ماذا يعني “الفيتو” الصيني..؟ و هل يؤسس لعودة إلى الشرق الأوسط..؟
يمنات
عبدالوهاب الشرفي
اندهاش واسع خلفه الفيتو الصيني الذي استخدمت به الصين حقها في النقض للاعتراض على مشروع قرار في مجلس الأمن بشأن هدنة في حلب كانت قد تقدمت به اسبانيا و نيوزلندا و مصر.
هذا الفيتو هو الثاني الذي تستخدمه الصين ضد مشاريع قرارات متعلقة بالملف السوري، و هو امر ملفت في اطار السياسة الخارجية الصينية و يحمل رسائل مهمة فيما يتعلق بمستقبل هذه السياسة.
المتابع للسياسة الصينية يجد انها كانت تفضل الاقتصار على شأنها الداخلي و تتحاشى بقدر كبير التدخل في ملفات النزاع الخارجية و تلزم الحياد تجاهها غالبا، و يمكن ادراك تفضيلها الحياد في سياستها الخارجية بوضوح من خلال علاقاتها الدولية التي تجمع فيها النقائض من روسيا إلى امريكا و من ايران الى تركيا و من السلطة الفلسطينية الى الكيان الاسرائيلي. فالصين لها علاقات استراتيجية قوية مع كل الاطراف المتناقضة تقريبا.
حالة التفضيل في سياسة الصين الخارجية المنطلقة من عوامل سياسية بحتة كانت في حالة واحدة هي موقف الدولة المقابلة من الاعتراف بتايوان سعيا منها لفرض الحصار عليها، باعتبار تمسك الصين بها كجزء من اراضيها، و في غير مسألة تايوان لم تكن المعايير السياسية محل حضور في العلاقات الخارجية الصينية بقدر ملحوظ، و كانت الغلبة هي للمعايير الاقتصادية و لسياسة التعاون المشترك.
تحوّل الصين اقتصاديا الى اقتصاد السوق دفع بالصين للتّواجد في اكثر من مكان في العالم، و تبعا لهذا التحول نشطت الصين في السعي لتوفير الموارد و لتوفير الاسواق، و بين الموارد والاسواق تخلّقت الاستثمارات الصادرة والواردة من الصين و إليها، وظل الاقتصاد هو الحاكم لسياسة الصين الخارجية بدرجة رئيسية مع رفع مستوى دورها الدافع باتجاه احلال السلام في العالم.
تشعر الصين بهيمنة امريكية مزعجة نتيجة مواقف الولايات المتحدة في العديد من الملفات التي تشهد منازعات مع الصين كـ”تايوان” و اليابان و الفلبين، و مع الانزعاج الصيني من الدور الامريكي في ملفات مهمة منها ما تراه سياديا كتايوان الا انها لم تنزع يوما ما للمنافسة على الهيمنة السياسية مع الولايات المتحدة، و ان وجِدت في منافستها اقتصاديا بصورة غير انتزاعيّة.
اصبح للصّين مصالح اقتصادية في الخارج بقدر كبير، و بات أمن الموارد و أمن الاسواق و أمن الاستثمارات في طليعة اهتماماتها، و أمر متعلق بأمنها القومي بصورة مباشرة لما سيخلفه اي اضطراب في هذه المجالات من اضرار على اقتصادها و دخلها القوميان، و هذا الوجود الكبير للمصالح الصينية في الخارج فرض عليها تغيير منطلقات سياستها الخارجية لاعتبارات حماية هذه المصالح التي تتأثر بمختلف الاحداث في مناطق تواجدها.
منطقة الشرق الاوسط هي واحدة من اهم المناطق للصين كونها تضم نسبة كبيرة من الموارد اللازمة للاقتصاد الصيني و النفط في المقدمة بالطبع. و أيضا من الاستثمارات المتبادلة لها من و إلى الشرق الاوسط، و كذلك من الاسواق ذات القدرة الشرائية العالية، و ما يتصل بذلك من أمن المعابر الهامة و الحيوية في منطقة الشرق الاوسط.
أهمية منطقة الشرق الاوسط للاقتصاد الصيني هذه جعلت الاحداث التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط ذات اثر مباشر على الصين، و أصبح تفاقم هذه الاحداث مهددا مباشرا لأمن الصين القومي، و بات من الملزم حفاظا عليه ان تتدخل الصين لمنع او للحد من اي تطورات تهدد الأمن و الاستقرار في المنطقة ستنعكس اذا ما وقعت على الصين بصورة مباشرة.
ظلت الصين قوة ناعمة طوال الفترة الماضية، و في منطقة الشرق الاوسط كانت تبحث عن الفرص البينية للاستثمار و تتجنب المنافسة الحادة مع الغرب و امريكا فيها، كما لم تكن تعمل لفرض فرصها الاقتصادية عبر سياستها الخارجية في منطقة الشرق الاوسط.
نافست الصين الغرب و أمريكا في المنطقة في حدود الممكن، و دون ان تصل بها الى المنافسة على الهيمنة السياسية فيها، و هذا الامر كان مجديا لتكوين مصالح للصين في منطقة الشرق الاوسط، و لكن الأمر اختلف بعد تكوينها و لم تعد المهمة الآن تكوين المصالح بقدر ما اصبحت حماية تلك المصالح بدرجة رئيسية، و حمايتها امر متعلق بالأمن و الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط بشكل مباشر.
لم يعد من الممكن للصين في سبيل حماية مصالحها في الشرق الاوسط ان تظل دون تفضيلات سياسية لها متعلقة بالأمن و الاستقرار في المنطقة، و بالتالي اصبحت المنافسة على الهيمنة فيها أمرا لا يمكن للصين ان تتجنبه بعد الآن.
تشهد سوريا احداث ملتهبة منذ سنوات وهي احداث بطبيعتها متعلقة بالأمن و الاستقرار ليس في سوريا و حسب وانما في محيطها ايضا بل وفي منطقة الشرق الاوسط ككل، و كان لابد للصين من ان يكون لها موقف تجاه تلك الاحداث لاعتبار الاثار المترتبة عليها و على تطوراتها المحتملة، و قد تعاطت الصين بشكل ملحوظ مع الملف السوري منذ وقت مبكر.
تفاعلات الملف السوري ذهبت بعيدا و أصبح الارهاب احد التفاصيل ذات الصلة بهذا الملف بدرجة رئيسية، و الارهاب بدوره هو المهدد الاول لأمن و استقرار الشرق الاوسط و للعالم ككل، و ترى الصين ان من واجبها للدفاع عن مصالحها ان تدخل بدور محوري في الحرب على الارهاب. و من هنا وجد الاهتمام المشترك لها مع روسيا في المنطقة كونها ترى ان روسيا اكثر جدية في محاربة الارهاب لخشيتها من ارتداد الارهاب عليها و تكرار سيناريو انهيار الاتحاد السوفياتي.
تعاطت الصين مع مسألة الحرب على الارهاب بجدية وصلت لتوقيع اتفاقية مع روسيا للاشتراك سويا في هذه الحرب في منطقة باب المندب في البحر الاحمر و ذهبت لإقرار هذه الاتفاقية مؤخرا من مجلس الشعب الصيني، ما يعكس الاعتناء العالي من قبلها بهذه الحرب.
خطر الجماعات الارهابية واحتمالات التطورات في الملف السوري المهددة للأمن و الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط الحيوية بالنسبة للصين، فرضت عليها ان تبدأ المنافسة على الهيمنة في المنطقة و البداية من الملف السوري لكونه اكثر الملفات احتمالا للتطورات الضاربة للأمن و الاستقرار في المنطقة.
استخدام الصين لحق النقض بحد ذاته ليس عملا عاديا لأنه يقف امام مصالح الدول التي تتقدم بقرار لمجلس الامن، و هذا الامر كان نادر الحدوث في السياسة الخارجية الصينية غير النازعة للمشادات و التنازع، فضلا عن المواجهة السياسية.
استخدام الفيتو لمرتين فيما يتعلق بالملف السوري بالذات هي حدة أعلى بكثير من استخدامه في أي ملف اخر كون الملف السوري باتت تتجاذبه القوى العظمى بشكل مباشر و حاد ضمن صراعها حول النظام العالمي، و لذلك يمثل استخدام الصين للفيتو في الملف السوري لمرتين نقلة حادة في السياسة الصينية الخارجية.
لم تكن الصين لتستخدم الفيتو في الملف السوري بالذات دون ان تحسب ذلك جيدا، و استخدامه لمرة من قبل و تأكيد استخدامه للمرة الثانية للاعتراض على مشروع قرار الهدنة الاخير في حلب هو اعلان صريح بقرار صيني محوري في اطار سياستها الخارجية ستغادر بموجبه مرحلة القوة الناعمة وستدخل مرحلة المنافسة على الهيمنة السياسية في منطقة الشرق الاوسط و من بوابة الملف السوري.
رئيس مركز الرصد الديمقراطي – اليمن
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا