لا تعدّ ظاهرة الاعتداء على خطوط الألياف الضوئية في محافظة شبوة بالظاهرة الجديدة، بعد أن بزرت بشكل جليّ منذ العام 2011، إلا أنها ازدادت في الأعوام القليلة الماضية.
تبرز الآثار السلبية لهذه الظاهرة من خلال عزل مناطق واسعة في المحافظة من خدمة الاتّصالات والانترنت. لكن يبدو أن شبكة الانترنت هي الأكثر تأثّراً بمثل تلك الأعمال، حيث تعاني خدمة الانترنت تدهوراً وتراجعاً كبيراً، ويشكو الأهالي عادة من ضعف الخدمة.
يقول مدير عام مكتب الاتّصالات في محافظة شبوة، سالم منصور علي لموقع “العربي”، أن هذا العام شهد أكثر من عشرة أعمال تخريبية لخطوط الألياف الضوئية، وخاصّة في مناطق خمر، وباعرام، والغيل، وحبان، ونصاب، والمنطقة الساحلية الممتدّة بين أحور وبئر علي.
أعمال مرفوضة
ويشير مدير الاتّصالات، في حديثه لـ”العربي”، إلى أن من يقومون بهذه الأعمال التخريبية يطالبون عادة إمّا بوظائف لدى الحكومة ليس لمكتب الاتصالات علاقة بها، أو بإدخال خدمة الانترنت إلى مناطقهم.
وشدّد على أن “هذه الأعمال مرفوضة، ولا يوجد مبرّر للقيام بالتخريب، حتّى لو كانت المطالب مشروعة. أمّا بالنسبة لإدخال الخدمة، الكلّ يعرف الظروف التي تمرّ بها البلاد، ومع هذا هناك مشاريع، ولكن حسب الأولوية والكثافة والجدوى الاقتصادية”.
ويلفت منصور إلى أن الأعمال التخريبية موثّقة رسمياً، ويتمّ إبلاغ أجهزة السلطة المحلّية ذات العلاقة وخاصّة الأمن والنيابة العامّة بها، مشيراً إلى أن مكتب الاتّصالات يبذل جهوداً كبيرة لإعادة إصلاح الأعمال التخريبية، من خلال التواصل مع المجتمعات المحلّية، لإقناع المخرّبين بالكفّ عن هذه الأعمال، والسماح لموظّفي الاتّصالات بالعمل لإصلاح كابل الألياف، موضحاً أن موظّفي الاتّصالات يتعرّضون في كثير من الأحيان للتهديد والمنع.
يشعر منصور بالأسى من قيام بعض أبناء شبوة بتلك الأعمال التي تضرّ بالمواطنين، ويضيف “هذه التصرّفات تضرّ بأبناء شبوة عامّة، ويتحمّل كلّ مخرّب وزر وإثم عمله، حيث يؤدّي التخريب إلى وقف كثير من أعمال المواطنين وعرقلتها، وما حد يخرب بيته بيده”.
ويلفت مدير الاتّصالات إلى أن مكتب الاتّصالات في شبوة، بات يعتمد على أبناء المحافظة في كلّ أعماله بنسبة 100%، بعد أن كان قبل الحرب يعتمد بشكل جزئي على موظّفي الاتّصالات من محافظات أخرى.
تعطيل المصالح العامّة والخاصّة
ويكشف رئيس مؤسّسة “خطوات للتنمية المدنية”، أحمد محمد عيدروس، من جانبه، أنه وخلال العامين الماضيين تمّ قطع كيبل الألياف الضوئية أكثر من 46 مرّة في شبوة، مشيراً إلى أن تلك الأعمال مؤشّر خطير على تعطيل المصالح العامّة والخاصّة.
يتطرّق عيدروس، في حديثه لـ”العربي”، إلى الآثار السلبية لتنامي ظاهرة قطع كابلات الاتّصالات، قائلاً “هذه الظاهرة أصبحت مقلقة للمجتمع، نظراً لما تسبّبه من إزعاج للمواطن ولمؤسّسة الاتّصالات وجميع القطاعات على حدّ سواء، وتعطيل لمصالح الكثير من الناس، حيث أصبحت الاتّصالات جزءاً هامّاً من حياة الناس وإدارة شؤونهم، وانقطاع هذه الخدمة يسبّب تعطيلاً لهذه الأعمال، ويعتبر مؤشّراً خطيراً لأنها متعمّدة وتخريبية، الغرض منها إلحاق الأضرار بالممتلكات العامّة للدولة، ويسبّب الانقطاع للمستخدمين، مؤسّسات أو أفراداً، فقدان الكثير من كفاءة أعمالهم وخسائر مادية ووقت ثمين، بل وينقطع التواصل الاجتماعي والثقافي والعلمي فيما بين المستخدمين في المحافظة وخارجها على مستوى البلد أو العالم الخارجي”.
ويعزو عيدروس هذه الظاهرة إلى عدّة أسباب، منها الضعف المزمن للسلطات الأمنية في ضبط المخرّبين، و”تشجيع النظام السابق لهذه العصابات التخريبية، وما شجّع التخريب هو تحقيق مطالب المخرّبين من قبل السلطة المحلّية”، مضيفاً أن هناك أسباباً مجتمعية، أهمّها “تساهل القبائل مع أفرادها المخرّبين والتستّر عليهم وحمايتهم، وكذا ضعف دور مؤسّسات المجتمع والإعلام في مناهضة هذه الظاهرة وعدم فضح وكشف هوية المخرّبين”.
ويشدّد رئيس مؤسّسة “خطوات” على ضرورة اتّخاذ عدد من التدابير للحدّ من هذه الظاهرة، وأهمّها تضافر كافّة الجهود الرسمية والمجتمعية وإسناد المؤسّسة الأمنية وضرورة “التصدّي لها بحزم من قبل الأجهزة الأمنية ومؤسّسات المجتمع والعمل على عدم التستّر أو حماية هؤلاء المخرّبين، لتتمكّن الأجهزة الأمنية من ضبط المخرّبين وتقديمهم للعدالة”.
عصابات مأجورة
ويرى الإعلامي والناشط السياسي في الحراك الجنوبي، عبد الرحمن العشملي، أن ظاهرة تخريب كيبل الألياف الضوئية “ظهرت مع نموّ العصابات المأجورة التي تعمل لنظام صنعاء”، متّهماً الأخير بـ”العمل، ومنذ فترة، على إحداث قلاقل في المناطق الجنوبية، وخاصّة بعدما تفاقمت المشاكل بينه وبين ما يسمّى بالحراك الحنوبي، وباتت هناك أيادٍ تعمل لنظام صنعاء على أساس إظهار نظام صنعاء بأنه الأفضل من غيره لحكم اليمن عامّة والجنوب خاصّة”.
ويضيف العشملي، لـ”العربي”، أن “أعمال التخريب تفاقمت، وأصبحت في بعض الأحيان ابتزازية لضعفاء النفوس، نتيجة لغياب مبدأ الثواب والعقاب من ناحية، ومن ناحية الجهل الذي يلعب دوره… والحاجة للمادّة نتيجة للفراغ، وعدم وجود أعمال تمكّنهم من الصرف على بيوتهم وأنفسهم، ناهيك أن غياب التوعية بأهمّية الحفاظ على المصالح العامّة كونها ملك الجميع ولا تخصّ قبيلة أو فرداً أو عائلة”.
وحول السؤال عن تفاقم ظاهرة الاعتداء على خطوط الألياف الضوئية في المديريات الجنوبية من المحافظة، أعرب العشملي، المنتمي إلى هذه المديريات، عن اعتقاده بأن “غالبية مناطق المحافظة تعرّضت لأعمال تخريبية، ولكن كون المديريات الجنوبية صادقه في مطالبها تمّ إهمالها وعدم تلبية مطالب أبناء المناطق التي تعرّضت للتخريب، وعدم ربطهم بخدمات النت والهاتف الأرضي جعلهم الأكثر تخريباً للكيبل، ومع ذلك نحن لا نبرّر تلك الأعمال مهما كانت المطالب مشروعة”.