حصري – محمد المقالح يكتب لـ”صالح” من سجنه عام 2008 عن تدحرج الحرب باتجاه الحروب ذات الطابع المذهبي (1-4)
يمنات – خاص
الجزء الاول (حيثيات الرسالة وتدحرج الحرب باتجاه الحروب ذات الطابع المذهبي )
محمد محمد المقالح
نص الرسالة التي كتبتها الى الرئيس صالح من سجني في الاحتياط عام “2008م” حول حروب صعدة يعاد نشرها مشاركة بين صفحتي على الفيس بوك وموقع يمنات الاخباري على ثلاثة اجزاء وهنا الجزء الاول من الرسالة
توضيح
اثناء الحرب الخامسة عام 2008م وابان وجودي في سجن الاحتياط متهما بتهمة اهانة القاضي محسن علوان في احدى جلسات محاكمة الزميل عبد الكريم الخيواني واخرين فيما عرف بخلية صنعاء الثانية قررت ان اكتب رسالة الى رئيس الجمهورية أبين فيها طبيعة حروب صعدة ومخاطرها وضرورة وقفها لما لها من نتائج وخيمة على امن واستقرار البلاد وبالفعل بدأت بكتابة الرسالة وكدت ان استكملها في السجن وابعثها الى الرئس من هناك ولكن حدث ان افرج عني بحكم قضائي جائر وما هي الا ايام وتوقفت حرب صعدة الخامسة بقرار من الرئيس في 17يوليو 2008م وبالتالي لم يكن هنالك حاجة لإرسال الرسالة رغم إنني اكملتها وطبعتها بعد خروجي مباشرة من السجن .
واليوم وبعد تجدد الحرب (1)في صعدة واماكن اخرى من اليمن وفي لحظة تزهق فيها الارواح وتسيل فيها الدماء الزكية لمئات اليمنيين من طرفي القتال وممن لا علاقة لهم بهما ،قررت نشر الرسالة عبر “موقع الاشتراكي نت” (2)بدلا من ارسالها عبر البريد الى الاخ الرئيس لشعوري المتعاظم اليوم ان المسالة لم تعد في ان الرئيس بحاجة الى من يبين له مخاطر حرب صعدة في رسالة من هذا النوع بقدر ما هو بحاجة الى قول الحقيقة كما هي حتى ولو كانت مرة ومن يدري فقد يستفيد الاخ الرئيس ومن بيدهم قرار الحرب والسلم في البلاد من الافكار والاراء التي لا ازال اعتقد بصحتها وابمكانية انطباق معانيها ودلالاتها على الحرب الجارية الان ، مع ملاحظة انني لم اتدخل في تعديل هذه الرسالة منذ ان اكملت كتابتها قبل سنة تقريبا وعلى وجه التحديد نهاية يونيو2008م
محمد محمد المقالح
نص الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ رئيس الجمهورية المشير علي عبد الله صالح المحترم
تحية تقدير واحترام وبعد:
إن الأوضاع الخطيرة والمأساوية التي تعيشها بلادنا الحبيبة اليمن في ظل استمرار الحرب في صعدة وأماكن أخرى من البلاد، وما خلفته وتخلفه ،من مئات القتلى، وآلاف الجرحى، وعشرات الآلاف من النازحين والمشردين والمحاصرين ، والمعطلة مصالحهم ومعاشاتهم ،ومن دمار رهيب طال القرى والمدن والمزارع والمنشئات العامة والخاصة، وما خلقته وتخلقه هذه الحرب كل يوم من تعميق للجرح الوطني ،وتمزيق لنسيج المجتمع، ومن إعلاء لشان الموت والقتل ،والجماعات المسلحة ،والإرهابية ،وأمراء الحرب على حساب مكانة الدولة والنظام الديمقراطي ومكانة المؤسسات الوطنية المختلفة وعلى رأسها مؤسسات الرئاسة والحكومة والبرلمان والسلطات المحلية ومؤسستي الجيش والأمن الوطني وغيرها، والأخطر من كل ذلك هو أن هذه الحرب المجنونة تتجه يوما بعد يوم،وبسبب ما تفرضه طبيعتها وطبيعة أطرافها،وتطوراتها على المستوى الميداني والإنساني والأخلاقي إلى أن تنحو منحى الحروب ذات الطبيعة الأهلية والمذهبية بدلا من أن تكون حرب بين الدولة والخارجين عليها كما يفترض أو كما هو مطروح إعلاميا وسياسيا الأمر الذي يجعلها حرب لا نهاية لماسيها ولا تحركها سوى غريزة الثار والانتقام ..حرب من اجل الحرب والقتل والتدمير، وكلما أوغلنا فيها أكثر، كلما ارتكبنا فيها جرائم اكبر حتى نغرق ونغرق بلادنا ومجتمعنا فيها وفي دمائها وآلامها وأحزانها العميقة،…،..الخ
…هذه وغيرها من تداعيات ونتائج الحرب الخطيرة في صعدة وأماكن أخرى من البلاد، هي التي فرضت علي كمواطن يمني بسيط ولكن يحب بلده ويخاف عليها بأن أتنازل عن شيء من كبريائي الشخصية كمعارض لسياستكم وان أتوجه إليكم كرئيس للجمهورية اليمنية وكمواطن يمني، يحب بلده ويخاف عليها، ومسئول عنها أيضا،…. أتوجه إليكم بهذه الرسالة الخاصة وغير المخصصة للنشر …. أخاطبكم فيها بلغة لم اعتد عليها من قبل اقصد أخاطبكم مناشدا وناصحا وراجيا ومتوسلا وبكل صدق وإخلاص ووضوح أن تبادر يا سيادة الرئيس إلى إيقاف هذه الحرب العبثية فورا ،وأن تعود وبأسرع وقت ممكن إلى الحل السلمي لمشكلة صعدة، على أساس من اتفاقية الدوحة نوفمبر2007م وإعلان دول الاتحاد الأوربي مايو 2008م ليس باعتبار اتفاقية الدوحة هي جزء أصيل من انجازاتكم الوطنية -جاءت لتصحيح خطأ كبير- رغم كل ما قاله ويقوله عنها مصاصي الدماء ودعاة الحرب والجريمة بقصد إضعافها في وعيكم وفي وعي الناس ،بل ولان طرفي الحرب لا يزالان متمسكان بها وببنودها المختلفة من ناحية، وباعتبار أن هذه الاتفاقية وهذا الإعلان وبقية النصايح والتنبيهات المحلية والإقليمية والدولية الداعية إلى وقف الحرب ومعالجة أثارها والإمساك بأسبابها وجذورها – من ناحية أخرى -هي صوت العقل والحكمة التي نحتاجها جميعا وتحتاجها بلادنا اليوم وقبل فوات الأوان. .
حيثيات الرسالة ودوافعها وأهدافها
الأخ الرئيس لقد ولدت فكرة هذه الرسالة في راسي وعلى الورق ،وأنا في حبس الاحتياط وحين كانت الأخبار التي تصلني من الصحف ومن أحاديث الناس عن تداعيات وتطورات الحرب على الميدان وفي وعي ووجدان اليمنيين ، تخلق في نفسي مشاعر مضطربة من الحزن والقهر والشعور بالعجز وعدم القدرة على عمل أي شيء لإيقاف هذا الدمار من ناحية، ومشاعر القلق والخوف من إمكانية استمرار الحرب وانغماس الجميع فيها وفي جرائمها دون أن يسال احدنا لماذاّ؟ والى أين!؟ من ناحية أخرى
لقد كان أكثر ما يقلقني ويثير في نفسي مشاعر الخوف على نفسي وأهلي وبلدي هو هذا الصمت المرعب من قبل الأحزاب والشخصيات الوطنية والاجتماعية التي تتعامل مع الحرب وتطوراتها الخطيرة وكأنها لا تعنيها بل إن كثير من الآراء والمواقف والتصرفات كانت توحي لي، وكأن الجميع (سلطة ومعارضة ومجتمع مدني)متواطئون ضد أنفسهم ويتنافسون في تدمير بلدهم … وكنت ولا أزال أتساءل حائرا، “…الم يعد فينا نحن اليمنيون من رجل رشيد” ألا يوجد من يسعى مخلصا لدى الرئيس ولدى الحوثيين ولدى غيرهما من الأطراف المعنية في الدولة والمجتمع لإيقاف هذه الكارثة،التي تتدحرج فوق رؤوسنا و أكاد شخصيا،أن اصطدم بها والمسها بأصابعي الخمس !؟
وأمام هذا كله وبعد تردد طويل وتفكير عميق قررت أن أقوم بواجبي أنا كمواطن فرد تجاه هذه الحرب بدلا من البقاء منتظرا وحائرا لما يجب أن يقوم به الآخرون ،وقد رأيت أن الرسالة الخاصة وغير المخصصة للنشر هي الأنسب في مثل هذه الحالات ومن يدري فقد تكون الأقرب إلى القلب والوجدان الإنساني ، وكانت الفكرة أن ابعث بثلاث رسائل أحدها إلى الأخ رئيس الجمهورية والثانية لعبد الملك الحوثي والثالثة لأحزاب اللقاء المشترك، وفي كل واحدة منها اشرح موقفي من الحرب أولا ،وما اعتقده مسؤولية كل طرف من هذه الأطراف الثلاثة في الحرب أو في استمرارها على الأقل ثانيا، وبالنسبة للرسالة الخاصة برئيس الجمهورية فقد انطلقت فيها على أساس من العوامل والأسباب التالية:-
أولا: مسئولية الرئيس وامتلاكه لقرار الحرب والسلام
– يعود السبب الأول لتوجهي بهذه الرسالة (النداء) هو اعتقادي بأن قرار الحرب والسلم في صعدة وفي غيرها من مناطق اليمن الحبيب لا يزال بيد رئيس الجمهورية ولا يزال وحدة المسئول عنها،والقادر على اتخاذ قرار سلمها الشجاع ، هذا هو رأيي وهذه هي قناعتي اليقينية في الرئيس وفي امتلاكه لقرار الحرب والسلم في صعدة ،…أقول هذا رغم أنني اعرف أيضا بان هذه الحرب القذرة قد خلفت جروحا وآلاما عميقة لدى الرئيس ولدى أركان قيادته مثل ما هوى الحال لدى بقية الأطراف ولدى المجتمع أيضا،ولكن هذا بالنسبة لي عامل إضافي يؤكد أهمية الرسالة على اعتبار أن استمرار الحرب لا يشفي الجراح أو يخفف الآلام بل يعمقها ويجعلها اقرب إلى المأساة الإنسانية منها إلى الحزن أو الألم الشخصي .
ومع التسليم بوجود تباينات داخل السلطة حول ضرورة استمرار الحرب من عدمه ،إلا أنني اعتبرها طبيعية من ناحية، وان كنت – من ناحية أخرى – لا اعتقد بأنها حاسمة في تحديد موقف الرئيس من الحرب خصوصا وان بعض الحديث عن شخصيات ترفض الحرب أو ترفض إيقافها ليست سوى إشاعات وتسريبات متعمدة يروجها البعض لتلميع نفسه ولدوره السياسي وكمحاولة منه لإخلاء مسؤوليته في الحرب والتخلص من تبعاتها ،وفي كل الأحوال فان هولاء -إن وجدوا- فلن يكونوا سوى احد صنفين ،الأول يقف متشددا من الحرب لأنه يعتقد أن الرئيس مع هذا الموقف ،وهم الغالبية العظمي من الناس المعارضين، ولو أنهم سمعوا بأن الرئيس ضد الحرب لوجدتهم من اكبر المتحمسين لوقفها ، أما الصنف الثاني فهم المؤدجلين والمذهبيين من ناحية ،وتجار الحروب ومن يستفيدون منها وعلى حساب دمائها وأشلائها داخل وخارج السلطة من ناحية أخرى ،ومن وجهة نظري فان جميع هولا وان كانوا مع الحرب ومن المبررين لمواصلتها بأي ثمن إلا أنهم لن يتجرءوا على معارضة قرار وقفها إذا ما قرر الرئيس اتخاذه بشجاعة وبوضوح وجدية ،وحتى إذا ما ركبوا رؤوسهم وقرروا أن يعارضوا السلام فلن يكون لهم تأثير كبير إذا ما اتخذ قرار السلام بجدية ومثل التوجه العام للدولة والمجتمع .
..وفي كل الأحوال فان الكثير من هولاء المتاجرون بالحروب الاهلبة والمزايدون بدماء الناس وكراماتهم ومن يدفعون إلى مزيد من المجازر والفضاعات اليوم هم أول من سيحمل الرئيس تحديدا تبعات ومسؤوليات الحرب ونتائجها إذا حانت لحظة الحساب والمساءلة فهذه هي عقيدة المزايدين والانتهازيين في كل زمان ومكان، ولعل هذه الحقائق هي احد العوامل الحاسمة في قراري لتوجيه رسالة شخصية إليكم أطالبكم فيها بإيقاف الحرب فورا وعدم الاستماع لمثل هذه الأصوات الناعقة بالخراب وهي بالمناسبة موجودة في كل الأطراف وليست حكرا على طرف دون آخر.
ثانيا: طبيعة الحرب وتدحرجها نحو الحروب ذات الطابع الأهلي والمذهبي
الأخ الرئيس … إن خطورة حروب صعدة عموما وحربها الخامسة خصوصا تأتي من كونها تكتسب كل يوم طابع الحروب الأهلية من ناحية والحروب الدينية من ناحية أخرى، الأمر الذي يجعل من الصعوبة جدا حسم الحرب ميدانيا لصالح احد الطرفين ، وإذا ما حصل فبعد وقت طويل وبتكاليف باهظة جدا مخصومة من أمن واستقرار البلاد ومن وحدة الهوية الوطنية وتماسك النسيج الاجتماعي والسلام الأهلي بين أبناء المجتمع الواحد والى درجة يتمنى الطرف “المنتصر” مجازا، انه لم يحسم المعركة ولم يفكر في دخولها أصلا نظرا لكلفتها الباهظة عليه وعلى الوطن ودولته ومؤسساته والسلام بين سكانه.
إن حرب صعدة المؤسفة يا سيادة الرئيس قد تأخذ طابع الحروب الأهلية ليس فقط بسبب أن الدولة قد شنت حربا واسعة النطاق استخدمت فيها القوات المسلحة بكافة وحداتها وأسلحتها الثقيلة بما فيها الطيران والمدفعية والدبابات والصواريخ ضد جماعة دينية أو مذهبية مسالمة ،أو ضد فئة اجتماعية أو حركة اجتماعية وسياسية لم يسبق لها إن استخدمت العنف والإرهاب ضد الدولة أو ضد المجتمع لتحقيق أهداف سياسية كما تعمل التنظيمات الأخرى ، وليس لان الحرب نفسها وبسبب تداعياتها وما تخلقه من جراح وألام عميقة طوال الأربع السنوات التي مضت هي التي ساقتنا إلى هذا المنحى الخطير ودون تخطيط مسبق لهذا النوع من الحروب ، ولكن أيضا لأسباب أخرى لم يلتفت إليها قادة الدولة والجيش وهم يتخذون قرار الحرب وهو ما يتعلق بطبيعة تكوين الجماعة الحوثية أو الطرف الآخر في الحرب تحديدا وبكونهم – شئنا أم أبينا – جزء أساسي من نسيج المجتمع وجزء من تكوينه الفكري والاجتماعي الأمر الذي يجعل الحرب ضد جماعة الحوثي حرب على الشريحة الاجتماعية والتيار الفقهي الذي تنتمي إليه الجماعة حتى وان لم يكن ذلك مخطط له من قبل طرفي الحرب …….. يتبع
صنعاء نهاية يونيو 2008م
هامش
1- المقصود بها الحرب السادسة
2- نشرت الرسالة لاول مرة في موقع الاشتراكي نت بتاريخ قريب من تاريخ تذييلها اي نهاية يونيو 2008م تقريبا