منذ نحو سنتين يدور الحديث كثيرا عن تقسيم سوريا، وتكثر الأقلام، التي تكتب عن رغبة حلفاء المعارضة في تقسيم سوريا حلا للأزمة.
و ذهب البعض إلى تأكيد أن دمشق وحلفاءها يسعون لتقسيم سوريا، انطلاقا من أن سوريا قد تتحول بفعل الأمر الواقع إلى كيانات جغرافية – سياسية مستقلة.
و جاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، قبل أيام أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في 24 فبرائر/شباط 2016، لتشكل مادة للحديث الإعلامي، ولا سيما عند أولئك المقتنعين بوجود مخططات محلية وإقليمية ودولية لتقسيم سوريا.
و في حقيقة الأمر، فإن التقسيم بهذا المعنى في سوريا يبدو مستحيلا، لأسباب داخلية وأخرى خارجية. و تصريح كيري لا يعني أن سوريا أصبحت قاب قوسين أو أدنى منه؛ بل القصد منه أن استمرار المعارك أكثر من ذلك سيؤدي إلى تقسيم مواقع القوى في عدة مناطق جغرافية مثل: الأكراد في الشمال الغربي والشمال الشرقي، والحكومة في الساحل ودمشق ومحيطها، وقوى مسلحة معارضة مختلفة في إدلب ومناطق أخرى، وتنظيم “داعش” في دير الزور والرقة.
ذلك أن المناطق العسكرية أو ما يمكن تسميته الكانتونات العسكرية ليست قائمة على حقائق و وقائع قومية أو مذهبية أو طائفية، بمقدار ما تعبر عن معطيات عسكرية متحولة. وعليه، فإن هذا التقسيم لا يمكن أن يتحول إلى تقسيم سياسي، يؤسس لكيانات و دول جديدة على أنقاض الدولة السورية، لأسباب عدة:
1ـ لا يوجد في سوريا كتل جغرافية ذات لون طائفي موحد؛ لأن الطوائف متداخلة فيما بينها. ففي الساحل يوجد أتباع الطوائف الإسلامية المختلفة جنبا إلى جنب مع المسيحيين؛ وحتى في الشمال السوري، وعلى الرغم من تزايد القوة الكردية، فإن الواقع الديموغرافي لا يسمح بسيطرة كردية صرفة ولا بسيطرة عربية خالصة. أما في الجنوب، وتحديدا في السويداء، فلا يملك الدروز أي مقومات داخلية أو خارجية للانفصال.
2ـ حتى ما يدور الحديث بشأنه حول تدعيم فكرة “سوريا المفيدة”، أي حماية المناطق الساحلية عسكريا، فقد جاء لحسابات اقتضتها ظروف المعارك. ومنظومة الحكم الحالية لا تستطيع القبول أو حتى التفكير في عملية التقسيم، لأن ذلك سيقيد الامتداد الجغرافي لأي طائفة في سوريا.
3ـ على الرغم من الأزمة، التي نشبت بين الطوائف السورية، وغياب الثقة بعد خمس سنوات من الحرب، فإن المجتمع السوري مجتمع علماني من جهة، ومحافظ من جهة أخرى. ولا يوجد فيه غلو طائفي، كما الحال في دول أخرى كالعراق ولبنان؛ وهو مجتمع ظل متماسكا رغم كل هذه الأهوال. والدليل على ذلك هو أن الحرب الأهلية لم تتحول إلى حرب طائفية كما حدث لدى جيرانه.
4ـ فكرة التقسيم مرفوضة على المستوى الإقليمي؛ لأن تقسيم سوريا بهذا المعنى سيفجر المنطقة: فتركيا لا تحتمل وجود إقليمين كرديين مستقلين أحدهما في العراق، والآخر في سوريا. ولبنان لا يحتمل وجود دولة طائفية أو كيان طائفي على حدوده الشمالية والشرقية. والعراق لا يحتمل كيانا كرديا يكون امتدادا لإقليم كردستان العراق، في وقت لا يقبل فيه أيضا نشوء كيان إسلامي متطرف على حدوده الغربية. كما أن الأردن لا يحتمل قيام دويلات متعددة على حدوده؛ وقد حذر الملك الأردني عبد الله الثاني أكثر من مرة من كارثية فكرة التقسيم في سوريا.
5ـ بناء على ذلك، وخوفا من أن تؤدي هذه الخطوة إن تمت إلى تشجيع الأقليات الأخرى على المطالبة بحكم ذاتي، فإن المعلومات الواردة من واشنطن تشير إلى رفض البيت الأبيض منذ بداية الأزمة إسقاط حكومة دمشق عسكريا، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى انهيار الدولة ونشوء حرب أهلية ربما انتهت بتقسيم جغرافي للبلاد.