صعّدت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، مؤخّراً، من مطالبها بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، وباشرت اتّخاذ الإجراءات الإدارية والفنّية لعملية النقل، كما وجّهت أكثر من رسالة للمؤسّسات المالية، تفيد بعزمها على نقل البنك لإنقاذ الإقتصاد اليمني من الإنهيار، إلّا أن اتّجاه حكومة أحمد عبيد بن دغر هذا أثار موجة تحذيرات من تداعيات تلك الخطوة، في ظلّ الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.
خطورة المعركة
تُعدّ معركة سحب السلطة المالية، من صنعاء إلى عدن، من أخطر المعارك الإقتصادية، التي ستكون لها تداعيات كارثية، وفق تحذيرات خبراء الإقتصاد الموالين لـ”التحالف” والمناهضين له على السواء، والذين يصفون مطالب فريق الرئيس هادي في هذا الشأن بـ”العشوائية، المفتقرة إلى أيّ رؤية اقتصادية ومالية، حتّى الآن”.
حكومة بن دغر بدأت، وفق مصادر في الرياض، فعليّاً، بإجراءات نقل البنك، لكنّها تواجه عدّة صعوبات من أبرزها، إصرار صندوق النقد الدولي على بقاء البنك في صنعاء، والإكتفاء بدعمه فقط حتّى التوصّل لاتّفاق سياسي شامل بين أطراف الصراع.
يضاف إلى ذلك عدم امتلاك حكومة هادي قاعدة بيانات بأسماء ومرتّبات موظّفي الدولة، وعدم التزامها العلني بصرف كافّة مرتّبات موظّفي الدولة في الشمال والجنوب، بعيداً عن تأثير الصراع.
إنخفاض الإحتياطات
مبرّرات حكومة بن دغر لمطلبها نقل البنك المركزي من صنعاء استندت إلى تقارير رسمية، صادرة من البنك نفسه، والذي قدّمها لهادي وحكومته، مطالباً بالتعاون في وقف التدهور المالي الحادّ في الإحتياطات المالية الأجنبية، التي انخفضت إلى 1.6 مليار دولار، أواخر العام الماضي، فضلاً عن تفاقم أزمة السيولة المالية من العملة المحلّية، والتي دفعت البنك إلى اللجوء لخطّة تقشّف، شملت مختلف مؤسّسات الدولة.
أمام تراجع الإحتياطات المالية المحلّية والأجنبية في البنك المركزي اليمني، وارتفاع الدين العام بشقّيه الداخلي والخارجي إلى 25 مليار دولار، بزيادة 3 مليارات دولار في عامين، اتّهمت حكومة هادي “أنصار الله” بـ”نهب البنك، وتسخير أموال الشعب اليمني للمجهود الحربي”، إلّا أن الجماعة التزمت الصمت، واكتفت بتأكيدها “احترام حيادية البنك وعدم التدخّل في شؤونه”.
صمت لا يحجب المخاوف من تمكّن حكومة هادي من إقناع المؤسّسات المالية الدولية بنقل البنك، والذي يُعدّ، في حال وقوعه، بنظر الكثير من قيادات “أنصار الله” بمثابة نصر كامل لهادي وحكومته، ليحتدم الصراع بين محافظ البنك، محمّد عوض بن همام، وحكومة هادي، برئاسة بن دغر.
إتّفاق غير معلن؟
ورغم احتدام الصراع، إلّا أن مصادر مقرّبة من حكومة بن دغر أكّدت، مؤخّراً، توصّل الطرفين لاتّفاق غير معلن، يقضي بطباعة قرابة الـ200 مليار ريال في روسيا، للحدّ من أزمة السيولة المالية، وإنقاذ الإقتصاد من الإنهيار، بالإضافة إلى العمل على إعادة إنتاج وتصدير النفط، لتعزيز القدرات المالية للبلاد، وتعويض توقّف الإيرادات الخارجية من العملات الصعبة، التي خسرها اليمن بسبب الحرب، ومنها مليار دولار إسهامات البنك الدولي، ومختلف القروض، والمساعدات الدولية التي توقّفت أيضاً.
موجودات البنك
الموقف المالي للبنك، وفق بيانات خاصّة حصل عليها “العربي” وتعود إلى نهاية يناير 2015، تشير إلى أن العرض النقدي، بشقّيه المتداول وشبه النقد، بلغ قبل اندلاع الحرب 3 تريليونات و49 مليون ريال، حيث يبلغ شبه النقد، المتمثّل بودائع الإدّخار الآجل بالريال اليمني، والودائع بالعملات الأجنبية لكافّة القطاعات، مضافاً إليها ودائع مؤسّسات الضمان الإجتماعي، 1.9 تريليون ريال، بينما كان النقد المتداول، حينذاك، 793 مليار ريال. كما كان إجماليّ الودائع المالية، تحت الطلب، 316 مليار ريال، وفي ما يتعلّق بالإحتياطي النقدي الأجنبي في البنوك
الدولية، فقد تراجع قبل الحرب إلى 3.9 مليار دولار. وبلغت، يومذاك، الودائع المالية بالدولار 850 مليوناً و785 ألف دولار.
حكومة بلا بنك
وعلى الرغم من اتّفاق حكومة “الكفاءات”، بقيادة خالد محفوظ بحّاح، مع البنك المركزي اليمني على الإستمرار في مهامّه بحيادية، والحرص الظاهر لدى “أنصار الله” على أن يكون البنك خارج دائرة الصراع مع هادي وحكومته، إلّا أن التعيينات التي أصدرها الرئيس، والتي تجاوزت الآلاف، بالإضافة إلى اعتماده قرابة الـ100 ألف جندي تحت مسمّى “الجيش الموالي للحكومة”، وضمّ الآلاف من عناصر حزب “الإصلاح”، واستيعاب عناصر الحراك الجنوبي في إطار ذلك “الجيش”، دون اعتمادات مالية، أثار موجة سخط على هادي وحكومته، وأتاح هامشاً واسعاً لتقسيم تلك القوّات بين دول “التحالف”، في ظلّ عجز الحكومة عن صرف مرتّبات عناصرها، التي تصل، وفق تقديرات اقتصاديّين مقرّبين من الحكومة، إلى 226 مليار ريال سنويّاً.
وشكّلت حكومة أحمد عبيد بن دغر، التي أعلنت في يونيو الماضي انتهاء الهدنة المالية مع البنك المركزي، بعد عجزها عن تلبية أدنى المطالب الأساسية في “العاصمة المؤقّتة” عدن، مؤخّراً، لجنة وزارية مكوّنة من ستّة وزراء، لإعداد ومناقشة خطّة شاملة لإدارة المناطق “المحرّرة” من قبل الحكومة، إلّاأنّها لم تكشف عن المصادر المالية التي ستعتمد عليها، في إدارة المحافظات الخاضعة لسيطرتها.