كنا قد قطعنا شوطا كبيرا في مسار تطور بلادنا نحو تأسيس الدولة ونحو تشكل مراكز حضرية نسبيا في مظاهرها المدنية واصبح التطلع نحو دولة مدنية حتى بأقل مظاهرها ومؤسساتها لكن الواقع المعاش وقد كشف عن طبيعته المسحوبة تاريخيا وفق بداوة في التفكير والرؤى والممارسات. الامر الذي اوقف عجلة التطور والتغيير واعاد انتاج شكل ماضوي في مظاهره التي تنتمي الى ما قبل الدولة و ما قبل المواطنة.
و حتى التنظيمات التي اعتبرناها حديثة كالأحزاب وغيرها ، لعبت دور اساسي في اعاقة التغيير وتعلقها بالبنى التقليدية.
و هنا كنا ازاء حداثة شكلانية في مظاهرها وبنية اجتماعية عتيقة لم يتغلغل التحديث والتغيير نحو اسسها ومنظوماتها الثقافية بل اظهرت الحداثة زمر وجماعات انتهازية تتحول في مواقفها ومواقعها وفق الية المنح والعطاء من الداخل والخارج.
كنا نرغب في رفع سماء الدولة وقوتها ، وكان الاخرون يرفعون سماء القبيلة وتقاليدها .. كنا نتجه نحو المدنية ثقافة وسلوكا وخطابا وكان الاخرون يتجهون نحو انتاج البداوة ثقافة وسلوكا..
بشكل عام يمكن القول أن الازمة اليوم في بلادنا هي ازمة بنيوية تشمل كل مكونات المجتمع ومؤسساته الحديثة والتقليدية واصابته باهتزاز منظومته الثقافية والسلوكية وبازدواجية الخطاب والممارسة ومنحت الخارج صوتا مقررا في الشأن الداخلي ، وتحول العمل السياسي من بناء مؤسسات دولة وطنية الى اعتماد المحاصصة بين فرقاء لامجال معهم للتفكير في وطن ودولة ، بل في غنيمة يتم تقاسمها.