سوريا وإسرائيل وهدايا السماء!
يمنات
آزال مجاهد
بعد الموصل، في العراق، حسمت حلب أمورها بإتجاه استعادة التبعية للتراب السوري. يجري ذلك، بغض النظر عن تبعية النظامين السوري/العراقي لأي من المعسكرين المتصارعين في منطقة الشرق الأوسط، برعاية دولية، تماما كما كان قرار خطف المدينتين منذ سنوات.
خمس سنوات كانت كفيلة بصناعة نظام حكم شبه رسمي، في حلب لوحدها، وهي المنطقة التي تعد الأكثر أهمية بعد ريف حمص الغربي، سياسيا واستراتيجيا، بالنسبة لدعاة الديمقراطية ومناصريها العرب والأجانب منذ ما بعد العام 2010 إذا ما كان هناك ثمة مشروع سياسي حقيقي واضح المعالم.
لم يحدث، لسبب أو لآخر، بعد مضي أكثر من خمسة سنوات على إنطلاق ثورة الشباب السلمية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أن برزت ملامح مشروع سياسي واضح، تتبناه قوى المعارضة، فجرى أن تحولت مقومات الثورة، بعد بروز عدة مسببات إقتصادية/سياسية جوهرية إلى حرب حقيقية بين النظام السوري، كطرف، وأنظمة إقليمية وعالمية أخرى، كطرف آخر.
بعيدا عن ضحايا الطرفين، الجميع يتفق بأن الحرب هي أكثر الأمثلة السيئة للحلول، مهما كانت ناجعة، فالحرب هي الحرب.. دم ونار ودمار للحرث والنسل ولكل ماله علاقة بمظاهر الحياة.
طيلة الخمس سنوات الماضية، تلقى النظام السوري، دعما واضحا من دول ما تسمى ب “محور الممانعة” التي تقودها إيران، بشكل علني، وبدعم سياسي وعسكري من الحليف الروسي، وما خضع للمحور الإيراني من دول المنطقة، وهي عدديا تبدو متواضعة، أمام دول ما بات يعرف ب “محور التطبيع” وعلى رأسها السعودية، ظاهريا، وقطر وما تبقى معها من دول العالم العظمى، بصورة مبطنة، وهي الدول التي لعبت دورا محوريا في دعم الجماعات المسلحة “المتطرفة” بعد تجميعها من كل مكان في العالم للقتال في صف عدد قليل، مقارنة بالأجانب، من “الثوار السوريين” أصحاب الأرض الذين كانوا ينتظرون الفرصة السانحة طيلة تلك الفترة لتهبهم السماء هدية أسمها سوريا الجديدة.
بعد نحو أكثر من خمس سنوات، سقط فيها مئات الآلاف من السوريين، موتى، وهاجر ملايين منهم، نصف أحياء، واختار الملايين منهم البقاء في صراع بين الموت والحياة، سقطت حلب في قبضة النظام السوري أخيرا، النظام الذي لم يكن مطلوبا منه، كنظام حاكم بالتأكيد، ما زال ممثلا لدى مجلسي الأمن والأمم، أن يتنازل عن أرضه لجماعات مسلحة، مهما كان انتماءها، تحت قوة السلاح، بعد أن توارى الثوار بشعاراتهم خلف أزيز الرصاص ودوي المدافع.
في صبيحة يوم 15 مايو/أذار 1948 كانت السماء تعد لمفاجأة غير سارة، للعرب، وليس للعالم، حينما أستطاع بضعة مئات من الرجال، المنتمين جميعهم لجماعات دينية مسلحة “متطرفة” تم استقدامها من كل مكان في العالم، من طرد وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، بعد قتل عشرات الآلاف منهم، بدعوى إقامة الدولة اليهودية المنشودة لبني إسرائيل، على الأرض الفلسطينية.
حينئذ، لم تكتفي السماء بصنع المفاجأة، بل عملت على تطوير حجمها، صنعت منها كارثة حقيقية، وقدمتها كهدية للبشرية، بعد أقل من عام.
ففي صبيحة 11 مايو/أذار 1949 أعلنت الأمم المتحدة اعترافها بدولة إسرائيل، كدولة عضوة، ومعترف بها لدى المجلس الأممي، وهو الأمر الذي عملت من أجله، كل الدول الداعمة لتلك الجماعات المسلحة، الدينية، المتطرفة، بما فيها دولا عربية وإسلامية، فضلت آنذاك، التفرغ لبناء دولها الوليدة، وعد الدولارات، عوضا عن عد جثث الشهداء الفلسطينيين!
بعد (67) سنة مرت على نجاح الجماعات اليهودية المسلحة في إنشاء دولتها بفلسطين، لم تتمكن الجماعات المسلحة بشقيها العسكري/الديني، في سوريا، طيلة خمس سنوات، من خلق (مشروع) حياة، في حده الأدنى، مساوي لذلك الذي يقوم بتوفيره الأسد، في مناطق سيطرته. المشروع الذي وبغض النظر عن مدى دمويته، إلا أنه استطاع أن يضمن لإسرائيل، لاحقا، إحتراما لدى العرب، قبل أن يحولها أمام العالم إلى أكثر دول المنطقة ديمقراطية!
الديمقراطية الوهمية المبنية على اغتصاب الأرض، وتشريد وقتل وملاحقة مالكيها، تمكنت، بمساعدة محيطها العربي، أن تقدم نفسها كمثال للتقدم والتطور والازدهار، والرخاء.
استطاعت الديمقراطية الإسرائيلية أن تتباهى وتصنع من نفسها نموذجا يحتذى به، رغم دمويتها التي عانى منها كل العرب، وليس الشعب الفلسطيني فحسب، من خلال إغراق المنطقة بالحمقى! أبرزهم من حاول إقناع العالم بأنه لا يريد للشعب السوري سوى الديمقراطية، في الوقت الذي يقوم فيه بإلقاء القبض على “مغرد” تويتري سب الذات الملكية! أي والله.
الحقيقة التي فرضت نفسها، بعد كل هذه السنوات، تتحدث بأنه لم يكن ممكنا لأي من الدول الراعية، للجهود التحررية في سوريا، ولا للجماعات المسلحة، العسكرية والراديكالية، أن تقدم، ولو بحدود متواضعة، للسوريين، على مدى أكثر من خمس سنوات، مثالا حيا للديمقراطية حتى في أكثر المدن السورية حداثة.
من هنا كان لزاما على الدولة السورية أن تترك حلب، وما تبقى من مناطق واقعة تحت سيطرة المسلحين المناوئين لها، على كثرتهم، لتذوب في أيدي صائغ غبي، مثل أي قطعة ذهب ثمينة، أرغم صاحبها على إعادة تصنيعها مرة أخرى، رغم عدم حاجته لذلك، فكان أن تم ارغامه على التعامل مع ذلك الصائغ الذي لا يعرف بأن الذهب لا يمكن له وأن يفقد قيمته، كان هذا أمر جيد، بالنسبة لصاحب القطعة، للسوريين قبل الأسد، ولسوريا “الوطن” الذي قرر العرب أن يضحو به، ليس لشيء، سوى لأنه لا يعد أنموذجا مثاليا للديمقراطية في الشرق الأوسط؛ لم يتمكن من أن يصبح كإسرائيل، لم يبهرهم، قبل أن يبهر ما تبقى من دول العالم، بديمقراطيته الفريدة!
هذه الحقيقة التي أرادوا لنا أن نعرفها، بعد أكثر من خمس سنوات: لا وجود لدولة ديمقراطية حقيقية في الشرق الأوسط سوى إسرائيل.
الدولة التي صنعتها السماء فجر ذات يوم لتقديمها كهدية لليهود عندما كان العرب ما يزالون يغطون في نوم عميق.
حاول العرب، بعد أن أفاقوا من نومهم، أن يصنعوا من سوريا هدية، على طريقتهم الخاصة، فما كان من السماء إلا أن أعادت حلب للسوريين، قبل إعادتها “سوريا” للعرب كهدية!
كانت تلك حكاية سوريا، إسرائيل، وهدايا السماء.