مع شنّ السعودية حربها على اليمن في مارس/ آذار من العام الماضي، زاد بشكل لافت اضطهاد ابناء الطائفة الإسماعيلية في المملكة، إذ ارتفعت مجدداً أصوات رجال الدين المحسوبين على الحكومة التي تعتبرهم خونة.
حسين عبدالله
كانت «الحرب» كارثة على مدينة نجران مركز الإسماعيليين في السعودية، فهي أصبحت أرض معركة حقيقية، إذ لا تبعد عن الحدود اليمنية سوى كيلومترات عدة، وتستقبل القذائف بشكل شبه يومي ومات عدد من سكانها ودُمر عدد من البيوت والمنشآت العامة.
رغم هذا اختار الإسماعيليون في نجران البقاء فيها ولم يقبلوا بالضغط الذي تمارسه الحكومة السعودية لتهجيرهم من مناطقهم التاريخية بزعم «نقلهم إلى أماكن آمنة».
وكانت الحكومة السعودية قد أصدرت قراراً العام الماضي، يقضي بإنشاء مناطق عازلة بعمق 20 كيلومتراً على حدودها كافة، ما نتج عنه إزالة المئات من البلدات والقرى وتهجير سكانها، كما حدث لمحافظة شرورة في منطقة نجران، التي ألغيت بالكامل وهُجر سكانها وعددهم خمسة آلاف في اليوم الأخير من عام 2014 بأمر العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز.
الإسماعيليون في السعودية يعانون من تاريخ طويل من التمييز الديني المستمر الذي تمارسه الحكومة، فهم يدرسون في المناهج التعليمية في مراحل التعليم العام إنهم مشركون وكفار، وعلاوة على هذا لا يُسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية بحرية، وتتهم وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة رجال الدين الإسماعيليين بممارسة الشعوذة والسحر، وتُخصص محاضرات دينية في المساجد مرخصة من وزارة الشؤون الإسلامية «لتوضيح خطورة اتباع المذهب الإسماعيلي الباطني الخبيث».
حتى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) استفاد من التمييز الحكومي السعودي ضد الإسماعيليين، وأرسل أحد عناصره إلى نجران، حيث فجر نفسه في اكتوبر/ تشرين الأول الماضي في مسجد هناك، لأن الشرطة قررت استثناء مساجد «الإسماعيليين» من الحماية لأنها ليست تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية، وفقاً لوثيقة رسمية صادرة عن أمير منطقة نجران نشرتها وسائل إعلام في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ورصدت منظمة «هيومن واتش رايتس» في تقرير نشرته في 2008 الانتهاكات التي تمارسها الحكومة السعودية ضد الإسماعيليين، وقالت إنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية وهم ضحية للتمييز الديني.
وكشف تقرير المنظمة الدولية أن كثيراً من ابناء نجران يضطرون إلى الهجرة منها إلى مناطق أخرى للبحث عن فرصة عمل، إذ أن غالبية الوظائف في المنطقة يشغلها «أشخاص جلبوا من الخارج يتبعون المذهب الرسمي للحكومة».
وضرب التقرير مثالاً بأن قسماً واحداً فقط من بين 35 قسماً حكومياً في نجران يترأسه إسماعلي. وأشار إلى أنه بعدما شارك المئات من ابناء الطائفة بتظاهرات بعد إغلاق أحد مساجدهم ومصادرة كتب منه عام 2000، فصلت الحكومة 400 من الإسماعليين من وظائفهم.وسلطت «هيومن رايتس» الضوء على خطاب الكراهية الذي يتبناه رجال دين رسميون ومسؤولون في الأجهزة القضائية ضد ابناء الطائفة الإسماعيلية.
وبتجاوز تقرير «هيومن رايتس»، يمكن الإشارة إلى قصة الشاب هادي آل مطيف الذي يمثل مثالاً واضحاً على الانتهاكات التي تمارس بحق الإسماعيليين، فهو اعتقل وهو لم يبلغ 18 عاماً بعد في 1993 واتهم بإهانة النبي محمد بلفظٍ، وصدر ضده حكم بالإعدام في 1996، ورغم الدعوات الدولية طوال سنوات للإفراج عنه، إلا أنه لم يُطلق سراحه إلا بعد 19 عاماً في 2012 بـ»عفو ملكي»، ولم يعوض عن السنوات الطويلة التي قضاها خلف القضبان.
الأكيد أن أوضاع الإسماعليين تتجه إلى مزيد من السوء في السعودية، خصوصاً في ظل عودة رجال دين عرفوا بتكفيرهم العلني للطائفة الإسماعيلية إلى الواجهة مع تولي الملك سلمان الحكم العام الماضي، مثل رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق وعضو هيئة كبار العلماء صالح اللحيدان الذي يظهر بشكل أسبوعي وهو يجلس إلى يسار الملك خلال استقبال المواطنين، وكان اللحيدان خلف مأساة آل عطيف، وأقسم بأن الأخير لن يغادر السجن إلا ميتاً حينما زاره بعض أقارب الشاب لبحث قضيته، وفقاً لحقوقيين سعوديين. (من الاشخاص الذين سحبت جنسيتهم البحرينية بسبب نشاطه الحقوقي).
* المدير التنفيذي لمنظمة «أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان في البحرين».