فشل نخب وعدوان وخراب كبير
يمنات
أحمد سيف حاشد
نخبنا مشدودة بثقالات العواطف وأثقال الماضي بعيدة عن العقل والمنطق والبحث عن المستقبل..
في الجنوب جل نُخبه ولا سيما نُخب الحراك مشدودة إلى ما يدغدغ عواطف الشارع وتابعه ومجرورة به، بل كانت أحيانا تحاول أن تسبق إيقاعات الشارع دون عقلنته أو الاكتراث بالمألات الخطرة والانحدارات السحيقة، و كل ذلك كان في معظمه على حساب مستقبلها السياسي و مستقبل شعب تدعي تمثيله..
كان جل هذه النخبة مأزوم و مفلس و لا يجرؤا على مصارحة الجماهير و الكشف عن مخاطر التحريض العنصري، بل كانت تشوه وعي الجماهير و تلهب مشاعر الشارع بالعنصرية، و تحرض بتخلف وحدية على الشمال و الشماليين؛ و تقوم بالتحريض و التعبئة بعيدا عن العقل و المنطق و الإنسان..
و لهذا و ذاك كان اخفاقها كبير و فشلها ذريع و خيبتها مريرة، حيث هرولت نحو العدوان و الاحتلال الخارجي الذي يشن حربا همجية يستهدف من خلالها اليمن كيانا و مجتمعا و إنسانا و بنية تحتية، و فعلت ذلك نكاية و انتقاما مما وصفته بالعدوان و الاحتلال الشمالي .. و وضعت يدها بيد العدوان الخارجي و ساندته و سلمت له و استسلمت لأجندته جملة و تفاصيل..
و الأكثر من ذلك إنها تخلت عن حضرموت وتغاضت عن تنظيمي داعش و القاعدة و اصطفت و تخندقت معهما ثم بعد انكسار خصمها المحلي عمدت إلى الترويج و خداع الناس إنها قاعدة عفاش أو إنها بقايا خلايا نائمة عفاشية و حوثية، و اليوم بدأت تعترف بالواقع المُر التي تعامت عنه، و حاولت تغطيته؛ و لكن بعد أن وقع الفأس بالرأس و قال الواقع “لات ساعة مندم”.
أما نخب تعز أو بالأحرى جلها فهي الأخرى و بعد أن فشلت في معاركها التي تبنتها برامج أحزابها تحالفت هي الأخرى مع العدوان، و أستقوت به و أنطبق عليها شطر بيت الشعر “كالمستجير من الرمضاء بالنارِ”، و لاذت من خصومها بالعصبويات المناطقية و الجهوية و الطائفية و اصطفت و قاتلت مع داعش و القاعدة و غرقت في التحريض و التأجيج لكل العصبويات الضيقة و تخلت عن المشروع الوطني لصالح خصومها و كانت القاتلة و الانتحار..
في هذا الوسط النخبوي المأزوم قارعنا الباطل و قاومنا أمواج المحيط المتلاطمة بمجداف وحيد، و كان صوتنا لا يسمع في ظل ألة إعلامية ضخمة و كثيفة و ممولة بالبترودولار؛ تمكنت من تشويه و تلويث و تزيف وعي المجتمع؛ و جره إلى الاحتراب و المحارق..
لقد كانت كلفة الأخطاء كبيرة و فادحة؛ و لا زال الأسواء ينتظر تعز و عدن و حضرموت و عموم الجنوب.
و في صنعاء و بقية الشمال كانت النخب أو جلها و لا سيما النخبة السياسية الحاكمة أو من حكمت؛ و كذا من لا زالت تحكم شريكا إن لم تكن سببا رئيسا فيما حدث في الجنوب و الوسط و الشمال من تشظي و تمزق للنسيج الاجتماعي و إحياء للعصبيات المنتنة..
كل ذلك كان مسنودا أولا بسياسة المملكة حيال اليمن و تدخلاتها المستمرة خلال عقود مضت..
و ثانيا بالحرب و العدوان الذي كان الأساس و العامل الرئيس في أن تصل اليمن بسرعة إلى ما وصلت إليه من دمار و خراب و مآسي عراض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من عام مضى و مثل هذا اليوم كتبت في نقد النخب منشورا نصه:
كن قطيعاً أو صاحب رأي
المفكر و القائد و المثقف و التنويري و صاحب الرأي ليس هو الذي يخشى الرأي العام، أو يبحث عن إيقاعاته ليكون كورس له، أو ينساق معه كيفما كان، بل هو المعني في مواجهته أو تحديد وجهته أو صناعته ابتداء بما يحدث تغييره أو تطويره..
ليس هو المعني بالإتباع أو الخضوع لما هو بائد أو تقليدي وسائد، أو يهتم و يكترث بما يرضي و يدغدغ عواطف الجماهير و مشاعر المجتمع السياسية أو الدينية..
و لكن هو الذي يبحث عن الحقيقة، و يتحلّى بروح الإقدام حد المغامرة، و لديه القدرة و الشجاعة الفذة للمبادرة، و هو معني قبل غيره بالتغيير و التجديد و الإبداع و الحرية و الثورة على ما هو سائد في وعي و ذهنية و ثقافة المجتمع و واقعه..
هو المعني بالتمرد على الجمود و الرتابة و الإتباع و المسلمات التي قد تبدو في نظر الجماهير و المجتمع حقائق و يقين .. و هو أيضا المعني أكثر من غيره بالمستقبل و تحمُّل المسؤولية و يدفع قبل غيره كلفة و ثمن ذلك..
بإمكان كل إنسان منّا أن يختار ما يريد .. بإمكانه يكون قطيعاً أو عبداً أو أسيراً أو نعامة .. و بإمكانه أن يكون رائداً أو قائداً أو مفكراً أو مثقفاً أو صاحب رأي..
كل يضع نفسه حيث يشاء، و يختار ما يريد.