الجوع في اليمن تطل برأسها من “تحيتا” تهامة
يمنات
رشيد العديني
لم تعد اليمن على خطوة واحدة من الجوع، بل إن مظاهر الجوع في مديرية التحيتا والمديريّات الواقعة في جنوب مدينة الحديدة تؤكّد أن اليمن دخل فعليّاً مرحلة الجوع. فالمئات من الأطفال والنساء والشيوخ يتضوّرون جوعاً في عدد من مديريّات محافظة الحديدة، التي تحتلّ المرتبة الأولى في قائمة المحافظات اليمنية الأشدّ فقراً.
وانتشرت مظاهر المجاعة جنوب مدينة الحديدة الساحلية، في الآونة الأخيرة، بصورة تنذر بكارثة إنسانية كبرى، قد تمتدّ إلى 19 محافظة من بين 22 محافظة يمنية، تعاني من خطر انعدام الأمن الغذائي الحادّ، وباتت على خطوة واحدة من الجوع، وفق ما تؤكّده تقارير الأمم المتّحدة، وبإجماع كلّ المنظّمات الإنسانية العاملة في اليمن.
البقعة وأخواتها
وكشفت عشرات الحالات المرضية، التي استقبلها مستشفى “الثورة” في محافظة الحديدة، عن تفشّي المجاعة في أوساط سكّان قرية البقعة وستّ قرى أخرى مجاورة لها. فقد دخلت هذه القرى، فعليّاً، مرحلة الجوع الشديد، الذي اجتاح أجساد أطفالها وأنهك قوى شيوخها.
ودفع الأمر بفريق طبّي للنزول إلى القرية، للكشف عن كارثة حقيقية تهدّد حياة الآلاف من المواطنين.
وضع كارثي
مسؤول حملة “أنقذوا تهامة”، الدكتور جمال عبد المغني، أكّد انتشار الجوع والمرض في التحيتا، بشكل لا يمكن تخيّله. وأعاد عبد المغني، في حديث لـ”العربي”، السبب إلى “انعدام أبسط مقوّمات الحياة في هذه المدينة المنكوبة والمنسية، التي لا مستشفيات لا مراكز صحّية ولا كهرباء ولا ماء فيها”.
وأشار إلى أن سكّان منطقة البقعة والقرى الأخرى، التي اجتاحتها المجاعة، “يعيشون في عزلة تامّة عن الجميع، والوصول إليهم يتمّ بصعوبة”.
وحول الوضع الإنساني، نبّه مسؤول الحملة الإغاثية، التي دُشّنت في موقع “فيسبوك” وفي مدينة الحديدة، إلى أن “الأطفال في التحيتا مصابون بسوء تغذية حادّ، نتيجة الفقر المتفشّي في قراها”، مشدّداً على أن “الأطفال المصابين بحاجة إلى معالجة طبّية سريعة، والتعامل معهم كحالة مرضية حرجة”.
وأكّد أن مستشفى “الثورة”، في الحديدة، “لا يستطيع استيعاب هذه الحالات، نتيجة شحّ الإمكانيات”.
متطلّبات إغاثية
وناشد القيّمون على حملة “أنقذوا تهامة”، التي أطلقها عشرات الناشطين الحقوقيّين في مدينة الحديدة مؤخّراً، كلّ المنظّمات المحلّية والدولية العاملة في المجال الإنساني العمل على توفير نظام غذائي متكامل، خاصّ بأمراض سوء التغذية، للمئات من أطفال التحيتا.
وحذّر القيّمون، في مناشدتهم عبر “العربي”، من أن “الظروف المعيشية الذي يعيشها سكّان قرية البقعة، أو القرى الأخرى في التحيتا، لا تمكّنهم من استحصال النظام الغذائي لارتفاع تكاليفه المالية، ولذلك تبدو إمكانية رجوع حالة سوء التغذية واردة جدّاً، في حالة المعالجة، لعدم وجود غذاء صحّي للأطفال”.
ومن أهمّ المتطلّبات الإغاثية لإنقاذ أطفال مديرية التحتا، مكمّلات غذائية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 شهور و8 سنوات، بكلّ أنواعها (حليب مجفّف، سيريلاك، أرزّ مجفف)، ومغذّيات ringer lactate، وفيتامينات (A) (D) (B)، بالإضافة إلى مضادّات حيوية من نوع amoxicillin ،gentamycin، ومضادّات طفيلية.
“الصحّة” تناشد
تبعات الصراع وغياب التوزيع العادل للمعونات الإنسانية، التي يستقلبها ميناء الحديدة وتُوزّع بصورة عشوائية في مناطق أقلّ تضرّراً من التحيتا التي تبعد 10 كيلومترات إلى الغرب من مدينة زبيد التاريخية ويبلغ عدد سكّانها 69.814 نسمة، دفعا مكتب الصحّة في محافظة الحديدة إلى التحذير من كارثة إنسانية، قد تحلّ على سكّان وأطفال قرية البقعة في مديرية التحيتا والقرى المجاورة لها.
ونبّه مصدر في المكتب، في تصريح لـ”العربي”، إلى أن “الوضع الإنساني في تلك القرى، التي ينهش الجوع أجساد الأطفال والنساء فيها بلا رحمة، يستدعي تدخّلاً عاجلاً من قبل السلطات والمنظّمات الدولية العاملة في المجال الإغاثي”.
حالة طوارئ
وطالبت حملة “أنقذوا تهامة” الإنسانية بإعلان حالة الطوارئ في التحيتا، واعتبارها منطقة منكوبة. ودعت الحملة إلى العمل على توفير كافّة آليّات مواجهة المجاعة، من خلال التنسيق المباشر بين المنظّمات الدولية والجهات الحكومية، وتزويد مستشفى “الثورة” في الحديدة بالإمكانيّات لاستيعاب الحالات، وتحويل الحالات الحرجة إلى مستشفيات “الثورة”، “الجمهوري”، “الطفولة” و”الأمومة”، في العاصمة صنعاء، لإنقاذها.