من داخل أقبية السجن المركزي بصنعاء .. يا ما في السجن مظاليم
يمنات
أحمد سيف حاشد
(1)
زرت اليوم السجن المركزي في صنعاء ووجدت فيه ما لم أتوقعه ولم أكن استطع تخيله .. لم أتخيل أن أجد الأستاذ عبد السلام جدبان أخ زميلي و صديقي الشهيد عبد الكريم جدبان نزيل في السجن المركزي .. عبد السلام جدبان له ثلاثة أخوان شهداء مع حركة أنصار الله فيما هو مسجون بأوامر السلطة الخفية في الأنصار .. أراد انصاف مظلومين فوجد نفسه سجينا ومظلوما هو و عدد من رفقته الشجعان .. نعم وجدتهم حسينيون شجعان و أفذاذ و أبطال منتصرين لقضايا المظلومين .. وجدتهم أكثر من الوصف و أكبر من العدالة التي يستحقونها..
(2)
كم أحسست بهم، وكم شعرت بمأساة من يحاول أن يوقف الظلم في بلد تُغتال فيه العدالة كل يوم .. معتقلون لأنهم حاولوا فقط أن يوقفون ظلما أستمر 34 عام، و هو إعدام مضاعف لأن خصومهم يريدون التنكيل بهم وأن تفنى أعمارهم في السجن .. شعرت أن لجنة السجناء حاولت أن توقف هذا الظلم، وتملكت الجُراءة النادرة في عالم جبان، و استشعرت عاليا بالمسؤولية و أبدت شجاعة فذة في إقامة عدالة نبحث عنها في وطن لا زال مصادر من قبل النافذين و السلطات الخفية .. عندما تمر على سجن دخل فيه المسجون حدثا و قبل أن تبنى جدران عنابره و فيه يقضي السجين عامه الرابع و الثلاثين و بدأت الكهولة تدنو و تقترب يجب على العدالة أن تثور .. لو كنت حجر أصم في جدار السجن لثرت..
(3)
أنصار الله الذين وجدتهم في السجن المركزي غير أنصار الله الذين عرفتهم .. أدهشني ما يقرؤون .. صالح الخطيب أحد أعضاء اللجنة المعتقلين كان يقرأ كتاب جمهورية الله لـ”عبد الرزاق الجبران” .. لفت نظري بدهشة لم استطع مداراتها .. هل يعقل أن واحدا من أنصار الله يقرأ جمهورية الله لـ”عبد الرزاق الجبران”..؟ ثم أدهشني مرة ثانية و هو يحدثني في موضوع حقوقي عن السجن المركزي و السجون الاحتياطية و الواقع الذي يخالف القانون جملة و تفاصيل .. وعي حقوقي من طراز رفيع، و تدفق حيوي و ثقافي حقوقي داهش من شاب لا زال في مقتبل العمر .. مثل هؤلاء هم الذين يفترض أن يحملوا مشاعل أنصار الله، لكم تمنيت أن يكون أنصار الله مثله لكنت واحدا منهم..
(4)
من التقينا بهم اليوم من اللجنة المعتقلة في السجن المركزي متحررين من ثقالات الحركة الفكرية والثقافية، بل وجدناهم يجمعون بين الخلق الجم و المحبة الدافقة و الموقف الشجاع و الصمود النادر و التحدي الأبي .. هذا الانطباع لا يتسلل إليك بساعات بل تجده يندفع و يتداعى إليك ببرهة زمن .. و عن الفن و العود لا يحملون العُقد و موانع التحريم و لم يقل أحدا منهم بكراهيته بل علق أحدهم مع أول عودي قات و نغمة وتر بقوله ضاحكا: لا يجتمعان عود الحارثي و عود القات إلا في قلب مؤمن.
(5)
زرنا المكان الذي كان فيه حسين الحوثي مدفون و عليه سياج حديدي و حديقة ناشئة .. و لكن كان على بعد أمتار قليلة من المكان مستوصف السجن و فيه تفقدنا بعض السجناء .. و فيه يرفل الظلم و يلقي بثقله على مظلومين طالت مظلوميتهم في ظل قضاء لازال ضعيفا و مهترئا و غير مستقل.
حامد كمال محمد حيدرة بهائي الطائفة مسجون من 2013 شكى أنه قضاء منها في الأمن القومي 45 يوم في حبس انفرادي، و أنه تعرض للتعذيب طيلة تلك المدة، فيما كان المنتسبون للقاعدة يكتفون بسجنهم انفراديا و تعذيبهم ثلاث أو أربع أيام .. و يشير أن قضيته لدى القاضي علي العميسي رئيس الجزائية المتخصصة، و تهمته أنه بهائي بالإضافة إلى حياكة تهم أخرى منها الردة و أنه إيراني رغم أنه مولود في سقطرى.
و وجدنا هناك أيضا احمد عمر العبادي المرقشي المسجون منذ قرابة عشر سنوات على ذمة القضية الكيدية والأحكام السياسية الملفقة للنيل من صحيفة الايام حيث كان حارسا لمقرها في صنعاء .. و لم نتمكن من زيارة البقية بسبب ضيق الوقت المتاح لنا، و لكن خلاصة زيارتنا تذكرنا للمثل “يا مافي السجن مظاليم”.