أسرار ووثائقالعرض في الرئيسة

حصري – محمد المقالح يكتب لـ”صالح” من سجنه عام 2008 عن تدحرج الحرب باتجاه الحروب ذات الطابع المذهبي (3-4)

يمنات – خاص

محمد محمد المقالح

الجزء الثالث (هل كانت حروب صعدة قرارا شخصيا لصالح وخيارا وحيدا للدولة..؟ وماذا عن “التسامح” مع جماعة الحوثي..؟)

*الرد على من يطرحون الحرب خيارا وحيدا للدولة

الأخ الرئيس قد يقول البعض بأن هذه الرسالة قد تأخرت وربما لم يعد لها من معنى بعد ((أن حزم الرئيس أمره وقرر خوض المعركة إلى نهايتها مهما كانت التضحيات وأصبحت الحرب بالنسبة له قرارا شخصيا يتعلق بكبريائه أولا وبمكانته كرئيس للدولة والمسئول الأول عن الحفاظ على مكانتها وهيبة الجيش وامن واستقرار البلاد ثانيا، خصوصا بعد أن أتاح كل فرص السلام وأبدا من التسامح والعفو تجاه جماعة الحوثي ما لم يبديه أي رئيس آخر تجاه جماعة مماثلة ، إلا أن الحوثيين فوتوا كل هذه الفرص ، وافشلوا جميع الوساطات،الداخلية والخارجية وأخرها الوساطة القطرية التي تكللت باتفاق الدوحة الأخير ، ليس هذا وحسب بل وأوغلوا في صلفهم وتعنتهم و إلى درجة أنهم نظروا إليه باعتباره ضعفا ووهنا ،وبالتالي لم يعد هناك من خيار سوى الحرب لمثل هذا النوع من الناس مهما كلفت من تضحيات وبغض النظر عن الوقت الذي ستستغرقه لإنهاء التمرد قي صعدة، وطالما والأمر يتعلق ببسط نفوذ الدولة والحفاظ على السيادة الوطنية فان العالم سيدعم  موقف الدولة اليمنية تجاه مجموعة من المتمردين والارهابين، وإذا ما حدث أن اعترض أي طرف إقليمي أو دولي فهو اعتراض سياسي وتدخل في الشئون الداخلية اليمنية ولن يكون له أي تأثير، وسنضع الجميع أمام الأمر الواقع بعد القضاء على جماعة الحوثي تماما مثلما حصل مع الأطراف التي ساندت من أسموهم –ظلما- (قوى الردة والانفصال) في حرب الدفاع عن الوحدة في 19994م حين أجبرنا الجميع على التعامل مع الشرعية رغم كل الاعتراضات التي كانت تطرح أثناء الحرب …الخ ))

تلك هي أهم الحجج والتبريرات التي تطرح اليوم من اجل جعل الحرب ضرورية وخيارا وحيدا للدولة ،ومع أن بعض هذه الحجج تبدو مبررة ووجيهة لدى البعض إلا إنها في المعنى النهائي إجرامية تسويقية تسعى إلى تبسيط مشكلة الحرب والتهوين من خطورة تداعياتها ولا تقدم في نهاية الأمر شيئا سوى الإبقاء على نزيف الدم مستمرا في حرب لا هدف لها ولا أفق واضح ومحدد لنهايتها، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نرفض هذا المنطق ونحاول تفكيكه إلى عناوين رئيسية (يمكن الرد على ما تضمنته من حجج متهافتة وعلى النحو التالي :-

أولا: ما نقلته أنفا من حجج وتحليلات يطرحها البعض حول ضرورة الحرب الخامسة والمضي بها إلى النهاية هي في الحقيقة حجج ومبررات سبق أن سمعتها وقرأت كثيرا منها في الصحف ومعظمها بأقلام كتاب وسياسيين كانوا منذ البداية مع الحرب ومع استمرار نزيف الدم اليمني ولم تكن تعنيهم الحجج التي يطرحونها اليوم وبأثر رجعي عن روح العفو والتسامح وفشل الوساطات الداخلية والخارجية التي لا تطرح اليوم إلا من باب محاولة إقناعنا بمشروعهم ألتدميري وخيارهم الوحيد وهو استمرار الحرب بأي ثمن وبأي صورة من الصورة ،مع ملاحظة،أن القليل فقط من هولا هم من يسوقون هذه الحجج المتهافتة بحسن نية وربما بسبب قلة الوعي بمخاطر الحرب على الأمن والاستقرار ووحدة النسيج الوطني أما الغالبية فهم من دعاة الحرب أصلا سواء وجدت هذه الحجج أو لم توجد وقد سبق ان طالبوا بخيار الحرب منذ الجولة الاولى عام 2004م وقبل كل ما يدعونه اليوم من حجج متهافتة كالقول باستنفاد الرئيس لكل الخيرات السلمية ولم يبق سوى الحم العسكري هذا اولا …

ثانيا: هذا المنطق لا يعني سوى استمرار نزيف الدم ودفعنا للإيغال في جرائم حرب لا طائل منها ولا نهاية لها، والحقيقة خلاف ذلك إذ لو كان خيار الحرب هو الحل لكانت مشكلة صعدة قد حلت في الحرب الأولى التي قتل أو اسر فيها زعيم الجماعة ،وجميع مقاتليه في مران وبعد أن سيطر الجيش على كل قرى وجبال مران وحيدان وساقين وغيرها، غير أن هذا كله لم يمنع تجدد الحرب مرة أخرى بل وتوسعها وعندما ننظر اليوم وبعد أربع سنوات نجد أن عزلة مران اليوم هي أكثر المناطق اشتعالا وأكثرها نفوذا لأتباع الحوثي ، يعزز هذا مثال اخر وهو استخدام الجيش لكل الأسلحة التقليدية في الحرب الرابعة بما فيها الصواريخ والطائرات الحربية والمروحية ورغم كل ما خلفته من قتل وتدمير إلا أن الجميع اضطروا إلى الموافقة على إيقاف الحرب والدخول في حوار أفضى إلى اتفاقية الدوحة الثانية، والمعنى انه لو كانت الحرب أو كثافة النيران ونوعية الأسلحة أو مقتل قيادات الحوثي ودخول الجيش إلى قراهم ومراكزهم قد حل مشكلتهم مع الدولة لحدث ذلك في الحرب الاولى او الثانية أو الثالثة ..الخ وبالتالي لما احتاج الداعون إلى استمرار الحرب اليوم واعتبارها الخيار الوحيد إلى التنظير بضرورتها من جديد وبعد خمس جولات منها ، الأمر الذي يعني أن من يطرحون خيار الحرب لا يقولون جديدا ولا يملكون أي دليل على أنها ستحل المشكلة وعلى العكس فان كل الدلائل تقول بان الحرب لم تحل مشكلة الحوثي بل فافمتها وستفاقمها أكثر واكثر وهذا واضح ولا يحتاج الى دليل.

*هل الحرب قرار شخصي للرئيس..؟!

أما القول بان الحرب الخامسة أصبحت قرار شخصي للرئيس ويمثل خوضها حتى النهاية جزء من كبريائه وانه لا يمكن أن يتراجع عن خوضها حفاظا على هيبته ومكانته الشخصية بين مواطنيه…. الخ ،فانا شخصيا اربأ بالأخ رئيس الجمهورية أن يقبل بمثل هذا المنطق السخيف لان هذا المنطق يعني فيما يعني أن رئيس الجمهورية، يتحرك في حرب صعدة وفي عداوته مع جماعة الحوثي بدوافع غريزية وانتقامية وثأرية وهو أمر معيب في حق الرئيس وإذا كان لنا أن نتفهم دوافع الغريزة في قرارات الإنسان العادي إلا انه لا يجوز مطلقا ونهائيا على رئيس الجمهورية بالذات حيث ينبغي أن تكون الأبعاد الوطنية والمسؤوليات الدستورية هي دوافعه الأساسية في اتخاذ القرارات المصيرية وقرارات الحرب والسلم على وجه التحديد وبعد أن يقدر ومعه مستشاروه، ما هو أفضل للبلاد والعباد من هذه الخيارات والقرارات ،وما هو الأقل كلفة بالنسبة لليمن واليمنيين، مع التأكيد أن كرامة الرئيس وكبريائه من كرامة اليمن وكبريائها وما يحقق هذا يجب أن يخضع له الرئيس ولاشك أن حماية الدماء والأعراض والكرامات هو ما يحقق كبرياء اليمن ورئيسها ومواطنيها أمام بقية الأمم، وليس العكس أما إذا لم يكبح الرئيس غرائزه ودوافعه الشخصية في القضايا المتعلقة بمصير البلد وبمستقبل الوطن فإننا نكون قد ذهبنا إلى الهاوية ويكون من ينصح بمثل هذه النصائح الجهنمية هو من لا يريد لليمن ولا لرئيسها أي مكانة أو هيبة أو كرامة حتى وان ادعى غير ذلك وعلى هولا أن يعلموا أن قرار السلم يحتاج إلى شجاعة وإرادة قوية ربما اكبر من إرادة وشجاعة قرار الحرب نفسها .

* التسامح مع جماعة الحوثي!

ثالثا: بخصوص موضوع التسامح مع الحوثي وجماعته أود توضيح نقطة يبدو أن توضيحها غاية في الأهمية بالنسبة للسلام في صعدة واليمن ،حيث يوجد شعور لدى الكثيرين قد يرقى إلى مستوى القناعات ،بان الرئيس والسلطة عموما كانت متسامحة مع الحوثيين أكثر من أللازم وان الحوثيين لم يقدروا هذه الروح العالية بل اعتبروها ضعفا وخورا .. الخ ، والحقيقة أن هذا الكلام غير دقيق البتة فمع أن الرئيس كان وكما سبق وان أشرت إلى ذلك متسامحا في كثير من مراحل الحرب وأعلن ولمرة واحدة على الأقل العفو العام بخطاب سياسي وليس بقرار جمهوري إلا أن روح التسامح التي أبداها الرئيس في بعض مراحل الحرب تجاه الحوثيين لم تعكس ذاتها وبنفس الايجابية لدى مسئولي الدولة والجيش والأجهزة الأمنية والإدارية التي تعاملت مع الحوثيين في المستويات المختلفة، وعلى العكس تماما تم التعامل مع جماعة الحوثي بعنف وقسوة لا مثيل لها، إذ انه ومنذ اللحظة الأولى للحرب الأولى نجد أن الجيش قام بتطويق مران من جميع الجهات ولم يسمح لحسين الحوثي وأتباعه مجالا حتى للهروب أو تسليم أنفسهم للدولة مع الاحتفاظ بشيء من كرامة المواطن اليمني ، …ويعرف قادة الجيش في صعدة أن الحوثيين لم يكن أمامهم سوى خيارين لا ثالث لهما (الموت بكرامة أو الموت أذلاء) فاختاروا الموت بكرامة وبعد أن تأكدوا بان القرار كان حاسما ونهائيا في تصفيتهم واستئصالهم ، ولعل تلك الملاحم البطولية التي سطروها في جبهات الحرب الأولى لم يكن بسبب عقيدتهم الزبدية التي تعتبر الاستسلام أو الهروب من المعركة في حالة الدفاع عن النفس والعرض والكرامة (من الكبائر)وإثما كبيرا ،بل ولأنهم يعتقدون أن قتالهم حتى الموت هو الوسيلة الوحيدة التي أبقتها لهم الدولة للموت بكرامة وإلا فهم ميتون ميتون سواء قاتلوا أو استسلموا خصوصا وهم يتابعون الخطاب الرسمي سياسيا وإعلاميا ومذهبيا والذي كان ولا يزال يدعوا إلى إبادتهم وتغيير عقائدهم وانتهاك أعراضهم ، فضلا عن خطاب التكفير والتفسيق والتخوين بل وعدم الاعتراف بجنسيتهم اليمنية ودمغهم بـ”الشيعية” كتهمة،واعتبارهم مجرد عملاء لإيران الاثنى عشرية،والفارسية حينا ولليبيا او غيرها حينا أخرا ، ليس هذا وحسب بل أنهم جربوا نتائج هذا الخطاب ألاستئصالي في ممارسات السلطة العملية تجاههم في حالة الاعتقال والأسر والفصل والنقل من الوظيفة حتى ان بعض المعلومات غير الموثقة وغير المؤكدة تشير إلى أن بعض المقاتلين تم تصفيتهم بعد أسرهم وبعض الجرحى تركوا ينزفون حتى الموت ولم يسعف من جرحاهم احد ومنهم من عذب في السجون حتى الموت ومنهم من اعتقل لفترات طويلة بدون محاكمة وبدون الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية..

لقد تم معاقبة العشرات بل المئات ممن اعتقد أن لهم صلة ولو بالشبهة بالحوثي وبعضهم ضلوا في السجون منذ الحرب الأولى وحتى الآن رغم كل ما قيل أو أعلن من قرارات العفو العام ، وحتى بعد اتفاق الدوحة الأخير ورغم أن بنده الأول ينص على إطلاق سراح جميع المعتقلين خلال شهر واحد إلا أن من أطلق سراحهم فقط 130معتقلا من أصل ألف معتقل أو أكثر معظمهم ليسوا من الحوثيين بالمعني الحرفي للكلمة ، وتم تقديم العشرات منهم إلى محاكمات صورية أصدرت في بعضها أحكام قاسية ولم يسبق أن حكمت بها حتى على الإرهابيين الذين ثبت تورطهم بارتكاب جرائم قتل مباشرة ضد يمنيين أو أجانب والى درجة أن يحي الديلمي حكم عليه بالإعدام لمجرد انه طالب بإيقاف الحرب وحكم على محمد مفتاح بثمان سنوات حبس وعبد الكريم الخيواني بست سنوات حبس وكل هذا وهم لم يكن لهم أي صلة مباشرة بجماعة الحوثي اللهم إلا أنهم كانوا ضد الحرب ومعظمهم ينتمون إلى نفس المذهب الذي ينتمي إليه الحوثي وأنا اعرف شخصيا أن العشرات إذا لم اقل المئات تم فصلهم من أعمالهم وبعضهم نقلوا إلى أماكن نائية مع زوجاتهم للتدريس بل إن بعضهم نقل للتدريس في محافظة وزوجته في محافظة أخرى كجزء من عملية التنكيل والإذلال..

لقد تحمل الحوثيين من الأحقاد ودوافع الثأر والانتقام  ضدهم ما لم يتحمله غيرهم من الجماعات المعارضة للسلطة بل إنهم حملوا كل أحقاد التاريخ اليمني المعاصر وحروب الملكيين والجمهوريين وصراعات العدنانيين والقحطانيين وكل اشكلات التوتر الطائفي في المنطقة وتم عرضهم وبيع دمائهم وأعراضهم في سوق الحرب على الإرهاب والصراع الشيعي السني في العراق وغير ذلك مما لم يكونوا يحتملونه ولا علاقة لهم به

لقد كان مسئولوا الأجهزة الأمنية أو العسكرية أو الإعلامية يضطهدون الحوثيين ويسفهون معتقداتهم دون أن يراعوا أي حساسية لأنهم في نظرهم جماعة”من البيت ..” (1)وبدون مطالب سياسية ولن يؤدي اضطهادهم إلى أي ردود فعل انعزالية أو طائفية كما أن الأجهزة والأدوات الإدارية والأمنية المختلفة كانت تضطهدهم وهي مرتاحة الضمير باعتبارهم يضطهدون جماعة من “الملكيين الأماميين” الذين قدم الشعب من اجل طردهم والتحرر من حكمهم قوافل من الشهداء أي المضطهد الذي تقمصته الجمهورية كان مطمئننا انه يقتل أو يعذب مجموعة من الحثالاث المعادية للوطن والثورة والجمهورية وبعضهم مارسوا ضدهم التنكيل بدوافع عنصرية قبيحة وحدث أن كتب في صحف رسمية على أنهم غير يمنيين ويحمدوا الله أنهم يعيشون فيها كضيوف منذ 1300سنة وهي اعنف أنواع القسوة حين يجرد الإنسان من مواطنته وجنسيته

وأمام هذا كله من القسوة البالغة في التعامل مع الحوثيين يجب أن لا يدعي احدهم بان السلطة كانت “متسامحة” مع الحوثيين أكثر من اللازم وأنهم لم يراعوا هذا التسامح والعفو ،فهذا المنطق نفسه لا يبرر لاستمرار نزيف الدم اليمني وحسب بل ويبرر العنصرية والكراهية ويكشف مدى القسوة والعنف الذي عومل به الحوثيين من قبل أدعياء التسامح

*الحفاظ على هبية الجيش

رابعا: أما من يطرحون الحرب خيارا ضروريا للحفاظ على هيبة ومكانة الجيش فهولا في الحقيقة ليسوا صادقين في حبهم للجيش ، ولا في حرصهم على الحفاظ على هيبته ومكانته بل في سعيهم لضرب وإضعاف الجيش وزجه في حرب داخلية ليست من مهامه وجعل المجتمع ينقسم من حوله وفي الموقف منه ومن دوره الوطني وهذا ما حصل فعلا في حروب السابقة عموما، والحرب الحالية خصوصا ،كما أنهم بهذا الطرح يحاولون الإيحاء بان الجيش ضد وقف الحرب وهذا غير صحيح البتة وعلى العكس تماما لمسنا أن غالبية جنود وضباط الجيش يرغبون بإيقاف الحرب بأسرع وقت ممكن وبأي صورة من الصور لا نهم يعرفون أكثر من غيرهم بأن استمرار الحرب لم يعد يعني سوى مزيد من القتل والآلام بين صفوفهم ولدى مواطنيهم، وان المستفيد الوحيد من استمرارها هم تجار الحروب والمتآمرين على امن واستقرار البلاد.

والحقيقة أن هيبة الجيش -إذا جاز أن نطرحها في سياق الحرب الداخلية- لم تسقط بسبب توقف الحرب قبل القضى على الحوثي – كما يقولون – بل بسبب زج الجيش في حرب داخلية ضد جزء من أبناء شعبه وبدون مبررات دستورية وأخلاقية كافية الأمر الذي جعل أفراد الجيش يحاربون بدون قناعة وبمعنويات منخفضة جدا على خلاف الطرف الآخر الذي قاتل وهو يعتقد بأنه كان يدافع عن النفس والعرض والعقيدة بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذا القناعات الحوثية

أن الحديث عن سقوط هيبة الجيش في حالة توقف الحرب عمل تحريضي بامتياز تمارسه أطراف سياسية وحزبية من خارج الجيش وبهدف تحقيق أهداف انقلابية ضد الرئيس تحديدا والسعي عبر هذا التحريض الخطير الى تحميل الرئيس مسئولية إخفاق الجيش في الحرب وخذلانه وإسقاط “هيبته” المدعاة في حرب لا علاقة لها (بالهيبة والنصر والهزيمة) باعتبارها حرب داخلية كلنا فيها مهزومين والهزيمة الأكبر في استمرارها

إن مكانة وهيبة الجيش في وعي ونفوس الناس لم تأت جزافا أو بسبب انتصاراته في الحروب الداخلية ضد أبناء شعبه ،بل باعتباره المؤسسة الوطنية الكبرى التي تحرس الشرعية وتحمي السيادة وتدافع عن حدوده البحرية والجوية والبرية من أي عدوان خارجي وفي مثل هذه الحالة يجب على كل أبناء المجتمع أن يقفوا إلى جانبه بل أن هذا الأمر يحدث بصورة تلقائيا من قبل عموم المجتمع وبدون ان يطلب منهم ، وعندما يتراخى الناس عن الوقوف إلى جانب جيشهم الوطني فان هذا يشير إلى خلل في بنيته وفي دوره الوطني وبالذات حين يشن حربا داخلية ينقسم حول صحتها وشرعيتها إبناء الوطن الواحد وهو بالضبط ما حصل ويحصل في حروب صعدة المتواصلة

أن ما يثير الريبة حول غيرة هولا على هيبة الجيش هو أنهم أثناء الحرب يقفون ضده ويدعون انه أداة بيد السلطة ضد شعبة، وحين يوقف الحرب ويحقق رغبة غالبية الناس في السلام يتباكون على هيبته والادعاء بهزيمته

لقد أهين الجيش بتعمد ومع سبق الإضرار والترصد أثناء احتلال الاريتريين لجزيرة حنيش 1995م وتحديدا حين رفض أمثال هولا السياسيين قرار استعادة الجزيرة بالقوة ، مع أن تحريرها هو الأمر الطبيعي وما تقره كل القوانيين الدولية لكنهم حينها استدعوا”الحكمة” و”تحكيم العقل” و قبلوا التفاوض مع المحتل قبل ان يخرج جيشه من الجزيرة وابقوا أسرانا وجثث شهدائنا في الجزيرة حتى أعيدت بعد سنوات من التفاوض منقوصة السيادة ، وأنا أتساءل كيف يعترينا الغضب ونسارع إلى تحريك الجيش في ابسط خلاف داخلي ولا يتحرج احد قادة الحرب ان يقول أمام لجنة الوساطة “نحن مستعدين إن نقدم عشرة ألف شهيد في كل تبة من تباب مران !!!” أما عندما تحتل جزرنا ومياهنا الإقليمية من قبل جيش أجنبي فان رأي هذا الشخص نفسه يكون مختلفا “ومتعقلا” مع أن المحتلين حينها كانوا عبارة عن مجموعة صغيرة من الجنود غير المسلحين جيدا تابعين لدولة حديثة الاستقلال هي اريتريا ..

 والمعنى هو لماذا نجدهم في الحروب الداخلية بهذه الحدة من الوطنية بينما ينسون وطنيتهم وغيرتهم على مكانة وهيبة الجيش في الحروب من اجل السيادة ودفاعا عن حياض الوطن هذا أولا، أما ثانيا فأن هيبة الجيش لم تسقط بسبب توقف الحرب بل بسبب شن حرب داخلية غير مبررة دستوريا…

كان يمكن أن تكون الحرب مقبولة إلى حد ما لو افترضنا أن الحوثيين رفعوا في قتالهم مطلب (عودة الملكية) مثلا أو أنهم استخدموا القوة من اجل مطلبهم السياسي ،وكان يمكن أن تكون معنويات الجيش حينها عالية وهي تقاتل دفاعا عن مكتسبات وطنية كبرى ومفهومة للراي العام ، (ولكن هذا لم يحصل ولم يستطع اي من دعاة الحرب ان يثبت “تصرحا او تلميحا” للحوثي طالب فيه بعودة الملكية او الامامة السياسية او انه يقاتل من اجلهما

يتبع غدا الجزء الرابع والاخير

 ————

*هوامش

1- المقصود  هنا ” من البيت ” تعبير دارج يعني  لا باس ان تعمل أي شيء لانك تتصرف في حقك الخاص ولا يحق لاحد من خارج البيت التدخل فيه   والمقصود هنا ان ابناء صعدة ومعهم الحوثيين  كانت السلطة تعتبرهم جزء من منطقة نفوذ رموزها ورموز ال الاحمر تحديدا وبالمقارنة بوضع الجنوبيين اثناء وبعد حرب 1994م  وبسبب نظرة السلطة الى وضع  الجنوب كدولة اخرى تم “ضمها” وبالتالي  كان أي تصرف منها محل رقابة الجميع ويتسم بالتالي بالحذر حتى لا تتهم بالانفصال  ورغم كل  ممارسات الاقصاء التي تمت للجنوبيين بعد حرب صيف 1994م  الا ان الحرب  نفسها لم تدر في قرى ومدن الجنوب باستثناء عدن ولفترة محدودة بالقصف  على خلاف الحروب التي  دارت في صعدة ومحيطها  وفيما كانت تبرر ممارساة التمييز في الجنوب باعتبارها  ضد كوارد  خصمها الاشتراكي لا ضد ابناء الجنوب  من ناحية  ولم  ترق في مستوى العنف والكراهية  -في مظاهر الحرب العسكرية على الاقل – ما لقيته مناطق صعدة  ومحيطها اثناء الحروب  “5حروب حتى كتابة الرسالة” حيث دارت كل الحروب في مدن وقرى ومزارع وطرقات الناس في صعدة ما ادى الى قتل وتشرد واسعين ودمار هائل في البنيان ومظاهر الحياة  وكان الدافع لكل ذلك ان ” صعدة من البيت” وانه لا يحق لها ان تتمرد ولا يجق لاحد التدخل في شئونها خصوصا وكثير من اركان نظام صالح  – الشيخ عبد الله تحديدا-  يعتبرون  صعدة “حقهم “وحديقة خلفية  لسلطتهم ومشيختهم  وان نفوذهم  فيها ” اصيل” وان الحوثي نازعهم في هذا الحق بدون حق فكانت تمارس قصف القرى بالطيران والصواريخ بعنف وكثافة وبدون أي حذر بل كانت ترى ان المهادنة او التسامح مع الحوثيين في صعدة يعني تسرب نفوذ الشيخ عبد الله وبقية اركان السلطة من بين اصابعهم ليس هذا وحسب بل سيشجع  التمرد في صعدة اذا لم يخمد بقسوة مناطق اخرى للتمرد الامر الذي دفعهم لممارسة عنف هائل ومفرط  وغير مبرر وبطمأنينة كبيرة  معتقدين ان احدا -لا في الداخل ولا في الخارج- يمكن ان يعترض على حجم العنف هذا  –  بالداخل باعتبارهم “ملكيين” وفي الاقليم والسعودي باعتبارهم “شيعة”.

زر الذهاب إلى الأعلى