لماذا انسحبت المقاتلات الروسية من سوريا وما هي شروط عودتها؟ وما مدى صحة المكالمة الغاضبة بين بوتين والاسد التي ادت لاتخاذ قرار الانسحاب..؟
17 مارس، 2016
1٬300 12 دقائق
يمنات – رأي اليوم
لم تتوقف التكهنات حول الاسباب التي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى سحب قواته وطائراته جزئيا من سورية في اليوم التالي لافتتاح المفاوضات التي ترعاها الامم المتحدة للتوصل الى حل سياسي للازمة السورية، و لم يقدم الرئيس الروسي في مؤتمره الصحافي الذي عقده اليوم الخميس اي تفسيرات واضحة تجيب عن اسئلة كثيرة مطروحة، واكتفى بالقول “ان الجيش الروسي في حال الضرورة يمكنه ان يعيد نشر طائرات خلال ساعات”.
صحيح ان الرئيس بوتين قال ايضا انه “بعد انطلاق الهدنة تراجعت العمليات العسكرية بأكثر من ثلاثة اضعاف، ولهذا فإن عدد القوات اصبح زائدا عن الحاجة”، ولكن الصحيح ايضا ان الطريقة “النزقة” التي جرى عبرها اتخاذ قرار الانسحاب، وقبل ساعات من تنفيذه توحي بأن الهدنة او “وقف الاعمال العدائية” لا علاقة مباشرة له بهذا القرار.
صحيفة “الشرق الاوسط”، المقربة من صانع القرار السعودي، نقلت عن مصادر دبلوماسية عربية وصفتها بـ”الرفيعة” قولها، ان القرار الروسي بسحب القوات جاء بعد مكالمة هاتفية وصفت بـ”العاصفة” بين الرئيسين الروسي ونظيره السوري بشار الاسد، وقالت “ان الرئيس بوتين عرض على الاسد اقتراحات تتعلق بمفاوضات جنيف، وان الاخير كرر التمسك بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرر”.
لا نعرف ما مدى دقة هذه المصادر الرفيعة التي نقلت عنها الصحيفة، لكن ما نعرفه جيدا ان الرئيس الاسد حدد موعد الانتخابات البرلمانية اواخر الشهر المقبل، من اجل “اجهاض” مبكر لمرحلة الحكم الانتقالي التي نصت عليها تفاهمات فيينا بين القوتين العظميين، وتضمنت انتخابات برلمانية ورئاسية في غضون 18 شهرا من بدء مفاوضات جنيف يوم الاثنين الماضي، وهي انتخابات “ملغومة” و”غامضة” من وجهة نظر الكثيرين في اوساط محيطة بصانع القرار السوري.
السؤال المطروح هو عما اذا كان الرئيس بوتين طلب من الرئيس الاسد في هذه المكالمة الغاء او تأجيل الانتخابات البرلمانية لاضفاء مصداقية على مفاوضات جنيف، والعملية السياسية المنبثقة عنها، وارضاء الشريك الامريكي الذي ابدى انزعاجا شديدا من هذه الانتخابات، ورد على هذا الطلب بالرفض؟
اللافت ان التصريحات التي ادلى بها السيد وليد المعلم شيخ الدبلوماسية السورية ومهندسها يوم السبت الماضي، وقال فيها ان الرئيس الاسد خط احمر وهو ملك للشعب السوري، وقبل يومين من بدء مفاوضات جنيف لم تأت اعتباطا، ولم تكن حتما خطوة روتينية، فالامور في سورية الاسد مضبوطة، وكل الخطوات المتخذة محسوبة جيدا لايصال رسائل معينة الى هذه الجهة او تلك، وبما يتوافق مع استراتيجية الحكومة وتكتيكاتها.
السيدة بثينة شعبان مستشارة الرئيس الاسد سارعت على التأكيد بأن سحب القوات والطائرات الروسية جاء بالتنسيق بين الرئيسين السوري والروسي، وان حكومتها على اطلاع مسبق بهذه الخطوة، اي انها لم تكن مفاجئة، ولكن هذه الرواية السورية الرسمية لم تبدد الشكوك، ولم تقطع الطريق على النظريات المعاكسة التي تقول بغير ذلك، خاصة اننا لم نشاهد مسؤولا سوريا مهما يطير الى موسكو بعد القرار المفاجئ، او العكس.
نتفق مع الرئيس بوتين بأن الطائرات الروسية يمكن ان تعود الى سورية في غضون دقائق، فما زالت هناك قواعد جوية روسية في طرطوس واللاذقية، ولكن لماذا انسحبت حتى تعود بالاساس، فالمهمة التي ذهبت الى سورية من اجلها، وحسب التصريحات الروسية الرسمية، لم يتم انجازها بالكامل، فـ”الدولة الاسلامية” التي جاءت للقضاء عليها ما زالت في الرقة ودير الزور وتدمر، واجزاء من ريف حلب، وجيش الفتح التابع لـ”جبهة النصرة” و”احرار الشام” ما زال يسيطر على مدينتي ادلب وجسر الشغور.
صحيح ان الجيش العربي السوري حقق انجازات على الارض ابرزها التقدم في ريف حلب وحمص، واستعاد مناطق خسرها لقوات المعارضة المسلحة، وبات يحاصر هذه المعارضة او الاماكن التي تسيطر عليها في مدينة حلب، وقطع معظم خطوط امدادها باغلاق المعابر على الحدود السورية التركية، ولكن هذه المهمة لم تكتمل بعد، والغطاء الجوي الروسي ما زال مطلوبا، اذا كانت هناك رغبة بإكمالها، وهي رغبة موجودة فعلا.
ما زلنا نعتقد ان هناك خلافا حول بعض جوانب او بنود خريطة الطريق التي وضعتها التفاهمات الامريكية الروسية للحل السياسي في سورية بين الحليفين الروسي والسوري، وابرزها تتعلق بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وصلاحيات الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية وما بعدها، وما يؤكد هذا التصور الترحيب الحار بالانسحاب الرسمي من قبل امريكا، وحالة الاحتفال التي سادت وفد الهيئة العليا للمفاوضات الذي يتخذ من الرياض مقرا له، واسقاطه كل شروطه السابقة، واستعداده، بل استعجاله المفاوضات المباشرة مع وفد النظام.
الطائرات الروسية يمكن ان تعود فعلا في خلال دقائق الى قواعدها في سورية اذا تم التوصل الى اتفاق لحل مرض للخلافات المذكورة آنفا بين الحليفين التاريخيين، لان كل منهما بحاجة الى الآخر تكتيكيا واستراتيجيا، مع الاخذ في الاعتبار ان الخط السوري الاحمر حول “مقام” الرئيس الاسد من الصعب، او من المستحيل، ان يتحول الى “زهري” ، بالنسبة الى الجانب السوري، حسب فهمنا، لان التنازل في هذا الشأن يعني الانهيار الكامل والوشيك للنظام.