صحفية تكشف عن جوانب خفية من صراعات “هادي” و “بحاح” وخفايا قرار الإقالة
يمنات – صنعاء
كشفت صحيفة “ميدل ايست اونلاين” البريطانية، عن تفاصيل جديدة بخصوص اقالة هادي لنائبه خالد بحاح.
و نشرت الصحيفة مقالا للصحفية “نوال المقحفي” التي تعمل في هيئة الإذاعة البريطانية، أماطت فيه اللثام عن جوانب من خبايا القرار..
و جاء في المقال ما يلي:
كان ماضيًا في طريقه بالممر، إلى جواره أحد مساعديه، كانا يتبادلا أطراف الأحاديث الخفيفة وهما يمضيان بخفة.
رن هاتف المساعد، كانت إمرأته، سألته “هل هذا صحيح؟”.
فرد المساعد قائلًا: “ما هو الموضوع؟!”، قالت الزوجة: “هادي أصدر قرارًا.. عزل بحاح من مهامه”.
توقف السكرتير للحظة، كان مترددًا، لا يعرف كيف يبلغ الرجل الواقف إلى جواره، الذي هو رئيسه – خالد بحاح – بهذا الخبر العاجل.
كيف تبلغ نائب رئيس الجمهورية اليمنية ان الرئيس قد اقاله؟
يصعب تصديق ذلك، لكن هذا ما أكده أعضاء الدائرة الخاصة ببحاح.
انتهت الفترة القصيرة التي قضاها خالد بحاح في مهامه كنائبًا للرئيس من دون اي مقدمات او مشاورات او تحذيرات مسبقة.
لم يكن مساعد بحاح الشخص الوحيد الذي اندهش بهذه الأنباء.
تمددت الموجه الصادمة عقب إعلان الثالث من شهر إبريل من دهاليز الرياض و تسارعت الدوامة في وسائل الإعلام الاجتماعية و وصلت إلى كل صحفي يمني و محلل سياسي و مراقب و مواطن عادي.
كان قرار إقصاء بحاح – و الذي عين عبر قرار توافقي لكافة الفصائل اليمنية في خطوة نادر ما تشهدها البلاد – قاسٍ و ذلك لعدة اسباب:-
بادئ ذي بدء، لا يوجد لدى هادي مصوغ قانوني يمكنه من اتخاذ مثل هذا القرار من دون الرجوع إلى البرلمان اليمني و الحصول على موافقة الأغلبية.
ثانيًا، فترة بحاح القصيرة كانت نسبيا جديرة بالثناء من عدة جوانب. فهو تكنوقراط، لا توجد لديه أعباء سياسية، تميز استثنائيًا بتقدير المكونات اليمنية بالإضافة إلى دوائر المجتمع الدولي. الأمر الأكثر حيرة هو البديل الذي أختاره هادي، الجنرال علي مجسن الأحمر، أحد أكثر اللاعبين السياسيين المثيرين للجدل في التاريخ السياسي اليمني.
علاوة على ذلك، أثار توقيت قرار هادي قلقًا ملموسًا، إذ كان التحرك المتسرع قبل أسبوع من بداية قرار تفعيل وقف إطلاق النار الذي طال انتظاره – بُغية تحقيق الاستقرار ميدانياً قبيل انطلاق محادثات السلام.
مهما كانت دوافع أو نوايا هادي، كانت ردة فعل المجتمع الدولي واضحه، خاصة وهم يواجهون ضغوطات شديدة لتأمين معالجة دائمة وعاجلة للصراع الدائر في اليمن، حيث يوحي موقف المجتمع الدولي انه لن يسمح للتطور الأخير بالمخاطرة في جهود السلام القائمة.
في واقع الأمر، وبعد لحظات من مرسوم هادي، عبر وزير خارجية الولايات المتحدة عن استيائه سريعًا، بقوله: “لا يمكننا تجنب القول إنني أعتقد ان الرئيس هادي قد عقد كثيراً بعض الجهود القائمة في الساعات القليلة الماضية”.
و أضاف: “أمل أن تتخذ قرارات بهدف تسهيل قدرتنا للمضي قدمًا في المفاوضات التي عملنا عليها جميعًا لكي تنطلق في ١٨ إبريل”.
في حقيقة الأمر، وبطبيعة الحال، كانت مؤشرات الشقاق بين الرجلين واضحة المعالم لفترة طويلة.
اشتعلت صورة الرئيس هادي وهو يدفع بحاح جانبا حين كان يمشي إلى جوار الوزير جون كيري، صورة عكست الواقع، وما خفي كان أعظم.
منذ توليه الرئاسة في انتخابات توافقيه بلا منافس، كان يُنظر إلى هادي وعلى نطاق واسع أنه غير فعال ويفتقر حتى إلى الدعم في مسقط رأسه المحاصرة.
وقف هادي، الضابط السابق في جيش اليمن الجنوبي، مع الطرف الخاسر خلال الاقتتال الجنوبي الداخلي عام ١٩٨٦م، وأضطر هادي إلى الخروج والانتقال إلى صنعاء – شمالًا – ومن ثم قاد قوات شماليه ضد الانفصاليين الجنوبيين في الحرب الأهلية عام ١٩٩٤م، و أمن بعدها منصب نائبا لسلفة الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
خلافًا لذلك، حاز بحاح على احترام مختلف الأطياف السياسية اليمنية، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى كونه وافد جديد للساحة السياسية الوطنية من دون أي تاريخ سياسي شخصي.
قبيل اختياره نائبا للرئيس التوافقي، كان بحاح يتولى منصب رئيس مجلس الوزراء، و قاد بحاح حكومة من التكنوقراط المحترفين، لُقبت بحكومة “الكفاءات”.
و تعرضت طموحات بحاح إلى ضربة مؤلمة حين استحوذ الحوثيون على صنعاء، العاصمة اليمنية، في سبتمبر ٢٠١٤م، و وقع تحت الإقامة الجبرية.
و قد استقال هادي عقب ذلك الحدث، وتتبع بحاح خطاه وكل أعضاء فريقه الحكومي.
سُئل بحاح يومها إذا كان سيعود إلى السياسة مستقبلًا، فقال: “سوف أعمل ما بوسعي لخدمة بلادي”.
بعد فترة وجيزة من سقوط صنعاء، فر هادي إلى عدن، و تتبعه الحوثيين، قبل أن يغادر ولجأ إلى المملكة العربية السعودية.
و عقب مغادرته صنعاء، سحب هادي استقالته، و أثار تدهور صحة هادي قلق الرياض، خاصة مع احتمال انتقال السلطة إلى أحد رجالات صالح، فضغطوا على هادي لتعيين نائبا للرئيس بشكل عاجل.
وقع الخيار على بحاح، فنظر الجميع إليه بأنه شخصية توافقيه، كانت لديه قنوات اتصال مع الحوثيين و حزب المؤتمر الشعبي العام، و الأهم من ذلك، كان بحاح مدعوما من دولة الامارات العربية المتحدة.
و قد طفت الخلافات بين هادي وبحاح إلى السطح في عام ٢٠١٥م، حيث غير الرئيس وزير الخارجية عبدالله الصايدي، فاحتج بحاح على القرار علنا بحجة أنه غير دستوري.
و صرح أحد وزراء حكومة هادي: “كان بحاح يدعو الفريق الوزاري إلى لقاء، وحين يسمع هادي بذلك كان يدعو أيضا إلى لقاء وزاري في ذات الفترة الزمنية بُغية إفشال لقاء بحاح بالوزراء”.
و أضاف الوزير الذي طلب عدم الكشف عن هويته قائلا “أصبحت المسألة مثار للسخرية”.
معركة عدن
يجمع الكثيرون أن عودة بحاح إلى اليمن – بصفته أعلى مسؤول يمني يقوم بذلك – كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، فقد أشاد المجتمع الدولي بقرار بحاح واعتبروها خطوة أولى في إعادة الحكومة بعد غياب في المنفى بالسعودية دام لقرابة ستة اشهر وكذا بعد عام من الصراع المسلح الدامي.
أبرزت افتتاحيات الصحف العالمية والإقليمية واليمنية الحدث، بعضها نشر بنبرة ابتهاج: “الحكومة اليمنية تعود من المنفى..” و بالطبع لم يكن هادي جزء من هذه المعادلة.
و صرح دبلوماسي يمني مطلع الأسبوع المنصرم قائلاً: “المنفى يؤثر عليك، تقيم في قصر فخم، لكنك في حقيقة الأمر غير قادر على القيام بمهامك، وبناءً عليه، فإن وسائل الإعلام تؤثر على صناعة القرار”.
حين كثرت زيارات بحاح إلى عدن، قرر هادي القيام بذات الرحلة، ربما أدرك الرئيس أن نائبة سرق فعليا الأضواء عنه. وأقام بحاح مقرا مؤقتًا له في فندق القصر بمدينة عدن.
و يشير المصدر الدبلوماسي: “طلب هادي منه (بحاح) ان يعود إلى السعودية لكنه فضل البقاء في عدن”.
فعليا عاد بحاح إلى السعودية بعد أن استهدفت عناصر تنظيم القاعدة المتشددة مقر إقامة بحاح وفريق عمله في فندق القصر.
في غضون ذلك، انتشر الحديث في السعودية بأنه حان الوقت لهادي بالتفكير جديًا حول مسألة نقل السلطة، وطبعا كان اسم بحاح مطروحًا بقوة – خليفة مقبول للسلف.
كان من المقرر أن يسافر هادي إلى الولايات المتحدة بُغية تلقي العلاج وقيل بأنه وافق على الطلب السعودي.
خلافا لذلك، تؤكد مصادر وثيقة من نجل الرئيس هادي، بأنه على الرغم من الوعود في هذا الشأن، لم يكن الرئيس هادي عازما على التخلي عن السلطة في تلك الفترة.
من جانبه، مارس بحاح ضغوطات كبيرة بُغية تجهيز وترميم القصر الحكومي في عدن بهدف الإسراع في فرص عودته وفريقه إلى عدن لاستئناف واجباتهم.
مع ذلك، وفور الانتهاء من اعمال الإصلاحات، أرسل هادي أبنائه للإقامة في القصر، و بعدها بفترة وجيزة انتقل بنفسه إلى القصر، بل ذهب بعضهم بعيدا باتهام هادي انه خطط للهجمات التي استهدفت القصر الحكومي.
عمومًا، يسهل على المتابع تفهم ولو نسبيا قرار هادي بإقالة بحاح بسبب المنافسة والصراعات الشخصية، لكن من الصعب تفهم منطق هادي من اختيار خليفة بحاح .. وماذا يعني ذلك على الصعيد الميداني..؟
بصرف النظر عن شخصية و إرث اللواء علي محسن المثير للجدل، يعد تعيينه ضربة كبيرة لجنوب اليمن، في حين يرى البعض أن تعيين احمد بن دغر رئيسا للوزراء كان قربانا واضحا للجنوب.
كما أن تعيين علي محسن يعتبر الخطوة السياسية الأهم كونه الرجل الثاني في هرم السلطة و تموضعه في ثاني أعلى موقع سياسي و عسكري بالإضافة إلى كونه يتمتع باحترام و تقدير و خشية من عدد كبير من القيادات القبلية في شمال اليمن.
فيما يخص بحاح، لقد تخلص هادي من أبرز منافسيه، لكن ترقية الجنرال تهدف إلى استقطاب القبائل الشمالية إلى جانب التحالف السعودي، وذلك من منظور بل هدف مرجو لهادي والرياض. صحيح أن هذه الخطوة أظهرت دهاء سياسي من قبل هادي، لكنه على الأرجح كان سيكون مثمراً قبل عام من الآن تزامنًا مع انطلاق الحملة العسكرية في اليمن بقيادة السعودية، حيث أن هذه الخطوة بلا شك ستكون أقل تأثيرًا اليوم خاصة وأن سهم علي محسن في شمال البلاد قد تضرر بشكل كبير نظرا لدعمه المباشر والصريح للتدخل العسكري السعودي.
يصرح مستشار للرئيس هادي قائلاً: “لقد نصحنا هادي في وقت مبكر بأننا نحتاج علي محسن، لكنه في ذلك الوقت لم يكن راغبا في منحه (علي محسن) سلطات واسعة”.
الردود الاقليمية
في حين أن ردة فعل جون كيري كانت سريعة حول قرار هادي في إبعاد بحاح، تساءل الكثيرون حول إمكانية اتخاذ مثل هذا القرار من دون أي مشاورات سابقة مع حلفائه السعوديين أو الأمريكيين فهل من المعقول أن يقوم هادي بمثل هذه الخطوة الجذرية من دون إبلاغ حلفاءه.
يقول دبلوماسي رفيع المستوى: “لم يتم التشاور مع أحد، ربما فقط محمد بن سلمان (ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي) وعدد محدود من أعضاء الدوائر العليا للسطلة السعودية .. لكن لم يتشاور مع طرف أخر”.
في هذا السياق، يمكن النظر إلى هذه الخطوة التي قام بها هادي كمثال آخر على سياسة المملكة العربية السعودية الجديدة باتجاه الإخوان المسلمين و حلفائهم: إعادة تفعيل حلف إقليمي سني ضد إيران وحلفائها. ومع ذلك، نرى ان تعيين علي محسن وبلا شك قد أغضب دولة الامارات العربية المتحدة، فهي استثمرت كثيرا في معركة اليمن.
على الصعيد المحلي، يظهر أن خطوة هادي تؤشر إلى أن خطة الرياض لم تعد تتمحور على دحر الحوثيين في حد ذاته، وإنما تتركز على إعادة حاكم عسكري مدعوم بقوة من السعودية، بعد ما يقرب عام من الجمود الميداني في الشمال، يبدو انه لا يوجد للرياض خيار آخر في الوقت الحالي.
و تكشف الحسابات السعودية أن الحرب في اليمن ستستمر ما لم يتكمن أحد القيادات في جمع القيادات الشمالية القبلية القوية و الأكثر تأثيرا إلى طاولة المفاوضات، و طبعا ستكون عملية صعبة، لكن من المرجح أن ينجح على محسن في هذه المهمة المعقدة وفرص نجاحه أكثر من فرص نجاح هادي أو حتى بحاح في هذا المسار، لكن علي محسن سيواجه تحديات عديدة مثل تلك التي واجهت هادي في محاولة إحلال السلام وتثبيت وحدة البلاد.
لقد بات واضحا أن الجولة الأخيرة من لعبة الكراسي السياسية في اليمن أبرزت دورًا محددًا لكل القابعين على الكراسي وهم يعلمون جيدا ما هي الخطوة القادمة، فكل هذه الاطراف ما عدا الرئيس هادي نفسه، قد استنفذ كل تحركاته ولم يعد اليوم سوى دمية الشرعية.
و السؤال الذي يطرح نفسه، هل تعيين الرئيس هادي بن دغر وعلي محسن من دون مشورة البرلمان تضعه وحكومته خارج الشرعية؟
اليوم، وبعد ان عاد بحاح إلى الرياض، أتساءل ما هي الجولة القادمة من لعبة الكراسي الموسيقية السياسية. هل هذه نهاية بحاح..؟ أو أنه سيفاجئ المشهد و يعود بقوة إلى الخطوط الأمامية السياسية..؟
في كل الحالات، لا يوجد شيء يفاجئ المراقب للمشهد اليمني، فقد أظهرت الاعوام والأشهر القليلة الماضية أن في المشهد السياسي اليمني .. كل شيء جائز!!