أصبح من المؤكد أن حكومة هادي لن تعود إلى الكويت لمواصلة مباحثات السلام، وأن عقدة الشرعية تهدد هذه المباحثات بالفشل.
خلال لقائه المبعوث الدولي الخاص باليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، كرر الرئيس عبد ربه منصور هادي مطالبته بالحصول على التزام خطي من انصار الله وأتباع الرئيس السابق بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216، رغم التزامهم سابقا بذلك في رسالة وُجهت إلى الأمم المتحدة. كما كرر هادي رفضه خريطة الطريق المقترحة من المبعوث الدولي؛ ما يعني أن مباحثات السلام المقرر استئنافها الجمعة المقبلة لن تعقد في هذا الموعد.
وعلى الرغم من أن الشروط الجديدة-القديمة لحكومة هادي لا تشكل أي تغير في الموقف الحكومي، فإنها تعكس حجم القلق الذي ينتاب الرئيس هادي وأعضاء حكومته من مغادرتهم السلطة، بعد أن شعروا بأن المجتمع الدولي مستعد لمنحهم مهلة لا تزيد على ثلاثة أشهر قبل تسليم السلطة لحكومة انتقالية تشكل من الاطراف كافة، وتتولى التحضير لانتخابات عامة تنهي الصراع على الحكم، وهي تؤكد أن الرجل لا يريد مغادرة السلطة، ولا يقبل مناقشته ذلك.
ومع أن وفد حكومة هادي التزم خطيا للأمم المتحدة والخارجية الكويتية بالعودة إلى مباحثات السلام، فإن مناقشة مجلس الأمن مسودة بيان يدعم الخريطة المقترحة من المبعوث الدولي أشعل غضب الرئيس اليمني، الذي خرج مهدداً باستمرار القتال إذا تبنى مجلس الأمن ذلك المشروع، الذي يدعو إلى تشكيل حكومة شراكة جديدة بالتزامن، وتشكيل لجنة عسكرية تتولى الإشراف على تأمين المدن وانسحاب المسلحين وتجميع الأسلحة.
وبما أن انصار الله واتباع الرئيس السابق يرون ومعهم عدد من الدول العربية أن مطالب الجانب الحكومي أشبه بشروط استسلام، فليس من المتوقع أن يحصل المبعوث الدولي على أي تنازلات إضافية خلال زيارته المرتقبة إلى صنعاء، لأنه لم يعد لدى هؤلاء ما يمكن تقديمه وفق مراقبين إذا التزموا بقرار مجلس الأمن والمبادرة الخليجية ومقررات مؤتمر الحوار الوطني، وقبلوا بالانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة؛ لكنهم يرفضون تسليم هذه الاسلحة إلى الطرف الذي يقاتلهم. ولهذا اقترحوا تشكيل حكومة شراكة وطنية تتولى هذه المهمة وتحضر لانتخابات عامة.
وإذا كان مؤكدا أن اللجوء إلى الحسم العسكري أصبح مستحيلا ليس لأن عاما ونصف عام من القتال لم يؤد إلى هزيمة الحوثيين رغم فارق التسليح مقارنةً بالجانب السعودي والدول الداعمة له، بل ولأن المجتمع الدولي يرفض استمرار القتال. ومن الواضح أن الرياض لم تعد تفضل استمرار الحرب، وتريد أن تكون راعية للمصالحة اليمنية واحتواء الحوثيين لإبعادهم عن إيران خصمتها اللدود في المنطقة، وبسبب تنامي التنظيمات الإرهابية في اليمن.
وفي ظل هذه المواقف، فإن ما هو مؤكد أن مباحثات السلام لن تعقد في موعدها، وأنها ستمر بمخاض جديد قبل الانصياع للحل السياسي. بيد أن تدهور الوضع الاقتصادي وعجز البنك المركزي الخاضع لسيطرة الحوثيين عن دفع مرتبات الموظفين الحكوميين،والزيادة المخيفة في عدد الفقراء وانتشار المجاعة.. كل ذلك سيفاقم من معاناة ملايين اليمنيين، الذين لا يأبه السياسيون لحالهم، وسيمدَّد عمر هذه المأساة، وسيجد المجتمع الدولي والإقليمي نفسه أمام أزمة إنسانية غير مسبوقة، مدفوعة بتنامي قوة الجماعات الإرهابية،وقد لا يفيق إلا وقد سقطت الدولة اليمنية في يد الجماعات المسلحة وأمراء الحروب.
وبما أن السعودية هي التي تقود التحالف المناهض لأنصار الله، فإن المملكة ستكون صاحبة الفعل في تحديد مسار الأزمة اليمنية، إما من خلال الدفع باستمرار القتال وتشجيع القوات الموالية للرئيس هادي و”حزب الإصلاح” للتقدم نحو صنعاء، بما لذلك من مخاطر وكلفة باهظة، أو بالضغط على الحكومة المقيمة في الرياض من أجل القبول بالتسوية المقترحة من الأمم المتحدة بعد أن أثبت السياسيون اليمنيون أن تقاسم السلطة أو الاحتفاظ بها هو الشيء المقدس لديهم، وما عداه يمكن مناقشته.