عربية ودولية
واشنطن بوست: أنا يهودية.. وأريد أن يقاطع الجميع إسرائيل!
يمنات
تمهيد: المقال نشرته «واشنطن بوست»، وكتبته «ربيكا فيلكوميرسون»، مدير تنفيذي في منظمة «صوت يهودي للسلام» (JVP). شاركت المنظمة في أسطول الحرية لكسر حصار غزة عام 2011، كما أنها شاركت في مؤتمر دوريان عام 2001؛ بهدف فرض عقوبات على إسرائيل باعتبارها دولة تنتهك حقوق الإنسان.
في عام 2009، كنت أعيش في تل أبيب أثناء عملية «الرصاص المصبوب» العسكرية. أثناء هذا العدوان، قتلت إسرائيل حوالي 1400 فلسطيني في غزة. وعندما أرادت قِلة منَّا الخروج للشوارع والتظاهر ضد الحرب، عادةً ما كان يتم رمينا بالبيض أو يهاجمنا المارَّة. وعندما كنت أُقِلّ أطفالي إلى روضتهم، كان الآباء يتبادلون الحديث كأن شيئًا لم يحدث، كأن حربًا ليست قائمة. عندما كانوا يسألونني ماذا يحدث، كنت أخبرهم أنني محبطة للغاية بسبب ما يحدث على مقربة 40 ميلًا منا، إلا أن ردودهم انحصرت إما في الصمت المخجل، وإما الدفاع بغضب عن أفعال إسرائيل.
كنت أود حينها أن أتمكن من اتخاذ إجراءات ملموسة لأجل نيل الفلسطينيين حريتهم وحقوقهم كاملةً. لذا، تبنيت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل «BDS». مثل تلك الجهود غير العنيفة بدأها تحالف موسَّع مكوَّن من منظمات المجتمع الفلسطيني في 2015. وكان التحالف يدعو لتضامن المجتمع الدولي مع قضيتهم حتى تخضع إسرائيل للقانون الدولي، وتنهي انتهاكاتها للحقوق الفلسطينية. لقد كان الطريق وعرًا، إذ أدان مؤخرًا حاكم ولاية نيويورك -مدينتي- حركة «بي دي إس» (حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات) من خلال إصدار أمر تنفيذي أُحادي الجانب.
بعد سبع سنوات، شنت إسرائيل هجومين أكثر ترويعًا على قطاع غزة، ففي عام 2014، قُتِل حوالي 500 طفل فلسطيني. حتى عندما لا تكون هناك حملات قصفٍ مكثفة، فإن الفلسطينيين في قطاع غزة يعيشون تحت الحصار. أما في الضفة الغربية، فقد تقلص عدد السكان فيها بشدة في ظل المصفوفة الإسرائيلية للسيطرة على المنطقة، والتي تشمل نقاط التفتيش، والاعتقال الإداري وهدم المنازل. أما في داخل إسرائيل، يعيش الفلسطينيون حاملو الجنسية الإسرائيلية في ظل منظومة قوانين وحقوق غير متكافئة. وفي خارج إسرائيل، لا يستطيع اللاجئون العودة لوطنهم.
بالطبع كانت هناك هجمات خلال تلك الفترة على المدنيين الإسرائيليين أيضًا، فقد أشار «رون هولداي»، عمدة تل أبيب -عقب أحد الهجمات مؤخرًا والتي أسفرت عن مقتل 4 يهوديين إسرائيليين- إلى أن تلك هي أعراض مروعة للاحتلال، والظلم القائم.
أؤمن أن إسرائيل لن تغير من سياساتها إلا بعد ضغط خارجي يتعذر عليها تجاهله. وتعد حركة «بي دي إس» أداةً قويةً لتشجيع الدولة على التحرك. فخلال فترة عملي مع الحركة، حققنا نجاحاتٍ متزايدة. على سبيل المثال، تجردت الكنائس من أي تعامل مع الشركات التي تحقق مكاسب من تعاملها مع الاحتلال، وقررت العشرات من الجامعات الأمريكية سحب استثماراتها في إسرائيل، فضلًا عن رفض ما يزيد على 100 فنان الأداء في إسرائيل، بالإضافة إلى انسحاب شركات متعددة الجنسيات، مثل شركة «G4S» وفيوليا «Veolia» من السوق الإسرائيلية.
خلال تلك الفترة، شهدت الولايات المتحدة الأمريكية تحولًا في الرأي العام. ففي 2015، أظهر استطلاعٌ أجراه معهد «بروكينغز» أن 49% من الديمقراطيين يدعمون فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل بسبب بناء المستوطنات. كما كشف استطلاعٌ آخر أصدره مركز «بيو» الشهر الماضي، أنه للمرة الأولى فاق تعاطف الليبراليين الديمقراطيين مع الفلسطينيين تعاطفهم مع الإسرائيليين. وفي مايو، توصلت شركة أبحاث «أبسوس» إلى أن ثلث الأمريكيين يدعمون مقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات عليها حتى تحترم حقوق الشعب الفلسطيني.
الرسم نقلًا عن موقع «بيو»، ويوضح نسب التعاطف مع الإسرائيليين والفلسطينيين في أمريكا
لكن كل جهودنا هنا في الولايات المتحدة الأمريكية تعرضت للتهديد بسبب إستراتيجية وطنية منسقة وممولة من الحكومة والمنظمات الإسرائيلية تمويلًا جيدًا. ففي العام الماضي، مررت حوالي 22 ولايةً تشريعاتٍ لمكافحة نشاط حركة «بي دي إس»، كما جَرَّمت تلك الإجراءات تعامل الولايات التجاري مع الشركات التي تدعم الحركة. وقد صَعَّد «أندرو كومو» (حاكم ولاية نيويورك) تلك الإستراتيجية لتصبح قرارًا تنفيذيًّا قاسيًا من شأنه خلق قائمة سوداء تضم الشركات والمنظمات التي تقرر عدم الاستثمار في إسرائيل، أو حتى الدفاع عن حركة «بي دي إس».
جاء قرار «كومو» التنفيذي مراوغًا للمجلس التشريعي للولاية، حيث المعارضة الداعمة لحقوق الفلسطينيين وحرية التعبير، بالإضافة إلى العديد من الأعضاء المنتمين لمنظمة «صوت يهودي للسلام»، وبالفعل نجحت المعارضة في تعطيل التشريع المناهض لحركة «بي دي إس».
«ما يحدث خطأ، وتحميل دولة عاقبة انتهاكها للقانون الدولي وحقوق الإنسان ليس تفرقةً؛ فدولة إسرائيل ليست الشعب اليهودي».
في 2009، تركت بناتي روضتهن في تل أبيب، ويدرسن الآن في المدرسة المتوسطة بـ«بروكلين». لكن إذا قررن ذات يوم العيش في إسرائيل -باعتبارهن حاملات للجنسية الإسرائيلية-، آمل أن تكون حينها مكانًا حيث يستطيع أن يعيش الناس كلهم، يهود وفلسطينيون، في ظل مساواة وحرية. أؤمن بأن حركة «بي دي إس» هي أفضل أداة لدينا الآن لجعل تلك الرؤية واقعًا ملموسًا. كما أننا سنعيد النظر في محاولة استصدار تشريعٍ ضد الحركة باعتباره محاولةً بائسة أخيرة لتحصين إسرائيل من الضغط الدولي لتغير سياستها. فـ«كومو» يقف في الجانب الخاطئ من التاريخ.
المصدر: ساسة بوست