إختيار المحررإقتصادالعرض في الرئيسة
وكالة إمريكية: تقشّف السعودية “الناعم” يأتي بنتائج عكسية.. والحرب على اليمن يشكل عبئا على الاقتصاد السيئ للمملكة
يمنات – صنعاء
لا تزال آفاق الخطط الاقتصادية الواعدة، التي طرحتها الرياض، محلّ رصد ومتابعة من قبل الصحف ووكالات الأنباء العالمية.
وفي تقرير حديث لوكالة “بلومبيرغ”، حاولت مراسلة الوكالة في الرياض، ديما المشعبي، أن تلقي الضوء واقع الحال في المملكة العربية السعودية اليوم، من زوايا متعدّدة، وعلى صعد مختلفة، لا سيما على الصعيدين الاقتصادي والمعيشي.
إستهلّت المشعبي تقريراً تحت عنوان “لسعة التقشّف الناعمة في المملكة العربية السعودية قد تأتي بنتائج عكسية”، بالإشارة إلى مواطنين سعوديين، أحدهما فهد بن رجا، ويعمل في تجارة السيارات في العاصمة الرياض، فيما الآخر عبد الله سعيد، يعمل كسائق أجرة، مرفقة ذلك بالقول “في عصر جديد من التقشّف في المملكة، يجد كلا الرجلين صعوبة أكبر في تغطية نفقاتهم”.
المواطن السعودي، عبد الله سعيد (63 عاماً)، تحدّث لـ”بلومبيرغ” عن بدل إيجار منزله، والبالغ 2000 ريالاً سعودياً شهرياً (560 دولاراً)، والذي تتكفّل له إحدى مؤسّسات التأمين الاجتماعي بتغطيته.
كما شرح سعيد للوكالة حجم الأعباء التي تثقل كاهله، وكيف أن زوجته اضطرّت للعمل في بيع العطورات المصنّعة منزلياً، من أجل تلبية احتياجات الأسرة المكوّنة من 11 فرداً، متذمّراً، في الوقت عينه، من ارتفاع فاتورة الغذاء والوقود، التي “تلتهم دخله”، قبل أن يقول “بات من الصعب جدّاً أن تجني المال في الرياض”. عند هذه النقطة، حاولت الوكالة تلمّس أسباب هذا الوضع الاقتصادي الصعب في المملكة، بالتطرّق إلى “الخطّة الحكومية الرئيسية”، التي تهدف إلى “ضبط الإنفاق، وتخفيف الاعتماد على صادرات الطاقة”، بعد تراجع عائداتها في العامين الأخيرين، جنباً إلى جنب مع خطوات أخرى مضت فيها الحكومة السعودية، وبدفع من “مهندس الخطّة”، الأمير محمد بن سلمان، مثل خفض الدعم عن البنزين، والكهرباء، والمياه، ورفع رسوم التأشيرات، فضلاً عن زيادة تكلفة الاستعانة بالعمالة الوافدة، العمل على تخفيض الرواتب في القطاع العام.
في هذا السياق، لفتت المشعبي إلى أن “التقشّف مصطلح نسبي”، وذلك باعتبار أن التقديمات الاجتماعية للحكومة السعودية لا تزال “سخية”، لا سيما وأن أسعار الوقود تعدّ “رخيصة قياساً بالمعدّلات العالمية”، حيث أن ما يحصل عليه المواطن السعودي بأسعار منخفضة إجمالاً، يعدّ بالنسبة للمواطن الغربي “ترفاً” يستحقّ تأريخه، على حدّ تعبير الوكالة. وتابعت الكاتبة “مع ذلك، فإن التغييرات تعدّ تحوّلاً جذرياً للأسرة الحاكمة التي لا تعطي لمواطنيها الحقّ في الحديث بالشؤون العامّة، والتي تقدّم الرفاه لهؤلاء في مقابل ولائهم. إن أي تغيير في تلك المعادلة يمثّل مقامرة، من جانب الأمير محمد، في هذه الحالة”.
في محاولة لاستشراف آفاق الفرص والمخاطر في جوانب السياسات الحكومية الراهنة في السعودية، أوضح بروس ريدل للمشعبي أن “الخطر يكمن في أن حزمة الإصلاحات لن تقلّل من اعتماد السعودية على مداخيل النفط، وهو (احتمال) مع الأسف، ليس مؤكداً، على نحو شبه قطعي”. وتابع الباحث في معهد “بروكينغز”، والذي عمل لمدّة 30 عاماً مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، حديثه لمراسلة الوكالة في العاصمة السعودية “على هذا الأساس، تبقى المملكة معرّضة إلى ما يمكن أن يؤدّي إليه انخفاض حادّ في أسعار النفط، من (موجات) عدم استقرار”. وبرأي ريدل، فإن الواقع الاقتصادي المأزوم التي تعيشه الرياض، كان “من الممكن أن يكون أسوأ”، لولا اللجوء إلى الاحتياطيات النقدية الكبيرة، التي “جنّبتها أزمة” على هذا الصعيد، لا سيما لجهة تمويل عجز الموازنة لديها المقدر بنسبة 16 % من الناتج الاقتصادي المحلّي، مع الإشارة إلى سحب الرياض من تلك الاحتياطيات مبلغاً إجمالياً قدره 175 مليار دولار، بعدما بلغت مستوى قياسياً في أغسطس من العام 2014، تخطّت قيمته 700 مليار دولار. هذا التناقص “متسارع الوتيرة” في حجم احتياطيات الرياض النقدية، جعل من مسألة التحرّك حيال الأزمة المالية والاقتصادية “أمراً ملحّاً” من وجهة نظر الأمير محمد بن سلمان وفريقه، وفق تعبير المشعبي.
وعن انعكاسات سياسات التقشّف المالي على معدّلات نموّ الانفاق الاستهلاكي في المملكة، تشير التقديرات، وفق ما تنقله الوكالة عن مؤسّسة “كابيتال إيكونوميكس” في لندن، إلى تراجع نموّ تلك المعدّلات إلى ما بين 2 و 3 % في العامين 2017، و2018 بعدما سجّلت نموّاً بنسبة ما بين 7 و8 % سنوياً خلال العقد الماضي. هذا، ولحظت المشعبي “انخفاض الواردات السعودية من دول الاتّحاد الأوروبي بنحو 10 % في الربع الأوّل” من العام الحالي، و”انخفاض عمليات السحب النقدي من خلال أجهزة الصراف الآلي”، استناداً إلى بيانات البنك المركزي السعودي.
أمّا المواطن السعودي، فهد بن رجا، ومن قلب مرآب للسيارات في حي الشفاء، فينقل شكواه وزملائه حول تردّي أوضاع تجارتهم، على وقع تناقص عدد الزبائن الراغبين في شراء سيارات، وتهاوي الأسعار. ومن داخل إحدى السيارات من طراز “جي أم سي”، التي أقرّ بهبوط أسعارها بنسبة 43 % خلال الأشهر الستّة الماضية، أوضح بن رجا أن السبب الرئيسي لما سمّاه “الوضع الاقتصادي السيء” يتعلّق بالحرب التي تقودها السعودية في اليمن، التي تشكّل “عبئاً على اقتصاد المملكة”.
كذلك، أشارت المشعبي إلى أن الجيل السعودي الشاب قد اعتاد على “الإسراف” أكثر من جيل والديه، لا سيما وأن الناتج المحلّي الإجمالي السنوي للفرد قد ارتفع من حوالي 29,500 دولاراً، عام 1990، إلى نحو 53,624 دولاراً في العام الفائت، وفقاً لأرقام البنك الدولي، وإن كان القطاع العام يشكو من تضخّم أعداد العاملين فيه بالملايين، ممن يتقاضى كثيرون منهم “أموالاً أكثر، مقابل عمل أقلّ”. وبرأي معدّة التقرير، يمكن القول إن “عائدات النفط قد غيّرت وجه المدن الرئيسية” في المملكة العربية السعودية، بعد تسارع وتيرة إنشاء وانتشار مراكز التسوّق فيها، وتكاثر انتشار المتاجر التي تبيع أشهر الماركات العالمية للسلع، كالعطور وغيرها.
إلى ذلك، توقّعت المشعبي، وبالاستناد إلى بيانات وكالة “بلومبيرغ”، أن ينمو اقتصاد المملكة العربية السعودية هذا العام بنسبة 1.5 %، وهو “أقلّ معدّل نمو سنوي يسجّله الاقتصاد السعودي، منذ أكثر من عقد” (باستثناء ما سجّله إبّان الأزمة العالمية عام 2009)، فيما ترجّح تقديرات البنك الدولي استقرار معدّل نموّه عند مستوى قريب مما نسبته 2.5 % سنوياُ على المدى المتوسّط، وهو “رقم بالكاد يكفي لخفض واحدة من أعلى نسب البطالة في أوساط الشباب”، على صعيد العالم.
وعن الخطّة الطموحة، المعروفة بـ”رؤية السعودية 2030″، التي تشمل العمل جذب الاستثمارات، وخفض نسبة الرواتب والأجور من الميزانية العامة من نحو 45 % حالياً، إلى 40 % بحلول العام 2020، إلى جانب خصخصة جزء من “آرامكو”، لفتت الكاتبة إلى بعض الشكوك التي لا تزال تراود البعض في السعودية إزاء هذه الخطّة. فقد عادت الكاتبة إلى استحضار معاني رسم كاريكاتوري نشرته صحيفة “مكّة” السعودية في أعقاب الإعلان عن “رؤية 2030” في يونيو الماضي، يظهر فيه مسؤولاً سعودياً يقدّم عرضاً سخياً لأحد المواطنين، ثم يتراجع عن العرض، في إشارة إلى ما يمكن أن تنطوي عليه هذه الرؤية من وعود حالمة قد تستحيل سراباً.
وفي الأسواق المالية السعودية، رصدت الكاتبة انخفاضاً قياسياً في قيمة عدد من الأسهم خلال العام المنصرم، بنسبة وصلت إلى 26 % في بعض الأحيان، مشدّدة على أن هذا الوضع بات يشعر رجال الأعمال بالقلق، خصوصاً وأن بعضهم بدأ يشكو من أن العمل في المملكة أصبح “أكثر صعوبة”، مع لجوء الحكومة السعودية إلى تأخير دفع مستحقّات المقاولين، ممن يعملون لصالحها.
في خضم ذلك، نبّهت الكاتبة إلى أنه “إذا ما انتشر هذا المزاج، فإنه من الممكن أن يتسبّب بمشاكل للأمير محمد، البالغ من العمر 31 عاماً”، علماً بأنه يتولّى منصب وزير الدفاع، إلى جانب كونه رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. لذا، “فإن الإخفاق في تحقيق أهداف الخطّة، شأنه شأن التعديلات المتسارعة التي تثير ردود فعل غاضبة، قد يضرّ بصورته، سواء أمام الشعب السعودي، أو داخل أسرة آل سعود”.
وبحسب الأستاذ في العلاقات الدولية في جامعة تكساس، غريغوري غوز، لا مناص من القول إن “المخاطر موجودة بشكل أكبر داخل الأسرة (السعودية)”، مؤكّداً على أن ملفّي حرب اليمن، والخطّة الاقتصادية المعروفة بـ”رؤية السعودية 2030″، يشكّلان منصّة لتقييم مكانة الأمير محمد بن سلمان في الأسرة. عن الملفّ الأوّل قال غوز إن “حرب اليمن لا تسير على ما يرام (بالنسبة للأمير)”.
وأضاف غوز أنه في حال عدم نجاح بن سلمان فيها، فإن مكانته في الأسرة سوف تتدهور حتماً، مشدّداً، في الوقت عينه، على أن هذا التحليل “ربما لن يكون مهمّاً الآن، إلا أنه سوف يكون بالغ الأهمّية حالما يترك والده (الملك سلمان) المشهد”. أمّا فيما يخصّ الملفّ الثاني، فقد استرجع الأستاذ في العلاقات الدولية تجارب تاريخية لدول في الشرق الأوسط، لجأت إلى سياسة التقشّف، قبل أن تأتي بنتائج عكسية، على غرار الجزائر. فالبلد المغاربي الغني بالنفط، لجأ في ثمانينيات القرن المنصرم إلى سياسة الاقتراض من صندوق النقد الدولي، الأمر الذي ألزم هذا البلد إلى الانصياع إلى شروط الصندوق، خصوصاً لجهة خفض النفقات الحكومية، مما نجم عنه تفاقم موجات الاحتجاج، فضلاً عن دخول “المعارضة الإسلاموية” على خطّ المستفيدين من الأزمة في البلاد بعدما حقّقته من نجاح في الانتخابات البلدية وقتذاك. فكانت النتيجة “عقداً من العنف” مع تدخّل الجيش، بعد اقتراب “المعارضة الإسلاموية” الجزائرية من تحقيق نجاح برلماني مواز للنجاح البلدي الذي حقّقته، على حدّ تعبير غوز.
وتابعت المشعبي بالقول “إن هذا السيناريو لا يبدو مرجّحاً في السعودية التي تعدّ أكثر ثراءً، وأكثر استقراراً”، إلى جانب ارتكازها إلى علاقة تحالفية مع الولايات المتّحدة “تعود إلى عشرات السنين”. مع ذلك، وبحسب الكاتبة، فإن الحكومة السعودية تتحسّب لخطر الاستياء الشعبي، مشيرة إلى تصريح للأمير بن سلمان، قال فيه إن حكومته تعمل على الحدّ من تأثير خفض الدعم على المواطنين الأكثر فقراً، وإلى إقالة وزير الموارد المائية في المملكة إثر شكاوى مواطنين.
وفي نهاية المطاف، ربما يكون السعوديون الأصغر سنّاً هم الأجدر بتحديد مصير خطّة الأمير محمد بالنجاح أو الفشل، خصوصاً وأن 60 % من مجموع سكّان البلاد، البالغ عددهم 21 مليون نسمة، هم دون الثلاثين من العمر، وفق المشعبي. ورأت الكاتبة أن النجاح في خلق فرص عمل جديدة، من شأنه أن يجعل من المسألة، أمراً “يستحقّ التضحيات”. وعلى هذا الأساس، تورد الكاتبة ما أفاد به طالب جامعي سعودي، يبلغ من العمر 20 عاماً، للوكالة، حول شعوره بـ”لدغة المصاريف يوماً بيوم”، للمرّة الأولى.
المصدر: العربي