انفصال الجنوب بين تحركات ابن مبارك من واشنطن ولقاء بيروت المحاط بتعتيم اعلامي .. فهل ينجح قادة الحراك في تحقيق غايتهم..؟ ومن هي الدول التي تقف إقليمياً وراء الأمر ومدى استفادتها..؟
يمنات
معاذ منصر
إرتفعت مؤخراً الأصوات المحذرة من التقسيم الذي قد يسلكه اليمن في القريب العاجل، خصوصاً كلما تعقدت الحلول السياسية واستمرت الأطراف اليمنية بعيدة من طاولة الحوار وقبولها بتقديم التنازلات، حيث يظهر كل طرف في اليمن كما لو أنه يريد أن يقتطع له قطعة جغرافية من البلد، من خلالها يحقق مكتسبات سياسية واقتصادية. مع هذا الارتفاع المتزايد للمخاوف يرتفع صوت “الانفصال”، معززاً بمواقف سياسية لقيادات سياسية ودبلوماسية، بعضها يعمل في صف الشرعية، ويتولى مناصب قيادية مهمة، الأمر الذي تتكشف معه المواقف والتحركات بصورة صادمة ربما وباعثة على القلق.
الدعوة إلى الانفصال هي دعوة قديمة، وربما يمر على بدايتها سنوات طويلة، وتحديداً منذ قيام حرب صيف 94، الحرب التي بقيامها رأت مكونات وقيادات جنوبية أن الجنوب تحول إلى غنيمة حرب طالت كل شيء، الاقتصاد والسياسة والثقافة والتاريخ والدولة والنظام والقانون. وعلى الرغم من تغير الظروف السياسية والعسكرية في اليمن، ودخول البلاد في مراحل سياسية جديدة يفترض أن تتغير معها الرؤى والحسابات والدعوات، إلا أن هذه الدعوة ظلت ما بين مرحلة وأخرى محل تطور حتى يومنا هذا. لن نذهب نحو استعراض مراحل هذا التطور تاريخياً، لكننا نركز على بعض المواقف التي طرأت وتطرأ على هذا الطريق الذي تبدو أطرافه كثيرة ومتشابكة، بما في ذلك المواقف التي تحدث هنا أو هناك.
كثيرة هي التحليلات والقراءات السياسية التي تتحدث عن ورقة الانفصال، وكذلك المواقف من هذا الملف. والمثير للدهشة ربما هي تلك المواقف التي تصدر من قبل أطراف وقيادات تعمل مع الرئيس هادي في صف الشرعية، والتي يفترض أن تكون مواقفها مؤيدة لمواقف هذا الرئيس والطرف الذي يعمل معه، والذي يطرح فكرة دولة اتحادية مكونة من ستة أقاليم.
آخر هذه المواقف السياسية كانت تلك التي ظهرت من واشنطن، وتمثلت بظهور الثنائي أحمد بن مبارك، سفير اليمن في واشنطن، وخالد اليماني، سفيرها في الأمم المتحدة، في احتفالية لمجموعة من أبناء الجنوب، في إحدى الولايات الأمريكية، وتحت مظلة العلم الجنوبي.
ظهور خلق جدلاً واسعاً وكبيراً في الأوساط السياسية والدبلوماسية، وقال عنه مراقبون إنه لا يمكن اعتباره استمراراً روتينياً بليداً للسجال السياسي المعهود، ففيه برزت بوضوح عناصر المشهد، من دون غطاء، باعتبار أن ما جرى فعلاً لم يكن في إحدى قرى الضالع أو ردفان أو دثينة، وإنما في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن ما قام به الثنائي هو محاكاة لما يحدث في عدن من خطوات وترتيبات انفصالية تمهد لقيام دولة “الجنوب العربي” طبقاً لأولئك المراقبين الذين تساءلوا عما إذا كان الجنوب قد حسم أمره.
الجدل الواسع الذي أثاره سفير اليمن في واشنطن، أحمد عوض بن مبارك، ذكر الكثير من اليمنيين بالظهور المفاجئ والكبير للرجل في فترة الحوار الوطني، حيث برز بن مبارك في أهم دوائر صناعة القرار السياسي في الدولة، وتم تعيينه الأمين العام للحوار الوطني الشامل، ولأن بن مبارك لم يكن معروفاً مسبقاً في المسرح السياسي اليمني، ولم يكن ينتمي إلى حزب، وليس له نشاط سياسي سابق، ذهب الكثير من السياسيين إلى التساؤل عن هذا الشخص ومن جاء به؟ وكيف؟
ظل ابن مبارك مستمراً في نشاطه، وظل ملازماً ومرافقاً للرئيس هادي في كل تحركاته وفي كل الفعاليات السياسية، ومن ثم جرى تعيينه مديراً لمكتب الرئيس، ومن ثم كان يحضّر لأن يكون رئيساً لحكومة الوفاق الوطنية، كبديل لمحمد سالم باسندوة، إلا أن معارضة بعض المكونات السياسية عطلت ذلك.
مصادر سياسية قريبة من دوائر صناعة القرار كشفت لـ”العربي” عن أن هناك شخصيات سياسية في اليمن ظهرت إلى السطح وشدت انتباه الكثيرين، ولكن بعض هذه الشخصيات التي كانت تقترب من رئيس الجمهورية، عبد ربه منصور هادي، اتضح أنها “تشتغل مخابرات لبعض دول في المنطقة والعالم” (على حد زعم المصادر)، وهذه الشخصيات “طبقاً لمعلومات دقيقة” ظلت مؤثرة على الرئيس هادي، وتأثيرها كان سلباً وليس إيجاباً، وأحمد عوض بن مبارك “أحد هؤلاء”.
وفي حين قالت المصادر إن الرجل “غريب وغامض”، ودخل في المشهد السياسي “بطريقة غامضة”، أكدت المصادر أنه “تم الدفع به من قبل الأمريكان”، وأن معظم “التشوه” الذي حصل في المشهد السياسي اليمني “كان بسببه”، حيث كان يرسم ويهندس سياسة الرئيس هادي “بما يتماشى مع سياسية الأمريكان”. وبعد أن بدأ دوره ينكشف في الداخل اليمني طلب الرجل أن يكون سفيراً في أمريكا حتى يستكمل الدور، ودائماً وفق المصارد نفسها. “وبالفعل الآن يقود عملاً مخابراتياً من واشنطن ضد اليمن، والظهور الفاضح له قبل يومين في فعالية يرتفع فيها علم التشطير، دليل واضح على اللعبة التي وجد لأجلها”، تعقب المصادر.
قيادي وناشط سياسي آخر، وهو من ضمن أعضاء مؤتمر الحوار الوطني، كشف لـ”لعربي” عن أنه خلال فترة مؤتمر الحوار الوطني عرض عليه بن مبارك، وعن طريق شخصية مقربة منه وضمن دائرته في تلك الفترة، أن يكون “مخبراً لأمريكا” وجرت المحاولات عليه، ولكنه رفض ذلك وقال لهم بالحرف “أجوع يوم وأشبع يوم ولا أدخل هذا المجال”، وطبعاً يبقى كل ما تقدم نقلاً عن المصادر السياسية الرفيعة، وهو ما لا يستطيع “العربي” تبنيه مطلقاً، لعدم وجود أدلة دامغة.
من يحرك ورقة الانفصال في عدن محلياً وإقليمياً؟
سياسيون أيضاً يتساءلون إذا ما سلمنا بأن كل ما جرى ويجري في اليمن منذ 19 شهراً هو بسبب الخروج على سلطة شرعية، بموجب الدستور، والقوانين المحلية، والدولية، كيف يمكن فهم رعاية صاحب هذه الشرعية لفعالية في عدن تندد باليمن الموحد وترفع الأعلام الانفصالية وتدوس الدستور والعلم الوطني بأقدام المشاركين فيها؟ والمستغرب، لدى هؤلاء، أن كل هذا جرى تحت سمع وبصر هادي ورئيس وزرائه اللذين كان حضورهما يمثل مباركة صارخة لتلك الفعالية التي تنقلب على كل الثوابت الوطنية.
وعلى النهج ذاته، وبعد يوم واحد من تلك التظاهرة التي جرت في عدن للمطالبة “بالاستقلال من الاحتلال اليمني”، بمباركة هادي ورئيس حكومته، ظهر محافظ عدن، خلال حفل تكريم أوائل طلاب جامعة عدن صباح اليوم الذي تلا يوم الاحتفالية، والمعين بقرار جمهوري من الرئيس هادي، وخلال كلمته أمام الطلاب يهزأ من الذين كانوا يرفعون علم الجمهورية اليمنية، من قيادة الجامعة، خلال هذا الحفل، ولم يكتف بذلك، بل قام برفع علم دولة الجنوب (السابقة) والاعلان أمام طلاب الجامعة بأن استقلال الجنوب أصبح واقعاً. تصرفات محافظ محافظة عدن، عيدروس الزبيدي، المعين بقرار جمهوري من “رئيس اليمن الموحد”، لم تتوقف عند إلزام كل مؤسسات الدولة في المحافظة برفع علم الجنوب فحسب، بل سبقتها ممارسات عنصرية تمثلت بترحيل أبناء المحافظات الشمالية من محافظة يفترض أنها جزء لا يتجزأ من وطنهم.
لكن السؤال الأهم، والذي يقفز لذهن أي متابع للأزمة الحالية في البلاد، سواء كان مؤيداً أو رافضاً لدعاوى فك الارتباط، هو هل ينجح قادة الحراك في تحقيق غايتهم التي يعولون على مكاسب من خلالها؟ وما هي تلك المكتسبات؟ ومدى التأييد الدولي لها؟ ومن الدول التي تقف إقليمياً وراء الأمر ومدى استفادتها؟ ودور الشعب الجنوبي في مرحلة ما بعد فك الارتباط في حال حدوثه؟
يجيب بعض المتابعين أنه “لا بد أن يدرك الجميع أن المجتمع اليمني على الرغم من بساطته، فهو معقد بشكل كبير أيضاً، وذو خصوصية كبيرة، ما يجعل التنظير أمراً سهلاً لكن الواقع غير ذلك، خصوصاً أن عملية فك الارتباط بين الجانبين قائمة حالياً بالفعل، بعد الأزمة الأخيرة والانقلاب الحوثي، ونجاح المقاومة الجنوبية في تحرير عدن، وأصبحت هناك مناطق واسعة في جنوب اليمن تدار من قِبل قوى الحراك الجنوبي اليمني، لكن في المقابل هذا الحراك لا يزال كياناً غير متماسك، ومستقطب إقليمياً، ويعاني من تعدد المشاريع والخلافات التاريخية بين قياداته”.
على الأرض، وطبقاً لمحللين، هناك تجمعات يومية ومطالبات، منذ مليونية 14 أكتوبر 2014 احتفالاً باستقلال الجنوب عن الاحتلال البريطاني، تدعم فكرة الانفصال، واستعادة دولة الجنوب وعاصمتها عدن، لكن دولياً لا يرى المحللون إمكانية توافر دعم إقليمي، سوى الموقف الإماراتي، إلا في إطار دعم الفيدرالية، كمخرج مؤقت للأزمة، وليس تكريساً لدعاوى الانفصال. لكن في المعلومات التي بحوزة “العربي”، فإن مستجدات دولية طرأت على هذا الصعيد، أبرزها تنظيم الاتحاد الأوروبي مؤتمراً ضخماً في العاصمة اللبنانية بيروت، استقطب طيفاً واسعاً من الجنوبيين والوجوه السياسية الممثلة لمختلف التيارات، بهدف استمزاج رأيها للحل. وقد أحيط المؤتمر، بشكل مريب، بتعتيم إعلامي أصر عليه المنظمون.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا