بشوية “حُب” بس تصير اليمن في القمة يا حبوب
يمنات
فكري قاسم
في التاريخ والجغرافيا و عند العالم كله اليمن مهبط الحضارات والديانات وقلب الجزيرة العربية، والفرس والأحباش والأتراك والروم والبرتغال والانجليز كلهم جاؤوا إلى اليمن طمعاً بما فيها من خيرات، وعند شله من اليمنيين الحبوبين اليمن “الله يلعن أمها بلاد!”.
لموه يا حبوب؟ موعملت بك اليمن؟ والله ما له علم. المهم يشتمها ويبرد قلبه لاجل يرقد وهو مرتاح إنه مارس دوره في الحياة كمواطن مش عاجبه الوضع.
يا حبوب محد راضي عن الوضع والله، وكل واحد مننا قلبه من مآلات الحال دود وعكابر سود، لكن هذه بلادك اللي لما تهتان وتتكسر إنت أول من يهتان ويكتسر ناموسه في الحياة.
لو فتحت عينك صح يا حبوب، اليمن أحسن بلاد، والتنوع اللي فيها يأسرك وتحس إنك في تجمع دول وأجناس … هذا لو عندك إحساس.
اللهجات عد لك عد، والمفردة الواحدة تشرح لك كتاب. ليش، لموه، للمه، لياه، كلها تعني لماذا أنت تشتم بلادك؟ ولما يقلك إجمع دومان، معناها ركز معي يا حبوب، هذه بلادك ومحد يجازي بلاده زيما جازى الحمار أمه.
خلينا ماسكين التنوع وشوف بلادك إيش فيها من سحر وجمال. الأزياء في بلادك يا حبوب مهرجان ألوان، من باطلها قوس قزح بكله شعر بالغيرة، وشافوه في آخر أيامه رجع يشتغل خياط ملابس في اليمن. والوجبات يا حبوب، كل من زار بلادنا من الأجانب والعرب لازم يتصور معاها، ويرجع بلاده وهو شبعان يقل لزوجته إنت ما تعرفيش تطبخي. والعادات والتقاليد عندنا أشكال وألوان، نتوارثها من أيام نوح عليه السلام، وكل هيجة من بلادك يا حبوب معاها ما يخصها، والتنوع في الطبيعة يا لطيف والسحر البديع.
أنت مش داري يا حبوب أن البحر والجبل والسهل في بلادك اللي جالس تشتمها ليل نهار يتكلموا سبع لغات، ومحد معه إذن يسمع والعيون مصابة بالرمد.
سواحل عدن والمهرة وسقطرى والحديدة والخوخة وحضرموت وباب المندب وميدي والمخا، وجزيرة كمران وميون وميدي وحنيش، عادها لليوم سواحل عارية – تماماً – كما خلقها الله، والبحر عندنا للغوص وللإصطياد وللإصطياف، وفي الأعماق ثروة ما فيش من يسوقها للناس، والمنافذ مفتوحة للتهريب جنباً إلى جنب نقاط التفتيش واللي ما يشتري يتفرج. والجبل يا حبوب عاده كضاك، شد رجلك و”اتعنقل”، وبإمكانك أن تمسي كل يوم فوق ضاحة. في قمة جبل صبر مثلاً تقول ماعدفيش مكان أرفع منك إلا السماء، وتلقى الناس عايشة بين الضياح والقرى مثل الغمام ملان الجبل. وفي محمية بُرع وريمة وجبال حراز والمحويت وكوكبان، البيوت معلقة في القمم فوق الصخور. والزلازل ومقياس رختر عند الأهالي هناك شيء عادي، مثله مثل الساعة يعرفوا بها الوقت والتاريخ، وما شاء الله كان.
و في حجة يا حبوب، الطريق بين الجبال يحملك إلى السماء بسيارة، وتشوف تحتك واحد يبني وواحد يزرع، ودخان موفى الحطب شمه يرد الروح.
و في جبال إب وبعدان وحبيش، البساط الأخضر يقلك: اتفضل ارتاح. وفي السحول وقاع جهران وقيعان صعدة وسهل تهامة، الطين يشبه جلد، وشم التراب فيهن مثل شم العرق حق أبوك وأمك، والزرع يشعرك بالأمان والشبع والارتواء.
و في حضرموت السهل نخيل وناطحات سحاب، والأرض براح على مد البصر لكن العيون مصابة بالرمد. وفي الجوف وشبوة ومأرب، التاريخ مدفون يا حبوب، وفي أعماقها تختبئ شواهد حضارة بلدة طيبة ورب غفور، لكن هذه الدرة النفيسة وقعت مراراً في أيادي شوية “رُباح”، وهي الآن عليلة وليست على ما يرام.
و أهم من هذا كله يا حبوب، إن بلادك اللي ساخط عليها وكاره تاريخها مخبيه لك في دولابها كنز ثمين. كنز مش أي حد يمتلكه أو يتوفر لديه، ويحتاج شي واحد فقط عشان يخرج إلى الحياة ويستفاد منه: أن يحب اليمنيين بعضهم بعض عشان يحبوا بلادهم صح. وأما الكنز يا حبوب، فهو أن بلادك لديها مقومات الثراء الثلاثة، واللي هي “الأرض والإنسان والتاريخ”. بشوية حب بس تصير اليمن في القمة يا حبوب.
للاشتراك في قناة يمنات على التليجرام انقر هنا