تتعقّد أزمة اليمن يوماً بعد آخر، وتتعقّد معها مواقف الأطراف الإقليمية والدولية، التي صارت حساباتها، في غير ساحة وملفّ، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحسم المعركة في هذا البلد.
في اليمن، تحضر إيران والسعودية والإمارات وأمريكا وروسيا، كلّ بأساليبه وأدواته وضغوطه وأسلحته المختلفة. حضور يجعل تسوية الحرب، المندلعة منذ ما يقرب عاماً ونصف العام، متوقّفة على ما يتطلّع إليه كلّ طرف في المديين القريب والبعيد.
يعتقد الناشط السياسي، الدكتور أكرم عبد القادر سعيد، أن “إيران تريد أن تسيطر على اليمن حتّى تسيطر على الخليج والسعودية، اليمن بالنسبة لها حديقة خلفية لا تريد أن تفقدها، والسعودية إن لم تنتصر في هذه الحرب سينهزم الخليج كلّه. أمّا روسيا لينين وليس روسيا بوتين، فكانت نظرة روسيا هي تحرير الشعوب، وأمّا الآن النظرة الروسية البوتينية نظرة عرقية، والقرم أكبر دليل”.
ويلفت سعيد، في تصريح لـ”العربي”، إلى أنّه “بغضّ النظر من ينتصر من هؤلاء الأطراف، الشعب اليمني هو الخسران”، رافضاً “مقولة المؤامرة الخارجية”، ومعتبراً أن “اليمنيّين هم أنفسهم من ضيّعوا البوصلة، والمؤامرة الخارجية لا يمكن لها أن تنجح لو لم يكن لها متآمرون في الداخل”.
الموقف الروسي المستجدّ
ويرى مراقبون أن مسار المواقف الإقليمية والدولية، إزاء الأزمة في اليمن، يشي بأن العالم تخلّى عن جوهر المشكلة، وتفرّغ لحساباته ومصالحه. ويتوقّف هؤلاء عند الموقف الروسي الأخير في مجلس الأمن الدولي، والذي عرقل إصدار بيان يدعو “أنصار الله” و”المؤتمر الشعبي العام” إلى إلغاء المجلس السياسي الذي تمّ الإعلان عنه مؤخّراً، مشدّداً على ضرورة أن تكون دعوة التهدئة لجميع الأطراف، لا لطرف واحد دون سواه.
هذا الموقف أوحى بنية موسكو الدخول بقوّة على خطّ الأزمة اليمنية، بعدما كان حضورها الطاغي، في الساحات الإقليمية المشتعلة، مقصوراً على سوريا.
ويرى الأستاذ في العلاقات الدولية، نبيل الشرجبي، أنّه “في ظلّ الصراع الدولي الجديد، وعدم وجود أيّ تقارب ولو بسيط في مواقف الأطراف الدولية والإقليمية بشأن الملفّ السوري، وكذا القمّة الأطلسية الأخيرة التي عقدت في بولندا، وخرجت بالعديد من القرارات ضدّ روسيا، فإنّه كان لازماً على روسيا ان تبدأ في البحث عن ملفّات أخرى، تتمكّن من خلالها من ممارسة ضغوط على الأطراف الأخرى”.
و يتابع الشرجبي، في تصريح لـ”العربي”، أنّه “وبما أن الملفّ اليمني هو أحد هذه الملفّات، فإن روسيا لن تترك هذا الملفّ دون أن تحقّق بعض الانتصارات فيه، وهي قادرة على ذلك لأكثر من سبب. الأوّل فاعلية الأطراف الانقلابية في أماكن سيطرتها، وثانياً تردّد أمريكا في اتّخاذ قرار نهائي بشأن المعركة العسكرية، بل عدم اتّخاذ قرار نهائي، وثالثاً انشغال كلّ من الولايات المتّحدة بالانتخابات، وهو ما يعني جمود التحرّك الخارجي وانشغال أوروبّا بموضوع الإرهاب”.
و بشأن آثار الموقف الروسي الجديد، يعتقد الشرجبي أن “هذا الموقف سوف يعمل على مزيد من التشدّد لدى الانقلابيّين وبصورة كبيرة، ولن ينتهي هذا التشدّد إلّا بحالتين، إمّا بحسم عسكري وإمّا تراجع روسي أو أن الشرعية تقدم على تنازل يوافق عليه الحوثيّون”.
تقاطع المصالح
ويعتبر رئيس قسم الصحافة في جامعة صنعاء سابقاً، الدكتور عبد الملك الدناني، من جهته، أن “العالم كان هو السبب في إيجاد الحرب في اليمن، وعليه فهو المسؤول اليوم عن إنهائها، والمسألة ترتبط بالمصالح المتّبعة لدى كثير من الدول اللاعبة في المشهد”، مضيفاً أن “تقاطع المواقف الإقليمية والدولية تظل عاملاً رئيساً في التحكّم بملفّ اليمن، وبمسار حسمه ، المصالح هو العنصر الذي تعتمد عليه الدول في إصدار المواقف هنا وهناك”.
و يوضح الدناني، لـ”العربي”، أن “ما صار يجمع عليه كثيرون بشأن روسيا، وهو ما يبدو واضحاً للعيان، هو البحث عن مقايضة ملفّ بملفّ، وموقف مقابل موقف، وضغط مقابل آخر”.
يوافق على ذلك، أيضاً، الناشط السياسي، وضاح الجليل، الذي يعدّ “الموقف الروسي مرتبطاً بابتزاز أو مساومة حول قضايا أخرى تخصّ مصالح روسيا، ووضعها الاستراتيجي”، متباعداً، في حديث إلى “العربي”، “أنّنا لاحظنا في عدد من القرارات والمواقف أن روسيا ساومت من أجل موقف في مجلس الأمن قبل صدور القرار 2216 الخاصّ باليمن، لكنّها في الأخير اتّخذت قراراً بالسماح بمرور القرار، طالما والأمر يتماشى مع القانون الدولي، من ناحية كون المليشيات الإنقلابية في وضع لا يتيح لها الحصول على أيّ دعم سياسي أو قانوني واضح، وهذا لا يمنع بالطبع حصولها على هذا الدعم خلف الكواليس”.
موقف إيجابي
في المقابل، يرى البعض من المراقبين والمهتمّين بهذا الشأن موقف روسيا إيجابيّاً، وداعماً للسلام في اليمن، معربين عن اعتقادهم بأن “العيب هو في الداخل ومواقف الأطراف اليمنية، وليس في الجانب الدولي الذي عادة ما يكون مسانداً ومكمّلاً لما يطمح إليه السياسيّون في أيّ بلد”.
في هذا السياق، يقول الكاتب الصحافي، علي أبو لحوم، إن “اهتمام العالم بما يدور في اليمن ليس بالضرورة أن يكون له مردود سلبي، بل بالعكس هو ظاهرة صحّية تصبّ في مصلحة كلّ اليمنيّين”.
ويضيف أنّه “لا تعجبني نظرية المؤامرة التي تحاصر الشرق والغرب في زاوية المتربّص والإنتهازي، مع أن كلّ المتربّصين هم ساسة الداخل، والدليل المشاورات عقيمة النتائج”.
و يوضح أبو لحوم، في تصريح لـ”العربي”، أن “اهتمام العالم، بما فيه الروس، بالوصول إلى حلول بالطرق السلمية لا بالحسم العسكري الذي فقط ينادي به خصوم الداخل، هو أكبر دليل على حسن النوايا. لا ألبسهم هنا رداء الملائكة، وقد تكون لهم مصالح متقاطعة مع مصالح اليمنيّين أنفسهم، وعلى رأسها الممرّ البحري الدولي. لكن على الأقلّ، أنّهم يحرصون على مساحة المصالح التي يشترك فيها الشعب اليمني، مع أن الخسارة في حال عدم التوصّل إلى اتفاق تذهب في خانة اليمنيّين”.
و يعتبر أن “هذه الظاهرة ستتحوّل إلى غير صحّية في حال اقتنع العالم بعدم جدوى التدخّل الإيجابي في اليمن، وتركه يذهب لاستنساخ التجربة الصومالية والأفغانية أو ما تسمّى بالدول الفاشلة”، متسائلاً “هل سمعتم عن وفد أممي ذهب إلى الصومال لرسم خارطة طريق للمتصارعين منذ عام 1995”.
في كلّ الأحوال، تظلّ المواقف الإقليمية والدولية عاملاً رئيساً في التحكّم بملفّ اليمن، وبمسار حسمه. ترتبط بموقع هذا البلد الإستراتيجي، وتوفّره على مصالح عالمية حيوية، وتأثير أيّ تطوّر فيه على الأمن الدولي وحسابات أخرى. من هنا، يتوقّع كثيرون استمرار الإضطرابات في اليمن إلى أن تجري تحوّلات حاسمة على مستوى الصراعات الإقليمية، وتتغيّر الحسابات الدولية، أو أن يتراجع اليمنيّون عن مواقفهم المتصلّبة، ويقدّموا التنازلات لصالح بلدهم.