إختيار المحررالعرض في الرئيسةتحليلات

الأركان الخمسة للدبلوماسية الروسية في الشرق الأوسط ونهجها المستقبلي في المنطقة

يمنات – صنعاء

نائف أحمد القانص

علاقات روسيا مع دول الشرق الأوسط لها تاريخ طويل، وترتبط روسيا بشعوب المنطقة بمختلف الصلات الاقتصادية والثقافية والروحية منذ فترة طويلة.

و هذه العلاقات الطويلة الأمد جعلت من روسيا أحد اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط، وخاصةً في مجال حل النزاعات والتحديات في هذه المنطقة.

من ناحية أخرى كانت دول الشرق الأوسط أیضاً تنظر دائماً إلی روسيا وسياستها الخارجية بثقة كبيرة.

کما أن مواقف روسيا المحايدة والمتوازنة والتي تدعو إلی حل جميع القضايا في الشرق الأوسط على أساس مبادئ القانون الدولي، کان لها أهمية خاصة لبلدان المنطقة.

و مع ذلك، في السنوات الأخيرة وخاصةً بعد التطورات الثورية في بعض البلدان العربية، شهدت السياسة الخارجية الروسية تجاه الشرق الأوسط بعضاً من التغييرات.

تأتي أهمیة الشرق الأوسط بالنسبة إلی الروس لعدة أسباب:

  1. القرب الجغرافي: روسيا تجاور بالفعل منطقة الشرق الأوسط عبر إيران وتركيا. لذلك، فإن القرب الجغرافي والجوار أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل منطقة الشرق الأوسط مهمةً للروس.

  2. القاسم المشترك المتمثل بالمسلمين: مع انهيار الاتحاد السوفياتي، انهار في الواقع الجدار الذي وُضع بين المسلمين الروس وغيرهم من المسلمين. وحالياً یشکل المسلمون حوالي سبع سكان روسيا، والذين هم في تزايد أيضاً.

  3. اليهود الروس: نحو 20 في المئة من سكان الکيان الإسرائيلي، هم من اليهود الذين کانوا یعیشون سابقاً في الاتحاد السوفياتي. والآن يستطيع كلهم التحدث باللغة الروسية تقريباً.

  4. الاضطرابات الدينية والسياسية المستمرة في العالم الإسلامي: دخول الأفكار المتطرفة والمتشددة من الشرق الأوسط إلى شمال القوقاز، وخاصةً جمهوريات تتارستان وبشكيريا، کان مصدر قلق دائم للروس.

  5. موارد الطاقة الغنية: تعتبر روسيا نفسها قوةً في قطاع الطاقة، وتبحث عن فرص في حدودها الجنوبية.

  6. الوجود العسكري الأمريكي: لقد رصد الروس دائماً وبدقة التحركات والسياسات العسكرية الأمريكية في المنطقة. وفي هذا الصدد، فإن الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان علی وجه الخصوص، جعل روسيا تولي المزيد من الاهتمام بالتواجد العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.

الشرق الأوسط بعد الربيع العربي

إن التغيرات والتطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط والمعروفة باسم الربيع العربي، والتي أدت إلى تشكيل الشرق الأوسط الجديد، غيّرت السياسة الخارجية الروسية تجاه الشرق الأوسط إلى حد كبير.

بالنسبة لروسيا، فإن ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط تحت عنوان التحولات الثورية، هو تنفيذ واستكمال لنظرية “الفوضى المسيطر عليها”، والتي تعني تقسيم الحكومات الكبيرة في المنطقة إلى وحدات أصغر.

و في الواقع يعتقد الروس أنه علی المستوى المفاهيمي والنظري، فقد تم وضع فكرة تغيير خريطة الشرق الأوسط والاستفادة من عدم الاستقرار، في إستراتيجية “الفوضى المسيطر عليها” أو “إدارة عدم الاستقرار”. والمشاركة في تطوير هذه النظرية قد تمت من قبل مستشاري الرئيس الأمريكي الحالي مثل بريجنسكي. بالإضافة إلى ذلك، فقد کان لـ “جين شارب”، المبدع والمطوّر لنظرية الثورات الملونة في بعض دول الاتحاد السوفياتي السابق، وكذلك واضع نظرية “الفوضى واستراتيجية التفكير”، دورٌ كبير في هذا الأمر أیضاً.

طبيعة مفهوم “الفوضى المسيطر عليها”، تكمن في أنه لإدارة البلدان بشکل فعال، یجب على جميع المناطق أن تدمّر الهياكل والمؤسسات السابقة للمجتمع، وتخفض طرق الحياة التقليدية مع القيم التقليدية، وصولاً إلی خلق فراغ أيديولوجي في نهاية المطاف.

و هذا سيؤدي إلی خلق حالة من الارتباك واللبس في الوعي الاجتماعي، وبذلك يمكن غرس الأهداف المحددة في المجتمعات المستهدفة بسهولة. و في الواقع، من خلال تطبيق نظرية “الفوضى المسيطر عليها”، فإن الأنظمة الموالية للغرب ستحلّ محلّ الأنظمة السياسية الحالیة.

و من هنا فقد عارضت روسيا المشاریع الأورو أطلسية، لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط، وجعلت من خلال مواقفها الصارمة والحازمة، تنفيذ هذه المشاريع أكثر تعقيداً وصعوبةً.

و بالنظر لهذا النهج، يمكننا القول إن روسيا تقیّم التطورات في الشرق الأوسط بهذا المعيار، و تری أن الغرب وعبر خلق الفوضى في مختلف دول المنطقة، یخطّط لتجزئة وهندسة التطورات المستقبلية في المنطقة.

حالیاً يعتقد الروس أن التطورات الثورية في الشرق الأوسط قد أحدثت العدید من التغیيرات في المنطقة، و يبدو أنه سوف یمضي ما لا يقل عن عقد من الزمن حتی یجد الشرق الأوسط شكله النهائي.

و مع ذلك، فإنه ليس من الواضح حتی الآن من هم الذین سیصلون إلی السلطة في المستقبل، وما هو الاتجاه الذي ستسیر فیه البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية. کما أن التطورات الثورية في الشرق الأوسط قد غيّرت شكل وطبيعة العلاقات بين دول المنطقة، ومع الجهات الفاعلة الأخرى، وخاصةً القوى الكبرى.

النهج المستقبلي

بالنظر إلی القضايا المطروحة، يبدو أن روسيا تنتهج دبلوماسيةً في الشرق الأوسط تتکوّن من خمسة أركان:

  1. الحضور الفعال والحفاظ على تركيز القوی على العلاقات الثنائية مع دول المنطقة؛

  2. السعي لتنويع وتطوير العلاقات مع الدول المتعارضة مع بعضها البعض؛

  3. التواصل الفعال مع القوى والتیارات المعارضة، بالإضافة إلى الحفاظ على العلاقة مع السلطات الرسمیة؛

  4. لعب دور الوسيط في النزاعات والأزمات في المنطقة، في إطار قوانين الأمم المتحدة ودون دعم حصري لجهة ما، أو معارضة الأطراف المحددة الأخرى؛

  5. السعي للامتناع عن إبداء التصريحات الصدامية، والقیام بإجراء ضد الدول التي تعارض روسيا في القضايا الدولية والإقليمية الخاصة.

هذه الدبلوماسية ذات الأرکان الخمسة، تحدد أساس السياسة الخارجية لروسيا في الشرق الأوسط، وتُظهر فهم النهج الروسي تجاه التطورات الإقليمية. وفقاً لذلك، يبدو أن روسيا ستنتهج حیال الشرق الأوسط الجديد، ما لا يقل عن ثلاثة نهج، هي النهج الجيوسياسي والأمني والاقتصادي في آن واحد.

في النهج الجيوسياسي، تحاول روسيا تشکیل تكتل قوة لنفسها في الشرق الأوسط. وبالنظر إلی أن الروس يبحثون عن نظام عالمي متعدد الأقطاب، فبالتالي یعتبرون إيران وتركيا والسعودية بلداناً هامة في منطقة الشرق الأوسط.

بناءً علی ذلك، فإن مواجهة الأحادية الأمريكية وحیازة الدور الدولي كقوة عالمية، تعتبر من أهم الأهداف الجيوسياسية للسياسة الخارجية الروسية في منطقة الشرق الأوسط.

و في هذا الصدد، سوف تُتبع سياسة زیادة العلاقات الخارجية مع الدول المعارضة للولايات المتحدة في المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى سيكون على جدول الأعمال إقامة علاقة وثيقة مع الدول التي كانت دائماً جزءاً من شركاء أمريكا.

في النهج الأمني، فإن روسيا قلقةٌ بشأن انتشار الإسلام الراديكالي في القوقاز الشمالیة والجمهوريات المسلمة في هذه المنطقة. حیث أن خطر انتشار الإرهاب والتطرف الديني ووجود جماعات مثل تنظیم القاعدة، یمکن أن يثير النزعات الانفصالية لدی بعض الجمهوريات والمناطق مثل الشيشان. بالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا من الناحية الأمنية، قلقةٌ للغاية بشأن انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.

في الجوانب الاقتصادیة، بما أن روسيا هي واحدة من الدول المصدرة للنفط والغاز، فلذلك لها بعض التحفظات علی دول المنطقة، وفي بعض الحالات تنظر إلیها کمنافسين أيضاً. علاوة على ذلك، روسيا وفي كثير من الحالات تضطر إلى التعاون والتنسيق مع أكبر منتجي الطاقة في المنطقة أیضاً، وذلك للسيطرة على السوق والأسعار.

من ناحية أخرى، فإن توسيع العلاقات الاقتصادية مع دول الشرق الأوسط، خصوصاً في قطاع الطاقة وتصدیر الأسلحة والمعدات الحربیة، یلعب دوراً هاماً في المقاربة الاقتصادية الروسية تجاه الشرق الأوسط.

و في هذا الصدد، تعتزم روسيا الاستفادة من زيادة قوتها الاقتصادية وتراجع نفوذ الولايات المتحدة في دول العالم، وتتولی دوراً رئيسياً في القطاعات الحيوية لاقتصاد بلدان الشرق الأوسط.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى