الاستشراق المعاصر يحول الامتياز المعياري من الاوروبي إلى الاميركي
3 مارس، 2016
173 8 دقائق
يمنات – متابعات
ينتقد كتاب “ادوارد سعيد ونقد تناسخ الاستشراق” التناسخ الذي حدث في إعادة إنتاج الشرق اعتمادا على الأطروحات النظرية الكبرى التي أنجزها سعيد في كتابه العالم والنص والناقد، الذي شكل المرجعية التأسيسية للنظرية النقدية التي أنجزها سعيد، والتي ترفض الانفصال بين اللحظة التاريخية واللحظة الإبداعية، بالتأكيد على أنها جزء من العالم الاجتماعي، بعد مناقشة مستفيضة لأطروحات ميشيل فوكو وجاك دريدا ومدارس النقد المعاصر التي حاولت إغلاق النص عن هذه الدنيوية.
الكتاب الصادر حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عمان وبيروت لمؤلفه الدكتور وليد الشرفا، يبدأ نقد الاستشراق بتوضيح معالم تأسيس واختراع الأنا “الغربي” بصفته معيارا يعود مخترقا وفاحصا لجوهر ذلك الكيان المرعب، الذي وصل أوروبا واقتحمها، وستكون هذه المرحلة بحثية بامتياز، فقد نشر عن الشرق في قرن مئة وستون ألف مطبوعة، وقبل ذلك قرار مجمع فينا الكنسي بتأسيس كراس للغات: العربية، العبرية، السريانية.
يناقش ناقد الاستشراق كتاب المكتبة الشرقية لدير بيلو بصفته بداية لتراكم أرشيف معرفي تسلطي في قراءة الشرق ومن ثم كتابته، ومن ثم حملة نابليون على مصر بصفتها تجسيدا لتلاحم المعرفي بالتسلطي بالسياسي .
ويستمر الكتاب بملاحقة حالات ومحطات التناسخ في عصر التنوير، حيث يعود” التنوير” معيارا أوروبيا في مواجهة “الظلامية” الشرقية، ويناقش الكتاب المقتطفات العربية التي أوردها سعيد لدوساسي بصفتها جغرافيا تخيلية استعارية وان كانت نصوصا حقيقية حيث يقوم الاختيار مقام التخييل في إعادة إنتاج الثقافة العربية.
تستمر فصول الكتاب برصد التناسخ الذي حدث مع رينان ؛ حيث تمت إعادة إنتاج فقه اللغة معيارا غربيا، يعيد التعارض بصيغة لغوية: لغة عربية، لغة غربية، وهنا ترث اللغة الجغرافيا والتاريخ والعرق.
يفكك الكتاب بعد ذلك الاستشراق المعاصر بصفته محط تناسخ مفصلية، حيث تحول الامتياز المعياري من العقل الأوروبي إلى العقل الأميركي، حيث تمت إعادة استنساخ المعيار بالحقل الاجتماعي بديلا عن فقه اللغة، في محاكمة الإسلام هذه المرة، وسيكون برنارد لويس مؤسسها الأبرز؛ اذ تعطي المعرفة تسويغا للتدخل السياسي في عالم الإسلام بين ثقافتين: الأولى، العرب، والثانية، إسرائيل، وهنا تناسخ مزدوج في نقل المعيارية والدونية والتسلط والإلغاء في آن معا.
يناقش الكتاب بعد ذلك منهج ادوارد سعيد في نقد هذا التناسخ حيث مفاهيم البنية والأمة والطبقة والخطاب والموقف من ماركس، بصفته إشكالا منهجيا أثار كثيرا من الجدل مع كثير من النقاد العرب، مثل: صادق جلال العظم ومهدي عامل وهشام شرابي وهشام ومحمد أركون وغيرهم.
ويمثل الإعلام المحطة الأخيرة لأحداث وتجسيدات التناسخ بين المعيارية الغربية، و”الشرائحية” الشرقية وتمثل التغطية الإعلامية للثورة الإيرانية عودة هائلة لكل تصنيفات التمايز الغربي، بداية من الجغرافيا وليس انتهاء بحق العربي بتعريف نفسه وانتهاء بعجزه عن هذا التمثيل.
وتصبح الصورة الإعلامية هنا تكثيفا صارخا لكل الأرشيف الاستشراقي في تأكيد التفوق والاستحواذ، وتصبح الصورة جغرافيا تخييلية جديدة، ويظل الشرق صدى للمعيار الغربي، وتسقط أسطورة التقدم، أمام نزعة التمايز والتفوق والاستحواذ، ان التبدل المعرفي لم يلغ البنية وانما اعاد انتاجها.
يذكر أن الدكتور وليد الشرفا هو أستاذ الإعلام والدراسات الثقافية في جامعة بير زيت، صدر له عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر رواية القادم من القيامة، التي رشحت لجائزة البوكر في العام 2013، وكذلك كتاب الجزيرة والإخوان، من سلطة الخطاب إلى خطاب السلطة، وتتركز اهتماماته على دراسة الاستشراق والسرد وثقافة الصورة.