يرتحل اليمني حبيب سروري في روايته “حفيد سندباد” إلى المستقبل لينظر من خلاله إلى الماضي والحاضر، ويستشرف بعض المتغيرات التي يتوقعها، انطلاقا من الإيقاع السريع الذي بات سمة العصر الحديث، وقفزات التكنولوجيا في سباقها مع الزمن وتداعيات ذلك على حياة البشر.
بطل الرواية (الصادرة أخيرا عن دار الساقي في بيروت) عالم رياضيات وبرمجيات الحواسيب يتخذ من الأرقام ولغات البرمجة أساسا لسرد حكايته، يسبغ عليها روحا أدبية، يحررها من حيادها المفترض، يقوم برحلة في الزمن، معتمدا على قراءة الغد القريب، يرسم صورة مرعبة، حيث تجتاح الحياة الرقمية شتى التفاصيل، تقيد تحركات البشر، في محاولة للإنابة عنهم في التفكير واتخاذ القرارات ودفعهم إلى القيام بما يملى عليهم.
يصور سروري -وهو أستاذ جامعي لعلوم الكمبيوتر بفرنسا- كيف تقود الصدفة راويه المتماهي معه بداية، عام 2007 إلى العثور على جهاز حاسوب حديث ملقى بين القمامة، وباعتباره عالم حواسيب يهتم بالأمر ويسعى لفك شيفراته واكتشاف ملفاته، يتفاجأ بأن الجهاز يعود لصديقه القديم نادر الغريب، وهو باحث مغربي يعشق السفر، يكتشف فيه ذاته وهويته ووجوده، وكأنه يظل بصدد غزو العالم واكتشاف أسراره من خلال رحلاته المتجددة الدائمة في مشارق الأرض ومغاربها.
يصمم سروري روايته التي تدور أحداثها خلال ثلاثين ساعة فقط، على شكل حلقات متداخلة، يذكر بأحوال أجزاء من العالم، ويركز على فصول بارزة من تاريخ اليمن منذ الاستعمار إلى أزمته الراهنة مرورا بآلام الحرب والانقسام والانقلاب.
أمنيات سعيدة
كذلك يلقي بعض الضوء على واقع الاتحاد السوفياتي في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، من خلال عدد من الأحداث والشخصيات، منها السوفياتي ديمتري الذي يصل إلى باريس بناء على دعوة لتكريمه، ويقدم فيها طلب لجوء، ثم يبني حياة جديدة ويتخلى عن أسرته الروسية.
وتكون الباحثة مايا التي يتعلق بها الراوي الذي يشرف على أطروحتها، ابنة ديمتري، وكان قد تخلى عنها وهي في السادسة من عمرها، ولم يعلن لأحد في المركز أنها ابنته.
يمضي بطل الرواية بسيارته إلى البحر، كما مضى صديقه نادر بدراجته إلى مصيره، والذي يصفه بأنه ابن بطوطة تارة، وتارة أخرى بأنه حفيد سندباد، يتمنى أمنيات سعيدة لروبوته الذي كان يخدمه ويلبي له طلباته ويقوم بواجباته على أكمل وجه، يرجو أن يحظى هو وأمثاله من الروبوتات المؤنسنة بحقوقهم الكاملة التي يطالبون بها، ويبدو متشائما من مستقبل الإنسان على كوكب الأرض الذي يوسع رقعة الحروب والدمار في مختلف أرجائه.
روبوتات مؤنسنة
يتخيل صاحب “أروى” أنواعا مختلفة من الروبوتات المؤنسنة التي تحدث أنظمتها باستمرار، وتقوم بالمهام البشرية على أكمل وجه، وبدقة متناهية، وتتحلى بالوعي والإحساس، وتبدأ بالمطالبة بحقوقها. يتبدى سروري وهو يؤنسن الروبوتات كأنه ينذر من الوحشية التي يبلغها الإنسان المعاصر، أو المستقبلي، ذاك المدفوع بجنون القتل وشهوة الهيمنة والاستحواذ والحرب وجشع المال.
يحذر سروري في روايته من إفساد التكنولوجيا للحياة الإنسانية، وتخريجها أجيالا من المتواكلين البعيدين عن جوهر الإبداع، المهووسين بالجديد الذي تلفظه الشركات الكبرى عبر لعبة التسويق والإغراء وخلق نماذج بشرية متعطشة للعوالم الرقمية، وكيف أن ذلك كله يكون على حساب الصورة الواقعية والتاريخية والمستقبلية.
يتقاطع أدب الرحلة مع أدب الخيال العلمي، مع التوثيق التاريخي، مع التأريخ السيري، في بلورة العالم الروائي لدى سروري في روايته التي تشكل فيها الأحداث والتصورات المستقبلية المتخيلة دوائر متداخلة في لعبة الزمن، تراه ينتقل بشخصياته من زمن إلى آخر بسرعة، توازي الإيقاع الزمني المتسارع.
في تصريح خاص للجزيرة نت يلفت سروري إلى أن أحداث روايته التي تلتقي فيها التكنولوجيا بالميثولوجيا، والثقافة والفن بالكمبيوتر، إلى أن التنقلات الزمكانية، وحيوات مجموع شخوص الرواية، لا تبحث عن سرد التنوع الغرائبي أو التجارب العجائيبة في كوكب ثري مدهش، بل تذهب إلى منحى عكسي للمنحى التقليدي.
ويشير إلى أنها تشتغل على سرد وحدة معاناة أهل هذا الكوكب، وعلى شعار نادر الغريب، بطل الرواية “أنا الآخر”، وعلى استنطاق الحجارة والمآثر التاريخية والجمالية، وعلى الحيز الضيق الذي يؤول إليه المصير المشترك لأهل هذا الكوكب في عصر العولمة وسيادة التكنولوجيا.
وعن مآل الرواية يقر سروري أنه انهياري بالتأكيد، لكنه يرسم معالم حل مفتوح، اللجوء في نهاية الرواية للحياة في “القرية” (وادي عبْقر) التي تنتج وتعيش وتتكامل على نحو ينسجم مع إيقاع الطبيعة البدائي، بعيدا عن التعقيدات والمصالح الأنانية لقوى المال..