فضاء حر

أن تحكُمَ تلّاً من الخراب!

يمنات
في أواخر العام 1977م، لجأ حاتم أبو حاتم، أحد قيادات حركة 15 أكتوبر 1977 ضد نظام صالح، إلى قبيلته “نِهم”، إحدى أعتى قبائل بكيل، مستجيراً بهم، ومعه عدد من الناصريين الذين قبلوا عرضه وعرض قبيلة “نِهم” بإجارتهم من صالح ومخابراته وجنده!
لكن الأغلبية من قادة الحركة، فضلوا مواجهة مصيرهم (بشهادة حاتم نفسه) فلم يهربوا، ولم يقاتلوا، فقبض عليهم بسهولة آنذاك، وإذ لم يتبقَ سوى مجموعة يسيرة لجئوا إلى قبائلهم في نهم وخولان، فقد حاول صالح بكل الطرق مفاوضة “نهم” لتسليم “الانقلابين” مع كل الإغراءات والضمانات التي عرضها على القبيلة، وتعهده بأن لا يمسهم أذى، إلا أنّ “نهم” رفضت، وكانت مستعدة للمعركة الشرسة التي كادت تندلع، لولا تصاريف القَدر!
تخيلوا لو أنّ العكس هو ما حدث؛ أي أن كل قيادي في الحركة ذهب للاحتماء بقبيلته، فتتأزم الأمور أكثر، وتنشب الحروب: تستعر الحرب مع الدولة في جبهة “نِهم” بسبب حاتم ورفاقه، وتلحقها الأخرى في “خولان” بسبب عبد الله العليبي و عبد العزيز رسام، وتندلع الثالثة في ذمار بسبب السنباني، وتقوم الرابعة في المحويت بسبب عبد الكريم المحويتي، وخامسة في عمران بسبب حسين منصر، وسادسة في بني حشيش بسبب محسن فلاح، وسابعة في بني مطر بسبب الرازقي…الخ!
تخيلوا كم سيطول أمد هذه الحروب، كم سيتساقط من القتلى، وكم سنجني من الخسائر والثارات والأزمات، وكما تعلمون، فإن قضية فلان تتحوَّل إلى قضية ثأر للقبيلة كلّها، فكل من سيقتل له أخ أو ابن عم أو ابن خال أو إبن أو أب سيطلب ثأره، وسينظم إلى جبهة القتال تلقائياً، وإلى مناصرة خصم السلطة (كما حدث لكثيرٍ ممن انظموا للحوثيين رغبةً في الثأر لأقاربهم الذين سقطوا في معارك سابقة).
وبغضّ النظر إن كانت القبائل ستقاتل للثأر فقط، أم ستضيف إلى ذلك تأييدها ل”الناصريين”، فإنه لا يخفى على أحد أن قطاعاً واسعاً – الأغلبية – من مؤسسات الدولة والأمن والجيش كانت تحتفظ بولاء كبير للناصريين، ولو بمعيار المصلحة، ولم يكُن ليتبقى مع صالح من كل هذا سوى “اللواء الأوَّل مدرع” – أو ما أصبح يُدعى بالفرقة لاحقاً – وجهاز الأمن الوطني الذي يديره محمد خميس “وهذا بإمكانه أن يغير ولاءه سريعاً”..!
تخيلوا حينها حجم (الثورة الشعبية السلمية المسلحة) التي ستطم على رأس علي عبد الله صالح وعلي محسن، وتخيلوا كم سيكون حضور الناصريين وحجم “قاعدتهم” الجماهيرية حينها..!
إن الحوثي يعرف كغيره، أن القبائل حين تُحارب وحين تناصر، تفعل ذلك لحاجتها، وليست حُباً ولا تشيعاً لهذا الطرف السياسي أو ذاك، وأن القبائل تقاتل غالباً لأمرين: إما لدفع الضرر، أو رجاء المنفعة. وبالتالي، يكون التنطع والمغالاة والغرور والاستغلال السيء للواقع الآني، إنما يورِّط صاحبه ، ويضخِّم من حجم “الجزرة” التي عليه أن يروي بها نَهَم الجائعين!
إن المعيار الذي تصنف بموجبه قوة ما بأنها “وطنية” أو “غير وطنية” هي مقدار حرص هذه القوة على الوطن ومواطنيه، سلامتهم، حقهم في الحياة، تماسكهم، رخاؤهم (يحدث الرخاء بالعِلم والعمل، وليس بالهتافات)، حماية مكتسباتهم، ومستقبلهم من الضياع..!
قد لا يكون الحوثي طائفياً (!!!!!)، لكنه في المحصلة، يقود البلد إلى حربٍ طائفية، إنه يرفض إلا أن يختار أسوأ الخصوم (القاعدة)، لينعشهم ويقويهم بسبب خطابه وممارساته، في النهاية: انتصر الحوثي، أو انتصر خصومه، ما فائدة أن ينتصر المرء ليجلس حاكماً على تلٍّ من الخراب والهياكل العظمية!

زر الذهاب إلى الأعلى