد أديرت نهاية الحوار بنفس سلوك وأدوات “الغلبة”، التي حكمت مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية المنشئة لسلطة التغلب الحاكمة طوال سنوات طويلة.
لم يسمح للحوار أن يستأصل، أو حتى يهذب، سلوك “التغلب” عند البعض، فكسروا التوافق بين أطراف الحوار ليجعلوا المستقبل مكشوفاً من جديد على خيارات الصراع وإعادة إنتاجه. وربما كان ذلك هو الفصل الأول من سيناريو استعادة أوراق اللعبة إلى أيدي القوى التي دائماً ما عرفت نفسها بأهل الحل والعقد، والتي أخذت -كما قلنا- تتناوب خلق التبريرات لمواصلة الفوضى والعنف والحروب.
كان الحوار، في مشهده الأول، لوحة رائعة للتغيير الذي يتطلع إليه اليمنيون. وقف الجميع، بفئاتهم وطبقاتهم وموازين قوتهم ونفوذهم، في قاعة واحدة، وبحقوق متساوية، لتقرير مستقبل اليمن. الذين لم يحتملوا الموقف انسحبوا بهدوء. المشكلة في الوكلاء الذين أخذوا على عاتقهم مهمة تمزيق هذه اللوحة، وعندما لم يستطيعوا عملوا على تشويهها بممارسات دللت على أن العصبيات التي كرستها عهود من مقاومة بناء الدولة، وعقود من محاولات بنائها وهدمها، لن تستوعب عملية التغيير الموضوعية وشروطها بسهولة.
لا أتحدث هنا عن أولئك العدميين، من الجانبين، الذين لم يكن لديهم أي رؤية موضوعية جادة لنجاح الحوار، بما في ذلك حل قضية الجنوب حلاً يليق بهذه القضية العادلة، ويقبل به الجنوبيون، سوى ما تتفتق به أدمغتهم من تهويمات لا ترى الآخر إلا شراً يجب أن يقمع، أو يزاح عن الطريق، بأي وسيلة كانت، وما يسرح به خيالهم من حلول تتراوح بين الإلحاق أو الانفصال، كخيارين متطرفين… إنما أتحدث عن تلك النخب، وهي الأغلبية، التي كان بإمكانها أن تصل معاً بمشاريعها إلى منتصف الطريق من الاتجاهات المتعاكسة لتخلق المشروع الذي يستوعب الجميع.
لكن؛ ما الذي حدث؟ في الجنوب تسيد الاتجاه المتطرف، وفي تجاويفه العديدة تزاحم المراوغون، والأرزقية، وما أكل السبع، وأولئك الذي تجمدوا في كهوف الانتقام، وخرجوا في أكثر من مناسبة يفتشون عن أقصر طريق للانتقام، بحسابات لا علاقة لها مطلقاً بالحل العادل للقضية الجنوبية، ولم يتمكن هذا الاتجاه المتطرف من أن يتبنى أي رؤية قابلة للنقاش، أو للحوار، عدا تلك الرؤى الحدية القاطعة الطاردة لكل ما يختلف معها حتى بالحد الأدنى. وداخل هذا الاتجاه راحت تتحرك موجات من التلاحم والافتراق، لا تهدأ إلا لتضج من جديد، كلما استفزها التطرف القادم من الاتجاه الآخر. أما التطرف المكون من أجنحة القوى التي انخرطت في الحوار، فقد كان إثمه أعظم بما لا يقاس، وهو يتكون من مستويين: المستوى الأول: وهو ذلك الذي ظل ينتج التطرف في الجنوب، بممارسته وسلوكه، الذي دمر المعاني الجميلة للوحدة وخلق، من ثمّ، البيئة المناسبة لإنتاج مشاريع التطرف السياسية. أما المستوى الثاني فهو ذلك الذي منع الحوار من أن يخوض نقاشاً جاداً ومسؤولاً يفضي إلى حل القضية، أو على الأقل تكوين رأي توافقي، بين فرقاء الحوار، يقوم على الاعتراف بالقضية بوضوح، وبدون مراوغة، ويفتح باباً للحوار أكثر تركيزاً ومسؤولية. وكان هذا المحور بمستوييه قد حسم أمره مبكراً عندما قرر أن كل ما يختلف مع رؤيته هو مشروع انفصال. أما مناقشاته بعد ذلك فهي مجرد تفاصيل للمراوغة واستهلاك الوقت.
وللحقيقة فإن مركزي التطرف غذيا بعضهما بالأسباب وبالمبررات، وبمختلف الذرائع، لمواصلة السير في طريق التطرف، وأفسدا بذلك أهم فرصة تاريخية لإغلاق ملف الصراعات الكبرى في اليمن إلى الأبد. والسؤال الذي يبدو محيراً هو: لماذا انساقت الأجنحة المعتدلة وراء الأجنحة المتطرفة في الوصول بالقضية إلى هذا الوضع الذي تراجعت فيه المسؤولية وتصدرت المراوغة وفرض الأمر الواقع؟!
سيكون على العقل اليمني أن يبحث عن الأسباب في طبيعة تكوين وتركيب المؤسسات السياسية، وبناها الفكرية والثقافية والاجتماعية، ومنظومة المصالح المتشابكة التي تعبر عنها. وسيكون على أصحاب القرار الأممي أن يغوصوا إلى الأعماق ليضعوا أيديهم على مصدر التطرف، الذي سيظل ملهماً للتعطيل، ومصدراً لاحتباس المسؤولية داخل ركام الممانعة والغلو، مما يجعل النخب السياسية مجرد عنوان مخادع وطاقية إخفاء للأجنحة المتطرفة والفاعلة في تحريك الأمور على الأرض.
عند مشروع العدالة الانتقالية، ومخرجات الحوار المتعلقة بهذا الموضوع الهام، توقفت أجنحة التطرف طويلاً، لتجد نفسها في خندق واحد مع أولئك الذين استُهدفوا بالعدالة الانتقالية من الزاوية التي تعيد إصلاحهم كمواطنين صالحين. أخذت هؤلاء العزة بالإثم، فأخذوا يخلطون الحابل بالنابل، ويخبطون في بطن التاريخ خبط عشواء، بحثاً عن لا شيء، سوى أنهم قصدوا بذلك تعطيل هذا المشروع واستبداله بآخر أطلقوا عليه “المصالحة”. وهم لم يقصدوا بالمصالحة سوى تبرئة “المتهمين”، وإعادة إنتاجهم في بيئة جديدة كمصلحين، بدون توفر شروط “المصلح”، وهو ما يعني أن المصالحة ليست تلك المرتبطة بتحقيق العدالة المعبرة عن التسامح، والتربية، وكشف الحقيقة، والوعد بعدم تكرار الجريمة، وإنما تلك التي تغيب فيها العدالة، وإبقاء كل شيء مفتوحاً على خيار العودة لمربع الصراعات والعنف والانتقام.
حاول هؤلاء إخراج الضحية من معادلة العدالة الانتقالية. ولم يكن مصطلح “المصالحة”، في البداية، غير صرخة استغاثة أطلقها الحكام السابقون في وجه المشروع. ومع الرخاوة التي أصابت الكثيرين، بسبب الحسابات التي برزت على أكثر من صعيد، تحول المصطلح عند هؤلاء، وغيرهم، إلى بديل للعدالة الانتقالية.
وعندما تصدى بعض من مكون الشباب، وآخرين من بعض أعضاء المكونات الأخرى، لهذا التوجه، سواء في فريق العدالة الانتقالية، أو في فريق الحكم الرشيد، بطرح موضوع رفع الحصانة، وتطبيق العدالة القضائية، مع الإشارة إلى موضوع العزل السياسي لكل من تورط في ارتكاب جرائم جسيمة، قامت القيامة، ووضع مؤتمر الحوار كله على المحك، وتوقفت أعمال بعض الفرق لأسابيع، ورأينا الاستهتار الذي يتمتع به البعض إزاء المحطات التاريخية التي يتقرر فيها مصير البلد. ولم يكن مصدر هذا الاستهتار طرف بعينه فقط، فقد تداخلت حسابات بعض الأطراف الأخرى لتجد، في مثل هذا الاستهتار، فرصة لتمرير قضايا معينة أو تعطيل أخرى بالمساومة.
في هذه اللحظات، التي تقاطعت فيها هذه المواقف المعبرة عن حالة الخوف من نجاح الحوار عند هذه الأطراف، بدأت تظهر علامات التحالف حول قضايا أخرى أساسية، الأمر الذي أخذ الحوار يفقد حيويته في أهم مفاصله، ولم يعد أعضاء مؤتمر الحوار، أو فرقه، أو لجانه، يعنيهم كثيراً من الذي سيتخذ القرار، أو كيف سيتخذ. صار قرار الأمر الواقع هو القرار الذي يجب أن تنتظم في إطاره الأمور، باعتباره الفيصل الذي لا أحد يعترض عليه. أما الجسم الحي من مؤتمر الحوار فلم يعد أحد يستمع إليه، بل صار يهدد بالعقوبات الأممية في كل لحظة يرفع فيها صوته بالاحتجاج أو الاعتراض على تجاوز القواعد المنظمة للحوار من قبل بعض من رواد التغيير بالأقنعة الممكيجة.
صار موضوع رفع الحصانة، وموضوع العزل السياسي، مثار جدل واسع في المجتمع، واستخدم بقوة لإخراج مشروع ضعيف للعدالة الانتقالية. وحتى هذا المشروع الضعيف، في تقديري، لن يرى النور قريباً، مما يعني أن على الضحايا أن يواصلوا التضحية لغيرهم، سواء من أولئك الجلادين أو ممن قرروا ربط مواقفهم بالقرب منهم؛ ولكن بحسابات ما هو أهم عندما يحين اتخاذ الموقف.
كم هي المرات التي شاركنا فيها السيد جمال بن عمر الاجتماعات ليبعث، بأسلوبه الخاص ومصداقيته في النصح، الأمل في التوصل إلى حلول توافقية..؟ ودعني أقُل كلمة إنصاف بحق هذا الرجل، إنه لم يكن يتعامل كمبعوث أممي فحسب؛ ولكنه كان يلتحم بالمشكلة المعروضة، بموضوعية وبدرجة عالية من المسؤولية، التي لا يمكن معها إلا أن تحترم نصائحه، والتي غالباً ما كانت تقود إلى تفاهمات بين أطراف الحوار، عدا تلك الحالات التي كانت أطراف سياسية قد قررت أن تحتجز الحل بيدها كرهينة إلى حين.
عند هذه النقطة من مسار الحوار، لا بد أن التاريخ سيتوقف طويلا ليستقصي أهم فصل من فصول التراجيديا اليمنية في تحول النخب من التعاطي مع متطلبات الواقع بصورتها المادية والروحية إلى الحالة الذهنية التي يغيب فيها هذا الواقع بكل تجلياته، وتحل محله تهويمات الاستئثار، والعمل على هزيمة الآخر، والتفرد، واحتواء الحل… ليأخذ الحوار، وفقاً لهذه الحالة الذهنية، مساراً خارج حاجة هذا الواقع، ويحاصر، من ثم، فيما تمليه هذه الحالة من حاجة.
– كتاب جديد يُنشر، على حلقات، في صحيفة “الشارع”، بالتزامن مع موقع “الاشتراكي نت”.

زر الذهاب إلى الأعلى