“5” تفسيرات لتعيين علي محسن نائبا للقائد الأعلى في اليمن
26 فبراير، 2016
1٬297 14 دقائق
يمنات – رأي اليوم
فاجأنا عبد ربه هادي منصور عندما اخرج اللواء علي محسن الاحمر من منطقة الظل وعالم النسيان، واصدر مرسوما بتعيينه نائبا عاما للقائد الاعلى للقوات المسلحة، اي الرجل العسكري الثاني بعده، في محاولة لانقاذ “عاصفة الحزم” في اليمن من عثراتها، والاستعداد لخوض المرحلة الثانية من معركة صنعاء الكبرى.
اللواء محسن الاحمر يعتبر الخصم الاكثر شراسة للرئيس السابق علي عبد الله صالح وأنصارالله معا، ويملك نزعة انتقامية تجاه المعسكرين، وتجاه صالح على وجه الخصوص، وربما جاء تعيينه في المنصب الجديد الفرصة الاكبر لشفاء غليله من الاثنين اذا سارت المعارك على الارض وفق ما يشتهي، وهناك شكوك كبيرة في هذا المضمار، لدى الكثير من خصومه سواء داخل الحلف السعودي او خارجه، وما اكثرهم.
هناك كم هائل من المعلومات الخاطئة حول اللواء محسن الاحمر، فهو ليس اخ غير شقيق للرئيس صالح، كما انه لا ينتمي الى عائلة الاحمر التي كان يتزعمها الشيخ عبد الله الاحمر، رئيس التجمع الوطني للاصلاح (اخوان مسلمين) وشيخ مشايخ قبيلة حاشد، اكبر قبائل اليمن، فقد كان والده، اي اللواء الاحمر، صديقا حميما لوالد الرئيس علي عبد الله صالح، فالاثنان ينتميان الى قبيلة سنحان، احد فروع قبيلة حاشد، واكتسبا اسم الاحمر من بلدة اسمها “بيت الاحمر” قرب صنعاء، ولما مات والد علي عبد الله صالح تبناه والد محسن الاحمر وعامله معاملة اولاده، ومن هنا نشأت الصداقة بين الاثنين وتعمقت، ويقال ان اللواء محسن الاحمر هو الذي مهد طريق الرئاسة لصديقه صالح بعد اغتيال الرئيس الغشمي.
علاقات اللواء الاحمر بالجهاديين الاسلاميين الذي خاضوا معركة الرئيس صالح ضد الانفصال الجنوبي عام 1994، وحمله ملف “القاعدة” والمفاوضات معها، بتكليف من الرئيس صالح، حتى انه تزوج شقيقة الشيخ طارق الفضلي، احد ابرز القيادات الجهادية في اليمن، ومعرفته الدقيقة بخرائط اليمن الجغرافية من الشمال الى الجنوب، ومن الشرق الى الغرب، وعلاقاته الوثيقة جدا مع الفسيفساء القبلية اليمنية، وخبراته القتالية الضخمة في الحروب، وست منها ضد أنصار الله، كلها عوامل دفعت بصانع القرار السعودي الى الايعاز لهادي باصدار مرسوم تعيينه في قمة المؤسسة العسكرية اليمنية، للاستفادة من هذه الخبرات، وتوظيفها في مصلحة “عاصفة الحزم” وكسب المؤيدين لها.
ما كان يخيف هادي من اللواء الاحمر طموحاته السياسية والعسكرية الهائلة التي يصعب السيطرة عليها، فقد بدأ خلافه مع الرئيس صالح عندما اراد تجاوزه، وتوريث الحكم لابنه احمد، ونازع الشيخ عبد الله الاحمر واولاده على زعامة التجمع اليمني للاصلاح (الاخوان)، واستطاع ان يكون الرجل الاقوى في الجيش في زمن الرئيس صالح، عبر الهبات المالية، والترقيات، والخدمات الاخرى، ولما قامت الثورة اليمنية عام 2011 ركب موجتها، وانحاز اليها، ووفر لها الحماية، على امل ان توصله الى سدة الرئاسة، ولكن هادي خطفها منه عبر المبادرة الخليجية.
السؤال الذي يطرح نفسه هو عن تأخر السعوديين، عام او اكثر، قبل اللجوء الى اللواء الاحمر ودفعه الى المقدمة؟
هناك عدة تفسيرات:
اولا: انها لم تكن تثق به لانحيازه للثورة وانقلابه على صديقه صالح، الذي كان يعتبر الحليف الاوثق لها، فالسعودية كانت وستظل ضد الثورات التي تطالب بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ثانيا: ان المرحلة الاولى من الحرب في اليمن كانت تركز على تدمير البنى التحتية والاسلحة الاستراتيجية اليمنية، مثل صواريخ السكود وقواعدها، وبعد اكتمال هذه المهمة يتم الانتقال الى الحرب البرية.
ثالثا: انهيار فرص الحل السياسي، ومفاوضات جنيف التي جرت بين الاطراف المتصارعة في اليمن برعاية المبعوث الدولي، واعلان انصارالله عن تمسكهم بالحل العسكري، ورفض اي حل سياسي.
رابعا: انهيار الاوضاع الامنية في جنوب اليمن، وعدن خاصة، وتزايد اعمال العنف والاغتيالات، وانتشار مقاتلي “القاعدة” و”الدولة الاسلامية”، وخلاياهما في معظم انحاء المدن الجنوبية، الامر الذي اكد الحاجة الى رجل قوي وخبير، للتعاطي مع هذه المسألة الخطيرة.
خامسا: شخصية اللواء الاحمر خلافية مثيرة للجدل في الاوساط السياسية والقبلية والعسكرية معا، وهذا النوع من المواصفات ليس مفضلا عند القيادة السعودية، خاصة بعد ان اكتوت بنار الرئيس صالح ومناوراته وتحالفاته.
من الصعب اطلاق احكام متسرعة حول مدى اهمية هذا التعيين للواء الاحمر، وانعكاساته الايجابية او السلبية على ميادين الصراع في اليمن، فالرجل لم يتسلم كامل مهام منصبه بعد، ولكن من المتوقع ان يثير هذا التعيين بعض الاشكالات السياسية والعسكرية، مثلما قال مصدر يمني وثيق لـ”راي اليوم”، فدولة الامارات العربية المتحدة الشريك الاكبر للسعودية في حرب اليمن قد تتحسس من تعيين قائد عسكري محسوبا على “الاخوان المسلمين” كقائد حقيقي لقوات الجيش اليمني، بالنظر الى النظرة العدائية التي تكنها الامارات لهذه الحركة الاسلامية، والحرب العلنية والسرية التي تخوضها حاليا ضدها، وكل من ينتمي اليها.
الاشكالية الثانية ربما تتأتى من خلال شعور بعض القيادات في الجيش الرسمي التابع لهادي بالخذلان وتجاوزهم بمرسوم التعيين هذا لاحد القيادات السابقة المفترض ان تحال الى التقاعد اولا، ولانها محسوبة على النظام السابق ثانيا.
تعيين اللواء الاحمر في منصبه الجديد هي محاولة او عملية “انقاذ” لعاصفة بدأت تفقد الكثير من زخمها وقوتها، سواء في الجو او على الارض، وباتت تعطي نتائج عكسية، وآخرها دراسة الاتحاد الاوروبي لقرار بوقف بيع الاسلحة للسعودية بسبب ما سماه المتحدث باسمه، جرائم حرب ترتكبها قواتها في اليمن.
هل ينجح هذا التعيين في حسم معركة صنعاء وانقاذ “عاصفة الحزم” بريا على الاقل؟ لا نملك الاجابة، ونفضل التأني قبل اصدار الاحكام، وهذا عين العقل في التعاطي مع حرب مجنونة يشنها اقوى الاقوياء العرب ضد اضعفهم نظريا، واقواهم عمليا، لما يحمله من مخزون الكرامة والعزة، والاعتداد بالنفس، والاستعداد للقتال لسنوات، وربما عقود.