العرض في الرئيسةفضاء حر
الإسلام دين .. لا دولة
يمنات
مكرم العزب
ابدأ بسمه تعالى مؤكدا إيماني المطلق بالله ورسوله, ومشهدا بأن لا إله إلاّ الله وبأن محمد بن عبد الله عبده ورسوله ودافعي لكتابة هذا الموصوع هو توضيح للبس واللغط الذي وصلنا إليه في مجتمعنا بتحميل الدين الإسلامي ماليس فيه وظهور الصراعات بين الأمة الواحدة والوطن الواحد باسم الدين وبمفاهيم دينية مغلوطة عن الخلافة والحكم اضافة ﺂلى اكتفاء الكثيرون من خريجي الجامعات العربية بما حفظوه في المناهج الدراسية بالمستويات التعليمية المختلفة, أو تلقوه من معارف في الأطر الحزبية الضيقة , او تلقوه عبر وسائل إعلامية رسمية صنعت عقول الأغلبية منهم بما يخدم توجهات الانظمة المستبدة في بلداننا العربية وعبر التاريخ , حيث تستفيد هذه الانظمة من تغييب العقل العربي لتظل في بحبوحة من الاستفراد بالسلطة والحكم, عاملة على صد وإغلاق كل منافذ التنوير ومعرفة الحقائق.
ورغم كل ما يتوفر من اساليب التنوير وإمكانية الإلمام بالمعارف وتأصيلها ما زال المواطن العربي يعيش بعقلية الأزمنة الغابرة .
وفي هذا الموضوع سنحاول ان نوضح بعض المفاهيم التي ألتبست على الكثيرين , وسنبدأ بتوضيح موجز لظهور مصطلح الإسلام السياسي , ماضين بالتعريف للمصطلح , وظروف ظهوره ونشأته خارج ” الوطن العربي ” وانتقاله إلينا كرد فعل بعد تفكك ما عرف ب “الخلافة العثمانية ” وزاد اتساعا مع ظهور الجماعات الدينية التي جعلت من الإسلام شعارا لطموحاتها السياسية من مثل : “الإسلام هو الحل ” و” الحاكمية الإلهية ” و” جاهلية القرن العشرين ” فمصطلح ” الإسلام السياسي” أستخدم سياسيا وإعلاميا وأكاديميا لتوصيف حركات تغيير سياسية تؤمن بالإسلام باعتباره “نظاما سياسيا للحكم”.
ويرى بعض “المسلمين الأصوليين” بأن الإسلام “ليس عبارة عن ديانة فقط وإنما عبارة عن نظام سياسي واجتماعي وقانوني واقتصادي وطبي وعلمي يصلح لبناء كل مؤسسات الدولة”.
ويعتقد معظم المحللين السياسيين أن نشوء ظاهرة الإسلام السياسي يرجع إلى المستوى الاقتصادي المتدني لمعظم الدول في العالم الإسلامي… والمتتبع لنشوﺀ حركة الإسلام السياسي بمفهومها الحديث.
فقد بدأت بعد انهيار الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى وقيام مصطفى كمال أتاتورك بتأسيس جمهورية تركيا على النمط الأوروبي العلماني وإلغائه لمفهوم الخلافة الإسلامية. و يعتبر أبو الأعلى المودودي (1903 – 1979) من الشخصيات الدينية البارزة في تاريخ باكستان وكان المودودي متأثراً بحركة “ديوباندي” في الهند.
نادى المودودي بإقامة دولة إسلامية مستقلة عن الهند على أساس ديني, ثم تأثر به سيد قطب الذي ينتمي لحركة الإخوان المسلمين. ويمكننا القول بأن الجماعات الدينية فشلت إلى الآن بتقديم انموذجا في الوطن العربي لتنفذ رؤاهم وافكارهم وتنظيراتهم لتكون مترجمة للشعارات التي يرفعوها , ونورد لكم هنا مثالا عن الإسلام السياسي في تركيا, انظروا التناقض بين دولة يحكمها الاسلاميون – كما يشاع – وبنفس الوقت يمارس فيها البِغاﺀ في الشوارع, وتمنح الدولة المومساﺀ رخصا لمزاولة تلك الأعمال, مع فرض قوانين الضرائب عليهن. ويرى بعض المحللين أن مشاريع الإسلام السياسي قد فشلت في طرح أسلوبها ما أن وصلت للحكم, فيشير الكاتب فرج العشة في كتابه “نهاية الأصولية ومستقبل الإسلام السياسي” كيف أن جماعات الإسلام السياسي المسلحة استخدمت شعارات محاربة فساد الدولة والاستبداد إلى استخدام ممارسات العنف والإجرام ضد الدولة ومواطنيها.
كما أشار إلى أن فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا والذي يصنف على أنه من جماعات الإسلام السياسي ماهو “الا اعلانا مدويا عن نهاية الإسلام السياسي وليس انتصارا ساحقا له” مشيرا إلى أن زعيم الحزب رجب طيب أردوغان قد انقلب على الأيديولوجيا التقليديا السابقة للحزب، بسبب تأثره بكتابات المفكر الإسلامي التونسي الشيخ راشد الغنوشي كون الحزب يمارس السياسة حسب المسار العلماني كما أن برنامجه الانتخابي سياسي صرف يفصل الدين عن السياسة وأن ذلك لايعني فصل الدين عن المجتمع، لدرجة أن عبد الله غول الرئيس التركي وهو نائب أردوغان في الحزب اعترض على تسميتهم بالإسلاميين وقال “لا تسمونا إسلاميين, نحن حزب أوروبي محافظ حديث لا نعترض إذا وصفنا بأننا ديمقراطيون مسلمون على غرار الديمقراطيين المسيحيين في البلدان الأوروبية الأخرى”.
أما عن مفاهيم القرآن للدين والملك والنبوة فجدير بنا. أن نبدأ بقول الشيخ محمد عبده. : يجب أن يُفهم القرآن الكريم علي الأساس الذي كانت تفهمه عليه العرب وقت نزوله, من حيث فهم الألفاظ اللغوية والعبارات الأدبية ” نحن نتسأل هل الدبن الاسلامي جاﺀ من أجل بناﺀ دولة. أم رحمة للعالمين ؟,هل كان رسولنا متمما لمكارم الأخلاق , كما قال عليه الصلاة والسلام : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق … وهل أقتصرت الرسالة المحمدية علي قوم دون أخرين ؟ ما أركان الإسلام كما اوضحها الرسول عليه الصلاة والسلام.
وكما في حديث أسئلته لجبريل عليه السلام , فقال محمد عليه السلام في ختامه , هذا جبريل جاﺀ يعلمكم أمور دينكم ؟ لماذا لم يأت قيام دولة دينية إسلامية ركنا من أركان الإسلام ؟ ما التناقض في فهم النصوص الإسلامية. التي قال عنها نبينا وحبيبنا المصطفى:” تركتكم على المحجة البيضاﺀ ليلها كنهارها , لا يزيغ عنها إلا هالك”.
لماذا حشرنا ديننا الإسلامي في السياسة فخسرنا الدين وخسرنا الدنيا ؟ ماذا لو ظل المسلمون متمسكون بمفاهيم الإسلام الصحيحة , وكنا دعاة رحمة للعالمين, ندعو إلى التوحيد , ونشر أخلاق الرسول في كل المعمورة دون أن نكون طامعين في حكم الأمم الاخرى ؟
من منطلق هذه الاستفهامات والاستفسارات نعود لنؤصل لمفهوم الدولة فهما صحيحا كما ورد في القرآن الكريم . فتعالوا لنقرأ في القرآن الكريم مفهوم النبوة والملك والرسالة, ففي القرآن الكريم أن الله تعالى كان يمنح الملوك من الحقوق الإلهية مثل ما يمنح الأنبيا والمرسلين , وفيه أيضا أن المولى كان يصطفي من الناس ملوكا كما كان يصطفي رسلا فقد ورد في سورة البقرة أية 247 ” وقال لهم نبيهم : ٱن الله قد بعث لكم طالوت ملكا, قالوا : أنى يكون له الملك علينا, ونحن احق بالملك منه, ولم يؤت سعة من المال, قال : إن الله أصطفاه عليكم, وزاده بسطة في العلم والجسم, والله يؤتي ملكه من يشاﺀ, والله واسع عليم ” ومن الأية القرآنية نستنتج أن الله اختار طالوت ملكا بعد أن أصطفاه وبعث به إلى قومه ملكا, لا نبيا ولا رسولا, وأيده بالأية التي تثبت انه من مبعوثي العناية الإلهية , والأيات تؤكد أنه بعث في ظل وجود نبي وهذا يعني أيضا وجود النبي والملك في الوقت الواحد والمكان الواحد, النبي الذي يتولى الامور الدينية والملك الذي يتولى الامور السياسية الزمنية, وإن استمد كل واحد منهم سلطته من الله .
كما أن في القرآن الكريم آيات تؤكد حقيقة أخرى هي : أن الله سبحانه وتعالى كان يجمع في بعض الحالات بين السلطتين الدينية والسياسية في شخص واحد ويجعل من هذا الشخص النبي الملك أو الملك النبي, وفي القصص القرآنية نقرأ بأن دأود وابنه سليمان عليهما السلام كانا يجمعان بين النبوة والملك وكان كل واحد منهما نبيا وملكا في قومه وفي الوقت ذاته , فسليمان كان ملكا نبيا , فقد كانت ظواهر الملك تبرز فيما قصه الله عنه أكثر مما تبرز ظواهر النبوة, ففي القرآن أن سليمان عليه السلام قال لربه : ” هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ” وقال تعالى في سورة النحل : ” وورث سليمان داود وقال : يا ايها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ, إن هذا لهو الفضل المبين ” من الشواهد السابقة يتأكد لدينا أن دأود وسليمان قد جمعا بين سلطتي ” النبوة والملك ” و ” الملك والنبوة ” في نظام واحد وبمجتمع واحد. وبعد هذا التوضح نصل إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام, فنسأل : فهل كان محمد عليه السلام نبيا ورسولا, ليس غير, ؟وعند ذلك يكون. الاسلام دينا فقط. أو هل كان محمد عليه السلام نبيا ملكا أو نبيا زعيما أو رئيسا ؟ وبالتالي يصح ما يقال بان الإسلام دين ودولة. بالصراحة كل المعاني القرآنية التي بحثنا عنها في قواميس اللغة من لسان العرب إلي تاج العروس توكد لنا بان الدين لا يعني الملك, والملك غير النبوة وغير الرسالة.
والحقيقة أن كتب السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي تكاد تجمع على أن محمدا عليه الصلاة والسلام قد رفض ما عرض عليه الملأ من أهل مكة من أمر تمليكه إن أراد الملك , بشرط أن يترك دعوته تلك, لكنه أصر على موقفه ولم يقبل بهذا العرض.
والقرآن الكريم يطلب إلى النبي عليه السلام أن يقول لأهل مكة هذا القول الوارد في سورة الأنعام الأية رقم ” 50″ فقال : ” أن أتبع إلا ما يوحى إليّ, قل هل يستوي الأعمى والبصير , أفلا تتفكرون ” ( من كتاب البديع لابن خلوية, المطبعة الرحمانية عام 1934 , ص 37 ) وهنا نأتي لنؤيد ما جئنا به بأن محمدا رسول الله, وليس ملكا من الملوك, و إن القرآن الكريم لم يتحدث عنه أنه الملك كطالوت, او النبي الملك كداود, إنما تحدث عنه دائما أنه رسول الله إلى الناس أجمعين . قال تعالى في سورة الفتح : ” محمد رسول الله والذين معه أشداﺀ على الكفار رحماﺀ بينهم ” وقال عز وجل : ” ما كان محمد أبا أحد من رجالكم, ولكن رسول الله وخاتم النبين. ..” سورة الاحزاب. أية رقم ” 40 ” وقال سبحانه وتعالى : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل, أفإن مات او قتل أنقلبتم على أعقابكم ” سورة آل عمران أية رقم ” 144″ ويقول تعالى في سورة المائدة أية ” 67 ” مخاطبا محمد عليه الصلاة والسلام : ” يا أيها الرسول بلغ ما أنزل من ربك. …”
إذا لم يوجد نص مخالفا لما ورد سابقا بأن محمد كان ملكا او رئيسا لدولة يصرف أمور الناس ويدير شؤنهم. يضاف إلى ما سبق من الشواهد القرآنية أن القرآن وقف أكثر من مرة ليبين لمحمد عليه السلام بأنه لا يملك من اختصاصات الملك شيئا, فهو ليس عليهم بمسيطر,, وهو ليس عليهم بوكيل, وهو ليس إلا البشير النذير. اذا نحن أمام نبي ورسول فقط, نحن أمام دين وليس دولة.
فقد قال سبحانه وتعالى يأمر رسوله عليه السلام في سورة الأنعام, أية ” 50 ” : ” قل لا أقول لكم : عندي خزائن الله, ولا أعلم الغيب, ولا أقول لكم إني ملك , إن أتبع إلا ما يوحى إلي ….” فرسالة النبي صلى الله عليه وسلم ما هي إلا رسالة روحية ليس فيها إلا البلاغ لوجود (آيات متضافرة على أن عمله السماوي لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معاني السلطان) ويظن البعض ممن لايقرأون طبيعة المواقف الإسلامية بأبعاده الزمنية الثلاث , أننا حينما نقول : “أن الإسلام دين لا دولة ” نستنقص بالدين الإسلامي الحنيف , بل لو فكر هؤلاﺀ بشكل صحيح لوجدوا أن من يلصق بالإسلام – كرسالة سماوية للعالمين – اجتهادات البشر ورؤاهم التي تصيب وتخطئ هم فعلا من يسئون لروح الدين الإسلامي , ويستنفصون منه . وبعد ما عرفنا أن محمد ليس إلا رسول الله نسأل: ما سر الطاعة للرسول عليه الصلاة والسلام, برغم التحذير الإلهي له لست عليهم بمسيطر , ولست عليهم بوكيل…..؟ ما فحوى وثيقة المدينة المنورة وما علاقتها بما يدعيه البعض أنه أساس بناﺀ الدولة التي أسسها الرسول عليه السلام ؟ ففي طاعة رسول الله قال تعالى : ” وما ارسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ” النساﺀ أية ” 64 ” ونورد هنا ما أنتهي إليه الشيخان محمد عبده, ورشيد رضا من حديث عن حق الطاعة الذي يملكه النبي العربي محمد بن عبد الله عليه السلام , وهو الحديث الذي جاﺀ عند تفسيرهم لقوله تعالى : ” من يطع الرسول فقد أطاع الله, ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ” النساﺀ أية” 80″ قالا الشيخان : ” من يطع الرسول فقد أطاع الله أي أن الرسول إنما هو رسول الله, فما يأمر به من حيث هو رسول الله فهو من الله, وهو : العبادات, والفضائل والأعمال العامة والخاصة التي بها تُحفظ الحقوق وتدار المقاصد, وتخفظ المصالح, فمن أطاعه في ذلك لأنه مبلغ له عند الله عز وجل, فقد أطاع الله بذلك ” إن الله تعالى لا يأمر الناس وينهاهم إلا بواسطة رسل منهم , يفهمون عنهم ما يوحيه الله إليهم ليبلغوه عنه, وأما مايقوله الرسول من نفسه , وما يأمر به مما يستحسنه باجتهاده ورأيه من الأمور الدنيوية والعادات كمسألة تأبير النخل, وما يسميه العلماﺀ أمر الارشاد, فطاعته فيه ليست من الفرائض التي فرضها الله تعالى, لأنه ليس دينا ولا شرعا عنه تعالى, إنما تكون من كمال الأدب وقدوة الحب فقط. …..فالأية تدل على أن الله هو الذي يُطاع لذاته لأنه رب الناس والاههم وملكهم, وهم عبيده المغمورون بنعمه, وإن رسله. إنما تجب طاعتهم فيما يبلغون عنه, من حيث أنهم رسله لا لذواتهم.
ومثال ذلك الحاكم تجب طاعته في تنفيذ شريعة المملكة أو الدولة وقوانينها, وهو ما يعبرون عنها بالأوامر الرسمية, ولا تجب فيما عدا ذلك. ونقل الرازي في تفسيره للأية رأيا لمقاتل انتهى فيه إلى المقولة الآتية : واعلم أن دلالة هذه الأية على أنه لا طاعة البته للرسول, وإنما الطاعة لله. ويقولا الشيخان محمد عبده ورشيد رضا في تفسيرهم لبقية الأية : ” ومن تولى فما ارسلناك عليهم حفيظا ” ومن تولى واعرض عن طاعتك التي هي طاعة لله فليس شؤون رسالتك, إن تكرههم عليها, لأننا أرسلناك بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله – بإذنه – وسراجا منيرا, لا حفيظا عليهم , أي لا مسيطر ولا رقيبا تحفظ على الناس أعمالهم فتكرههم على فعل الخير. .
ولا اجبارا تجبرهم عليه, بل الإيمان والطاعة من الأمور الاختيارية التي تتبع الإقناع ” انتهي رأي الشيخين . نأتي إلى وثيقة المدينة فهي وثيقة نبوية وضعها الرسول عليه السلام مما يعطي درسا في كيفية التعايش السلمي بين المواطنين و لتوضح علاقة المجتمع ( القبائل والمهاجرين والانصار واليهود ) وتؤكد أنهم جميعا أمة واحدة ينتمون الى وطن واحد وتؤكد للجميع علاقتهم بالدين الإسلامي ,فهي تأكيد لحقوق القبائل بسيادتهم علي ارضهم و أن تلك القبائل تظل كما كانت قبل الإسلام في تعاملاتها باستثناﺀ توضيح بعض الحدود التي شرعها الله في دينه ,كما رفضت الصحيفة الاستبداد والطغيان بكل أشكاله وأنواعه، وجعلت كتاب الله تعالى وسنة رسول الكريم –صلى الله عليه وسلم- الفيصل والحاسم عند كل خلاف وتنازع بين كل فئات هذا المجتمع.
وهذا نصها الصريح الواضح الشامل الكامل: “بسم الله الرحمن الرحيم ” هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ.إنّهُمْ أُمّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النّاسِ , الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ…….. انظرها كاملة في كتب السيرة النبوية. وقد فصلت كل القبائل الموجودة في المدينة المنوره بأن كل قبيلة في ربعهم يتعاقلون على ربعتهم: أي أمرهم وشأنهم الذي كانوا عليه. و عقل: الدية التي تجب على عصبة القاتل، والمراد دية الخطأ. والآن ما معاني الخلافة كما وردت معانيها بالقرآن الكريم؟ سنبحث إن كانت هذه المفاهيم قد أتت بالمعاني التي يؤولها هؤلاﺀ الداعيين إلى الدولة الإسلامية بصورها المختلفة , حسب مفاهيم أصحاب الإسلام السياسي… فماذا تعني خلافة في اللغة العربية ؟ “الخلافة مصدر تخلّف فلانٌ فلاناُ إذا تأخّر عنه، وإذا جاء خلف آخر، وإذا قام مقامه. ويُقال خلف فلانٌ فلاناً إذا قام بالأمر عنه، إمّا معه وإمّا بعده.”
ثمّ يقوم بتعريف الخلافة اصطلاحاٌ في لسان المسلمين وهي “رياسة عامّة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم” فأين وردت كلمة خلافة او مشتقاتها اللفظية , سنجد قوله تعالى في سورة البقرة 30 – 33 :” وإذ قال ربك للملائكة : إني جاعل في الأرض خليفة …..” والمقصود هو الإنسان يعمرها ويبنيها وهو خليفة الله في الأرض. وقال الله تعالى: ” ولو نشاﺀ لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ” والخلافة بمشتقاتها اللفظية في القرآن الكريم وردت في سورة النور أية “55 ” : وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات لنستخلفهم في الارض كما أستخلف الذين من قبلهم …” يقول الدكتور محمد خلف الله في كتابه ” مفاهيم قرآنية” : ” والظاهرة الجديرة بالتسجيل في هذا المقام هي : أن قيام مؤسسة الخلافة لم يكن مقصورا على الله وحده دون غيره من الناس فقد حدثنا القرآن الكريم.
على أن الأنبياﺀ المرسلين قد استخدموا هذا الحق واستخلف بعضهم غيره في القيام بالمسؤليات التي كان يتولاها. جاﺀ في سورة الأعراف : ” وقال موسى لأخيه هارون : أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين “.
كما جاﺀ في القرآن الكريم أن المولى سبحانه وتعالى كان يجعل بعض الناس خلفاﺀ لبعضهم الأخر , وذلك عندما كان الجيل السابق يفسد في الأرض ولا يصلح. يقول الله تعالى في سورة يونس أية ” 13 – 14 ” : ” ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاﺀتهم رسلهم بالبينات, وما كانوا ليؤمنوا, كذلك يخزي القوم المجرمين, ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون. …” وهكذا ومن كل ما سبق يتضح لنا أن قيام مؤسسة للخلافة أمر تقتضيه ظروف الحياة التي يحياها الناس, وأن ذلك يكون في كل زمان تقريبا. كما يتضح لنا مما حدث به القرآن الكريم عن هذه المؤسسة أن مسؤلياتها هي المسؤليات التي أصبحت فيما بعد من شئون الدولة, وأنها تختلف إلى حد كبير عن مسؤليات النبوة والرسالة والسؤال الذي يمكن أن نطرحه الآن : هل جرى النبي العربي محمد بن عبد الله عليه السلام على سنة الأنبياﺀ من قبل , واختار خليفته من بعده كما اختار موسى أخاه هارون, أو هو لم يفعل ذلك ؟ وإذا كان قد فعل, فلماذا كانت هذه البيعة التي بايع فيها الصحابة من مهاجرين وانصار الخليفة الأول لرسول الله في يوم وفاته, وبعد ذلك الجدل العنيف في سقيفة بني ساعدة ؟ وهل كانت هذه البيعة من قبيل تحصيل الحاصل كما حدث في بيعة أهل يثرب لرسول الله عليه السلام, من حيث إن تلك البيعة لم تكن تؤثر في اختياره نبيا رسولا ؟ وإلى أي حد يمكن أن تتماثل البيعات : بيعة أهل يثرب رسول الله, وبيعة الصحابة الخليفة الأول لرسول الله ؟ فقد ورد في القرآن الكريم إن الذي يبايعون النبي إنما يبايعون الله في الحقيقة , قال الله تعالى. في سورة الفتح أية “11”:” إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله. ..”
يقول الدكتور علي عبد الرازق في كتابه ” الإسلام وأصول الحكم ” : ” ليس القرآن وحده الذي أهمل تلك الخلافة ولم يتصدى لها, بل السنة كالقرآن الكريم أيضا, قد تركتها ولم تتعرض لها, يدلك على هذا أن العلماﺀ لم يستطيعوا أن يستدلوا في هذا الباب بشئ من الحديث, ولو وجدوا لهم في الحديث دليلا لقدموه في الاستدلال علي الاجماع , ولما قال صاحب المواقف أن هذا الاجماع مما لم ينقل له سند ” يرى عبد الرازق أنّ القرآن والسيرة النبويّة والأحاديث ليس فيها ما يثبت الخلافة، ويعلّل ذلك بقوله: “وكل ما جرى من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام من ذكر الإمامة والخلافة والبيعة إلخ لا يدلّ على شيء أكثر ممّا دلّ عليه المسيح حينما ذكر بعض الأحكام الشرعيّة عن حكومة قيصر.”وهو يفسّر الأحاديث التي تدعو إلى طاعة الإمام بالآتي: “وإذا كان صحيحاً أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قد أمرنا أنّ نطيع إماماً بايعناه، فقد أمرنا الله تعالى كذلك أنّ نفي بعهدنا لمشرك عاهدناه، وأن نستقيم له ما استقام لنا، فما كان ذلك دليلاً على أنّ الله تعالى رضي الشرك، ولا كان أمره تعالى بالوفاء للمشركين مستلزماً لاقرارهم على شركهم.
ويشدّد المؤلّف على فكرة أنّ الخلافة كانت دائماً تؤخذُ بالقوّة والغلبة، وهو يستشهد بالكثير من أحداث التاريخ الإسلامي في هذا المجال، فيقول: “لا نشكّ مطلقاً في أنّ الغلبة كانت دائماً عماد الخلافة، ولا يذكر التاريخ لنا خليفةً إلا اقترن في أذهاننا بتلك الرهبة المسلّحة التي تحوطه، والقوّة القاهرة التي تظلّه، والسيوف المصلتة التي تذود عنه.” كما لا يرى الشيخ عبد الرازق أنّ الحجّة القائلة بضرورة الخلافة لحفظ الدين هي حجّة صحيحة، وهو يعبّر عن هذه الفكرة بقوله: “علمت ممّا نقلنا لك عن ابن خلدون “أنّه قد ذهب رسم الخلافة وأثرها بذهاب عصبيّة العرب، وفناء جيلهم، وتلاشي أحوالهم، وبقي الأمر ملكاً بحتاً… وليس للخليفة منه شيء” أفهل علمت أنّ شيئاً من ذلك قد صدع أركان الدين، وأضاع مصلحة المسلمين على وجه كان يمكن للخلافة أن تتلافاه لو وجدت.”
إذا نصل إلي نهاية هذه الموضوع بعد أن وضحنا بأن الدين الاسلامي الحنيف لم يتناول موضوع الدولة. وأنه دين خالص للعالمين ,ليس له من شان الملك شئ الا ما أتفق عليه الناس وارتضوا به لتسيروساسة أمور دنياهم ……ونسأل الله أن يهدينا جميعا إلى الصراط المستقيم ويهدينا سواﺀ السبيل ويبعد عنا الضالين والمضلين ممن يدعون بالدين ما ليس فيه.