يودع اليمن واحدا من أسوأ أعوامه منذ عقود طويلة.. لم يعرف مثل هذه الحرب المتواصلة أو الدمار الشامل أو أنهار الدماء التي تتدفق كل يوم.
كما لم يعرف مثل هذا التشظي الجهوي والمذهبي منذ بداية الستينيات.. والآمال ضئيلة بأن يكون العام القادم عاما للسلام.
حتى وصول الحوثيين إلى صنعاء ووضع الرئيس عبد ربه منصور هادي رهن الإقامة الجبرية قبل تمكنه من الهروب إلى عدن، كانت دول الخليج غير آبهة بما يدور في اليمن وركنت لسنوات إلى الرئيس السابق علي عبد الله صالح باعتباره الحليف المأمون مقابل تنامي قوة التيارات الدينية وبالذات جماعة الاخوان المسلمين وتنظيم القاعدة، وقدم الرجل نفسه كخصم لهذه الجماعات.
اجتاح الحوثيون محافظة عمران ووصلوا إلى أبواب صنعاء بحجة محاربة الفساد ودخلوا المدينة مصورين أنفسهم كالفاتحين، فاستشعرت السعودية الخطر على مصالحها من سيطرة هذه الجماعة الموالية لإيران على معظم مناطق البلاد واتهمت الرئيس السابق الذي احتفظ بولاء قوات النخبة في الجيش اليمني، بالتواطؤ معهم وقررت فجأة بدء عملية عسكرية غير مسبوقة في اليمن بمشاركة كل دول الخليج باستثناء سلطنة عمان الى جانب مصر والسودان والأردن.
عاصفة الحزم، وهو الاسم الذي اختارته الرياض لعملياتها العسكرية، تحولت بعد ثلاثة أشهر الى اعادة الأمل، لكن الأمل غاب وسط استمرار المواجهات وقصف طائرات التحالف وتدمير معظم البنية التحتية وفرض حصار بحري وجوي خانق، وانتهت تسعة أشهر من الحرب تمكنت خلالها قوات التحالف من إعادة أجزاء واسعة من اليمن إلى سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، لكنها لم تتمكن من هزيمة الحوثيين والرئيس السابق وإجبارهم على الاستسلام.
لا تقتصر كوارث الحرب على مقتل الآلاف وتشريد أكثر من مليونين وخمسمئة ألف شخص، بل جعلت أكثر من ثمانين في المائة من سكان هذا البلد يبحثون عن المساعدات الغذائية ويواجهون خطر المجاعة، وتكمن خطورتها في أنها أوجدت شروخاً عميقة داخل المجتمع، على أساس الانتماء الجغرافي حيث تصاعدت مطالب الانفصال في الجنوب وامتدت إلى مناطق الوسط بلباس مذهبي وبرزت في الشمال برداء جغرافي وسلالي يصعب معها الحديث عن إمكانية مداواة هذه الجروح بسهولة اذا ما توقفت الحرب.
ولعدم وجود أي فضائل للحروب، فان إدراك دول الخليج لأهمية موقع اليمن ربما يكون الحسنة الوحيدة وسط ركام الدمار، وحالة الاستقطاب التي تجتاح المنطقة، إذ باتت هذه الدول أكثر حرصاً على وضع اليمن تحت العباءة الخليجية من دون أن يصبح عضوا في نادي الأغنياء المترنح بفعل الانخفاض الكبير في أسعار النفط وتكاليف الحرب أو يستفيد من أمواله ولكن بطريقة تمنعه من التحول إلى مركز لتهديد الاستقرار الهش.
انتهى العام واليمن مجزأ بين سلطة شرعية تحكم أجزاء منه وتحالف الحوثيين والرئيس السابق الذي يحكم قسماً آخر، وعناصر القاعدة تحكم ما تبقى منه، والإرهاب يضرب في أكثر من مكان، وبقية المحافظات ساحات لحروب الأخوة الأعداء يدمرون المدمر ولا يظهر في الأفق أن الحرب ستضع أوزارها قريبا، ولا أن الصراع المتزايد في المنطقة بين السعودية وإيران سيتوقف.
المغامرة التي أقدم عليها الحوثيون بالانقلاب على الحكم، وهم المصنفون من خصومهم كجماعة مذهبية خارجة على القانون، لم تزد من مكاسب الجماعة التي رفعت شعار محاربة الفساد، بل ألحقت بها خسائر سياسية ومادية كبيرة حيث قتل الآلاف من مسلحيها ودمر جزء كبير من أسلحتها.. وعلى الصعيد السياسي، فشلت في محاربة الفساد بل يتهمها كثيرون بأنها غرقت به وباتت ترعاه.