هناك ثلاث دلالات رئيسية لإفشال فيتالي تشيرنينكن المندوب الروسي في مجلس الامن، مشروع البيان الرئاسي الذي صاغته بريطانيا بشأن مفاوضات السلام اليمنية في الكويت خلال جلسة مجلس الامن المغلقة في الـ 3 من أغسطس الجاري وهى:
-الدلالة الأولى: تحول جوهري في التعاطي الروسي مع الملف اليمني:
-يعتبر موقف المندوب الروسي في حد ذاته تحولا كبيرا طرأ في موقف موسكو وطريقة تعاطيها مع الملف اليمني، بعد ان ظل منذ بدء العدوان السعودي على اليمن على مسافة قريبة من مواقف الولايات المتحدة وحلفائها وكان طيلة الازمة يقبع في خانة الحياد او يحوم بالقرب منها، ويحرص على عدم المواجهة قدر الامكان معها ،ولاشك ان هذا التحول سيؤثر بدرجة ما في مسار الازمة اليمنية في الفترة المقبلة.
-فرغم تقليل البعض من أهمية الموقف الروسي على اعتبار ان ما تم اجهاضه كان مجرد بيان رئاسي غير ملزم ،وهو امر صحيح الى حد ما ،لكن الامر المهم هنا ان انتقاد المندوب الروسي لولد الشيخ ومغادرته قاعة الاجتماع غاضبا، كان لمجرد الخلاف حول بيان رئاسي غير ملزم، يكشف عن ترك موسكو سياسة المهادنة والتفاهم مع القوى الأخرى في الملف اليمني وانتقالها بشكل صريح الى صف الطرف الاخر .
-الدلالة الثانية: اضعاف ولد الشيخ، وترحيل الحل السياسي للازمة الى اجل غير معروف:
-لعل النتيجة المباشرة لإجهاض البيان الرئاسي، هي مزيدا من اضعاف ولد الشيخ وتعقيد مهمته المعقدة أصلا، وذلك جراء انتهاء وحدة الموقف الدولي من الازمة ،وتراجع دعم مجلس الامن له شخصيا خاصة انه كان يتحدث باستمرار عن وحدة الموقف الدولي كأهم عوامل نجاح مهمته، علاوة على ان لجوئه المستمر الى سفراء مجموعة ال 18 الراعية للتسوية السياسية باليمن ،لمساعدته لتجاوز العراقيل التي تظهر خلال جلسات التفاوض، لن تكون متاحة بذات الفعالية والديناميكية التي كان عليها الوضع خلال الأشهر الماضية ،على اعتبار ان روسيا أحد الأعضاء الرئيسيين في مجموعة ال 18،والخلافات ستنتقل الى صفوف اعضائها.
-كما لا يستبعد مع حدة انتقاد المندوب الروسي لشخص ولد الشيخ ،ان تكون مهمته كمبعوث اممي قد شارفت على النهاية خاصة مع كشف فضائية الحدث في تقريرها عن توجيه المندوب الروسي انتقادا لاذعا لولد الشيخ بشأن مشروعه المقدم في مفاوضات الكويت،في حين ذكرت مواقع اخرى ان تشيرنينكن وصف ولد الشيخ بانه شخص منحاز لمصالحه الأنانية ولايمثل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ،ولا ننسى هنا ان جوهر البيان الذي اجهضته روسيا كان دعوة للتعاون مع جهود المبعوث الدولي، بمعنى ان موسكو لم تعد تدعم التعاون مع ولد الشيخ.
-وفي حال انتهاء مفاوضات الكويت الاحد المقبل، دون اية نتيجة، فمن غير المستبعد ان تطالب موسكو بتغيير ولد الشيخ وتعيين مبعوث جديد الى اليمن سيما مع وصول امين عام جديد خلفا لبان كي مون خلال الأسابيع المقبلة ،وهذا الامر قد يستغرق وقتا ،كما انه يؤجل احتمال الحل السلمي للازمة اليمنية الى مرحلة لاحقة غير محددة، ويعيد الرهان في الأسابيع المقبلة على الخيار العسكري الا اذا حدثت مفاجئة غير متوقعة من قبل احد اطراف الصراع المنهكة والتململ الذي بات يشعر به الجميع من طول فترة الحرب.
-كما يمثل الموقف الروسي في مجلس الامن ،دافعا لوفد صنعاء للتمسك بموقفه الرافض لمقترح ولد الشيخ دون أي قلق من أي تبعات دولية جديدة لذلك خاصة ان موقف موسكو بات واضحا انه مع الحل الشامل وعدم اقتصاره على جانبه الأمني والعسكري ،ومن ثم بات في حكم المستحيل صدور أي موقف دولي جديد في الملف اليمني ينحاز للرياض وحلفائها، ومع مرور الوقت ستتعزز قناعة الدول بعدم جدوى القرار 2216 للحل السلمي في اليمن او على الأقل ضرورة اجراء تعديل في بنوده التي تجعل من المستحيل على الحوثيين والرئيس السابق القبول به.
-يعزز من ذلك تحفظ موسكو السابق على القرار 2216، ورغم ما قيل من انهاء موسكو تحفظها على القرار عبر رسالة وجهتها لحكومة هادي ،الا ان ذلك لايغير من حقيقة الموقف الروسي الرسمي من القرار كون الرسالة الروسية كان يفترض ان توجه الى مجلس الامن أصلا، علاوة على تصريحات سابقة لمسئولين روس اعتبروا فيها القرار 2216 غير صالح للتسوية السياسية.
-صحيح ان الموقف الروسي في الملف اليمني يتأثر سلبا وايجابا بالتطورات الحاصلة في الملف السوري وبطبيعة العلاقة ومستوى التفاهم والخلاف الحاصل مع القوى الأخرى ،ومن ثم يفترض على صنعاء عدم المراهنة كثيرا على الموقف الروسي ،لكن موسكو لاتطلب الكثير بالنسبة لموقفها من الازمة اليمنية ،فهى تدعم حل شامل وليس جزئي للازمة ولاتطالب علنا بقرار دولي بديل عن 2216،ما يعني انه مهما حصل من تطورات في الملف السوري ،فأن الموقف الروسي في الملف اليمني لن يتراجع عن سقفه الحالي المتدني اصلا ،في حين ان المؤشرات الأخيرة تفتح المجال امام ارتفاعه مستقبلا .
-الدلالة الثالثة: انفتاح روسي على صنعاء
– كانت احدى النقاط المثيرة للاهتمام ، رفض المندوب الروسي لفقرة تم اضافتها في مشروع البيان الرئاسي، تندد بإعلان الحوثيين والرئيس السابق المجلس السياسي الأعلى، وتبرير المندوب للخطوة على انها ردا على تصعيد هادي ،ولخلو مقترح ولد الشيخ من الجانب السياسي لحل الازمة، وهو ما يكشف عن رفض روسي لمواقف هادي بل والتلميح الى انه أصبح عقبة امام تحقيق السلام.
-كما يكشف عن انفتاح روسي على الحوثيين والرئيس السابق، فرفض روسيا لأي تحرك في مجلس الامن للتنديد بالمجلس السياسي الأعلى، أوحى برغبة وإمكانية تعامل موسكو ودول أخرى مع المجلس الجديد في حال تشكله سيما اذا ما تم إضفاء شرعية عليه من قبل مجلس النواب .
-في حال اختارت موسكو التعامل مباشرة ودعم المجلس السياسي الجديد، فان الامر قد لايتوقف عند مسألة الدعم السياسي خاصة ان ذلك قد يكون سببا جديدا امام تصاعد حدة الخلاف والتباين بين موسكو والقوى الأخرى ، والذي بدوره قد يدفع موسكو الى تقديم الدعم العسكري والمخابراتي لصنعاء وبصورة مقاربة لموقفها في سوريا ،وفي كل الأحوال يبدو ان اليمن تجنح نحو السيناريو السوري بكثير من تفاصيله الدامية، فهل تتدارك الحكمة اليمنية الجريحة الامر قبل فوات الأوان وخروج الوضع عن السيطرة تماما هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة!!.