الحالة السياسية في الجنوب ومحورية الحزب الاشتراكي اليمني
يمنات
عبد الوهاب الشرفي
منذ العام 1994 دخلت المحافظات الجنوبية للجمهورية اليمنية – دولة الوحدة التي قامت بموجب اتفاق الوحدة اليمنية 1990 – في حالة سياسية خاصة تراوح فيها حتى اللحظة و تزداد هذه الحالة تفاقما وتعقيدا و ارتباكا يوما عن يوم.
صهرت اتفاقية الوحدة اليمنية 1990 الحالتين السياسيتين حينها، اليمن الشمالي (الجمهورية العربية اليمنية) و اليمن الجنوبي (جمهورية اليمن الديمقرطية) في حالة سياسية واحدة هي الجمهورية اليمنية و لم تلبث الجمهورية اليمنية طويلا حتى دخلت في شد وجذب تصاعدت لتبلغ اوجها بالحرب التي شهدها اليمن في 1994 والتي تطورت تبعاتها لتعيد مسألة الحالة السياسية في محافظات اليمن الجنوبية الى الحضور في المشهد السياسي اليمني كاحد اهم القضايا السياسية في اليمن.
توزيع الأصوات الجنوبية
تتوزع الاصوات الجنوبية تجاه الحالة السياسية المرادة للجنوب بين متمسك بواحدية الحالة السياسية في الجمهورية اليمنية بشكلها الاندماجي – وهي الحالة السياسية الرسمية القائمة حتى الآن – و بين مناد بحالة سياسية واحدة للجمهورية اليمنية لكن بصورة غير اندماجية و التحول الى يمن اتحادي يعتمد نظام الاقاليم يراه البعض من اقليمين و البعض يراه من ستة اقاليم، و بين من ينادي بالانفصال عن الجمهورية اليمنية بفك الارتباط وعودة محافظات الجنوب لحالتها السياسية السابقة لـ 1990 واستعادة دولة جمهورية اليمن الديمقراطية و البعض يرى اقامة شكل جديد للدولة المستقلة لمحافظات الجنوب وضمن الهوية اليمنية، بينما يذهب البعض بعيدا الى انفصال كامل ليس للحالة السياسية و انما حتى للهوية اليمنية وينادي بـ”الجنوب العربي”. كما ان هناك اصوات تنادي بالعودة الى نظام السلطنات السابق لجمهورية اليمن الديمقراطية.
كاطارين عامين لكل هذه التنوعات في تصور الحالة السياسية المطلوبة للمحافظات جنوب اليمن يمكن القول ان الاطار الاول هو في اطار الوحدة اليمنية و الاطار الاخر هو في انفصال محافظات الجنوب عن الشمال، ولملابسات عديدة اهمهما مؤخرا دخول التحالف السعودي على خط الحالة السياسية في اليمن والامارات تحديدا فيما يتعلق بالحالة السياسية في محافظات الجنوب اصبح “الصوت المرتفع” في تلك المحافظات هو صوت الانفصال واستقلال الجنوب عن الشمال.
يبدوا ان تجربة مايقارب 23 عاما من الحراك لم تمنح النخب الحراكية المنادية بالانفصال فرصة للوقوف و النظر بترو في المطلب الذي يحملونه، ما هي طبيعته الحقيقية..؟ و ما مدى امكانية تحقيقه في ظل طبيعته الحقيقية هذه..؟ وما هي طبيعة وضعهم الحقيقية كحراك..؟، ولو منحوا انفسهم تلك الفرصة وتوصلوا لاجابات موضوعية لهذه الاسئلة لكان في ذلك ترشيد لنضالهم و توجيها له في الاتجاه الصحيح و الذي يمكنه ان يثمر لا ان يدمر، وهذه الفرصة ستظل استحقاقا للجنوب على نخبه السياسية الحراكية بالدرجة الاولى للخروج بالمحافظات الجنوبة من حالة الاضطراب السياسي الذي تعيشه و وضع النضال على المسار السياسي المنتج وصولا لتمكين للحالة السياسية في تلك المحافظات.
الانفصال رغبة سياسية بعيدة المنال
النظر الى القضية الجنوبية من فكرة انفصال الجنوب عن الشمال هو نوع من التفكير الاندفاعي النزق الذي يضع الرغبات السياسية محل الاستحقاقات السياسية، و وضع الرغبات محل الاستحقاقات لايوصل الا الى نتاج نظرية في احسن الاحوال لا يمكن تجسيدها على الواقع مهما توهّم البعض غير ذلك، إذ ان التاثير على الواقع يتطلب اولا تحويل الرغبات السياسية الى استحقاقات سياسية.
انطلاقا من الرغبة السياسية يمكن توصيف ما يطالب به الحراك الجنوبي هو انفصال الجنوب عن الشمال لكن انطلاقا من الاستحقاقات السياسية لن يكون ذلك هو التوصيف لمطلبهم بل سيكون التوصيف “تقويض الجمهورية اليمنية” و بين التوصيفين لذات المطلب فرق شاسع لا يتمكن اي كان جنوبيا او يمنيا او عربيا او اقليميا او دوليا او امميا القفز عليه.
تقويض الدول هو شأن ذو علاقة مباشرة بالامن والسلم الدوليين وليس بمقدور اي كان ان يتعاطى رسميا معه مالم تقم له اسباب قانونية تسمح بذلك، و عندما اتحدث هنا عن الاسباب القانونية لا اتحدث عنها كاسباب قانونية للانفصال وانما كاسباب للتعاطي مع مسئلة الانفصال، او بعبارة اخرى الاسباب القانونية التي بناء عليها تتحول الرغبة السياسية الى استحقاق سياسي يمكن التعاطي معه ابتداء.
نموذج جنوب السودان
كانت السودان دولة واحدة تنامت فيها دعوات الانفصال وظل جنوب السودان حالة مقاربة للحالة الموجودة حاليا في جنوب اليمن، ولكن هذا التقارب هو تقارب شكلي ينخدع به غير المتعمقين فقط، فجنوب السودان كان يمتلك العديد من الاسباب القانونية للتعاطي مع مسألة فصله، فهناك عرقية مختلفة و هناك لغة مختلفة وهناك ديانة مختلفة وهناك قومية مختلفة ومع ذلك لحساسية مسألة مثل تقويض جمهورية السودان ظل المجتمع الدولى يتعاطى مع رغبات (حراك السودان) لثلاثين عاما في محاولة للوصول لاتفاق سياسي يعفي من تحويل تلك الرغبة السياسية الى استحقاق سياسي لجنوب السودان.
ثلاثون عاما هي التي استغرقها المجتمع الدولي حتى تمكن من ان يتعاطى مع الاسباب القانونية لانفصال جنوب السودان مع انه يحظى بكل الاسباب القانونية للتعاطي مع رغبة (حراكه) كاستحقاق بالانفصال، بينما في اليمن الامر مختلف تماما فليس هناك لك اي سبب قانوني واحد يمكن من خلاله التعاطي مع مسألة انفصال جنوب اليمن فلا عرقية مختلفة ولا لغة مختلفة ولا عرقية مختلفة ولا ديانة مختلفة، اي انه ما من احد يمكنه ان يتعاطى مع مطلب الحراك الجنوبي بالانفصال “بصفة رسمية” باعتباره استحقاقا سياسيا على الاطلاق بمن فيهم الحراك الجنوبي نفسه لانه سيحتاج اولا لتحويل مطلبه من كونه “الصوت المرتفع” في الجنوب الى “الصوت الغالب” فيه.
الحديث السابق يمكن اعتباره اجابة لسوال لماذا ستقوض الجمهورية اليمنية..؟، و كما سبق لا وجود لسبب قانوني لذلك، لكن ماذا لو افترضنا جدلا ان هناك اسباب قانونية لذلك فهل الامر يكفي لتّعاطي مع مسألة تقويض الجمهورية اليمنية..؟
مع كون جنوب السودان يحظى بكامل الاسباب القانونية للانفصال وبعد رحلة من العمل السياسي للحل لثلاثين عاما حظي (حراك جنوب السودان) بلحظة تحول رغبته بالانفصال الى استحقاق سياسي للجنوب، و بدأ المجتمع الدولي يتعاطى مع استحقاق انفصال جنوب السودان بصورة رسمية، و لكنه حتى هذه اللحظة تعاطى معه كاستحقاق سياسي و ليس كتبني للانفصال، اذ ان تبني المجتمع الدولى – او اي كان – لانفصال جنوب السودان هي مسألة اخرى تتطلب تحول الاستحقاق السياسي الى حق سياسي للجنوب.
تحويل انفصال الجنوب من استحقاق سياسي الى حق سياسي للجنوب امر يتطلب ان يتم التحقق من ان هذا الاستحقاق هو استحقاق للجنوب و ليس لقواه السياسية، و لا يتحول الاستحقاق السياسي الى حق سياسي الا اذا تم قياس رغبة المجتمع الجنوبي ككل بمقياس قانوني يمكن بناء على نتيجته الايجابية التبني الرسمي للانفصال كحق للجنوب وبدأ العمل السياسي لتنفيذه و الذهاب الى ترتيبات (تقويض الدولة الواحدة).
لو افترضنا جدلا وجود اسباب قانونية تسمح بالتعاطي مع مسألة انفصال جنوب اليمن اي تحولها من رغبة لـ”الحراك الجنوبي” الى استحقاق للجنوب يظل هناك سؤال هو لصالح من سيتم انفصال الجنوب..؟ لأن عدم وجود الاجابة القانونية الكافية لهذا السؤال سيكون من يتعاطى مع انفصال الجنوب كحق مهددا للامن والسلم الدوليين، لأنه سيقتطع جزء من جغرافية دولة قائمة و معترف بها رسميا في كل المحافل لتمثل حالة من اللااستقرار و صراع السلطة او تسليمها سلطة غير ناشئة عن عملية ديمقراطية يمكن قانونا دعمها من اي كان دون تورطه في تهديد الامن والسلم الدوليين.
في اطار توليفة المكونات السياسية في جنوب اليمن سيكون الامر فيما يتعلق بسوال: لصالح من سيتم انفصال الجنوب..؟ هو هل سيتم فصل الجنوب قفزا على الرغبة السياسية للمكونات المتمسكة بالحالة السياسية الاندماجية وعلى الرغبة السياسية المنادية بحالة الاقلمة، ثم هل سيفصل لصالح المنادين بالعودة لجمهورية اليمن الديمقراطي ام لصالح المنادين بدولة جنوبية بنظام سياسي جديد ام لصالح المنادين بجنوب عربي ام لصالح المنادين بالعودة لنظام السلطنات..؟، ام هل سيتم فصل الجنوب عن الشمال و بعد ذلك يتم البحث عن حل لصيغة حالة سياسية جامعة للجنوب..؟ اي هل سيفصل جزء من جغرافية دولة قائمة معترف بها رسميا على مختلف الصعد هي الجمهورية اليمنية لتدخل تلك الجغرافيا المقتطعة في حالة من البحث والتنافس والصراع السياسي لشكل الدولة المطلوبة لتلك الجغرافيا..؟ وهذا الامر مبني على الافتراض الجدلي بوجود الاسباب القانونية.
اما اذا اخذنا في الاعتبار عدم وجود اي اسباب قانونية للانفصال فسيضاف سؤال هو اذا سلمنا بامكانية فصل جغرافيا الجنوب ثم البحث عن صيغة للحالة السياسية التي ستحكم هناك بمشوار من العمل السياسي التفاوضي لجمع مكونات الجنوب السياسية على صيغة جامعة للحالة السياسية. فكيف سيتم الذهاب لذلك و الامر الملزم للجميع هو ان يتم البحث عن صيغة للحالة السياسية بحق الجمهورية اليمنية الدولة القائمة و لا اسباب قانونية لتقويضها و هو ماتم بحق جنوب السودان لثلاثين عاما و جنوبها كان يمتلك كل الاسباب القانونية فكيف بجنوب اليمن الذي لا يملكها..؟، ثم ما بالكم و الجنوب ممثل في الدولة المراد تقويضها في اعلى المستويات من رئيس الدولة الى رئيس وزرائها الى وزير دفاعها الى غير ذلك من المناصب الرفيعة و كذلك مختلف وظائف الدولة بمختلف درجاتها..؟.
استفتاء كامل
من باب اكمال المعلومة فقط وبالعودة للافتراض الجدلي لوجود اسباب قانونية سيكون المطلوب اولا لتحويل الاستحقاق السياسي للانفصال الى حق سياسي وذلك بقياس الرغبة الجنوبية باستفتاء شعبي لتحديد ان انفصال الجنوب هو الرغبة الغالبة لدى مواطني محافظات الجنوب ام ان الامر ليس كذلك، وهذا هو ماتم العمل وفقه في جنوب السودان ليصبح فصل الجنوب حقا تم بعده الاعتراف القانوني والرسمي به والعمل على تمكين الجنوب من حقه في اقتطاع جغرافيته من جغرافية جمهورية السودان الواحد لصالح دولة جنوب السودان، وهذا الكلام مبني على توفر الاسباب القانونية للانفصال أما في حالة انعدامها كما هو الحال في جنوب اليمن فان الامر سيتطلب المضي الى عملية استفتاء تشمل كامل جغرافية الجمهورية اليمنية لأنه دون اسباب قانونية تمنح الجنوب استحقاق الانفصال فالامر متعلق بالجميع باعتبار المضي اليه هو تغيير لحالة سياسية صرفة نتجه عن اتفاق له طرفين ويتأثر به الجميع مثله مثل وضع دستور او تغيير شكل النظام او شكل الدولة.
ترتسم صورة غير حقيقية للقضية لدى البعض من مناضلي وناشطي ونخب جنوب اليمن نتيجة لتعاطي بعض الدول مع رغبتهم السياسية في انفصال الجنوب، وهم بذلك يقعون في اخطر شرك يمكنه ان يضرب محافظات الجنوب بقوة ويدخلها في حالة من اللاستقرار المتنامي و مالم يتم تفهم الطبيعة الحقيقية للحالة السياسية في الجنوب فسيوصلها هذا الشرك الى وضع كارثي سيكون عنوانه التناحر بين المكونات الجنوبية ليس السياسية فقط وانما ستجر معها المكونات المجتمعية كذلك و نسئل الله عز وجل الا نصل اليها.
حيثيات
مما سبق طرحه يتضح انه لا يمكن ان يتعاطى رسميا مع مسألة انفصال الجنوب احد وهذا الامر يتجلى على الواقع في نقطتين: الاولى انه ما من بيان (رسمي) متعلق بالشأن في اليمن من اي دولة كبيرة او صغيرة ومن اي منظمة او اي وعاء دولي او اممي الا وهو يتحدث عن التزامه “بأمن و وحدة الجمهورية اليمنية” والنقطة الاخرى هي ان كل إشراك للحراك الجنوبي المنادي بالانفصال في السلطة – كاستغلال لحالة لا استقرار السلطة في الجمهورية اليمنية – لا يمكن ان يتم كحالة سياسية جنوبية على الاطلاق وكلما هو ممكن هو فقط غض الطرف بقدر ما عن رغبة الانفصال التي يحملها من يتم احلالهم، و بلغة الادارة و القانون لايمكن لاي حراكي ينزع للانفصال – او لغيره – ان يوجد في السلطة الا بعد حصوله على قرار تعيين من السلطة التي تمثل الجمهورية اليمنية وهي لا تمثل الجنوب باي حال من الاحوال.
مع كل ماسبق سيظل البعض واقعا في شراك التعاطي مع رغبته السياسية في الانفصال لان هناك من يتعاطى مع مسألة فصل الجنوب بالفعل، و مع ان هذا التعاطي غير رسمي الا انه بات علنيا و واضحا ولا يمكن انكاره، و لكن السوال ليس حول التعاطي و انما حول طبيعة هذا التعاطي، فما ليس بممكن هو التعاطي مع انفصال الجنوب، أي لايمكن لاي كان ان يتخذ موقفا رسميا بدعم انفصال للاسباب السالفة الذكر (لماذا..؟ و لمن..؟)، لكن ما يتم هو على وجهين اولهما ايجابي على كل حال وهو الاعتراف بالحق السياسي في تبني رغبة سياسية اي كانت هذه الرغبة وحق الحراك الجنوبي – كما هو حق غيره – ان يعبر ويروج ويناضل لرغبته السياسية، أي ان مسألة التعاطي الحاصلة هذه هي تعاطي مع حرية التكوين و التعبير عن الاراء السياسية وليس تعاط مع انفصال الجنوب كاستحقاق فضلا عن حق وانما هو تعاط معها كرأي (رغبة سياسية).
استغلال
النوع الاخر وهو تعاط سلبي و هو الشراك الذي يقع فيه بعض قيادات وناشطي ونخب الجنوب و الذي سيوصل الجنوب الى الحالة الكارثية – نسأل الله عز وجل ان لا تحل بالجنوب ولا باليمن ككل – فهناك من يستثمر حالة السخط السياسي على دولة الوحدة اليمنية مستغلا لانعدام او محدودية التجربة السياسية لبعض القيادات الجنوبية فيبيعها وهم انفصال الجنوب بدعم من دولة هنا او دولة هناك و بتشجيع رفع علم الجنوب هنا او هناك او احتضان فعالية باسم الجنوب هنا او هناك وبالمقابل تستخدم هذه القيادات الجنوبية كحوامل لمشاريع واجندات تلك الدول في الجنوب و استخدام الجنوب كمنطلق لمشاريع واجندات تلك الدول في اليمن ككل.
تحول هذه القيادات الجنوبية الى حوامل لمشاريع واجندات الخارج – دون انتباه في الغالب – هو الذي يضع الجنوب في طريق الكارثة فتعدد الرغبات السياسية للمكونات و القوى الجنوبية يخلق حالة من التنافر و التنافس و الصدام بين المكونات الجنوبية واذا ما استمرت هذه الحالة فستجر المكونات الجنوبية المجتمعية لحالة الصراع هذه كتنافس على الحضور والاستئثار بحصة في السلطة او مقاومة لوجود خصم فيها وكل ذلك سيتم بالاعتماد على الاستقواء بالخارج و الذي هو بدوره لن يدعم الا تبعا لمصلحة مشاريعه واجندته في الجنوب وفي كل اليمن.
الفصل والانفصال
هذا الامر هو ما يتجسد على الواقع في حالة يتوهمها البعض انها حالة انشاء او استعادة دولة بينما الامر ليس كذلك، فالحضور المدعوم او المعتمد على الخارج – او حتى المستقوي من الداخل لفرض رغبته السياسية على الجميع – يمكنه ان يوصل لفصل الجنوب وليس لانفصال الجنوب اي انه يمكن عزل البقعة الجغرافية جنوب اليمن عن شماله لكن لايمكن ان تتشكل حالة سياسية تمثل السلطة في تلك البقعة المعزولة عبر هذا المسار على الاطلاق ، وبعبارة اخرى يمكن تفريغ الجنوب من الحالة السياسية للجمهورية اليمنية وعزله عن الحالة السياسية للجمهورية اليمنية لكن لايمكن انشاء حالة سياسية منفصلة مستقرة رسمية خاصة بالمحافظات الجنوبية، بل سيكون الامر في حال فصل الجنوب أكثر تعقيدا من الحال الحاصل حاليا لان الوضع الان متعلق ببعد سياسي بدرجة رئيسية أما في حال الفصل فسيكون الامر متعلق بابعاد سياسية و قانونية و ادارية و تقنية و اقتصادية و اجتماعية، وكلما سيحدث هو فصل الجنوب وتركه للفراغ ومن ثم للتنافس و التنازع و الصراع و الوقوع في الكارثة التي لن يستطيع احد ان يمنع وقوعها حينها.
محورية الحزب الاشتراكي اليمني في مشكلة “القضية الجنوبية” وفي حلها
كان الحزب الاشتراكي هو العنوان للحالة السياسية الرسمية في محافظات الجنوب قبل الوحدة فقد كان وعاء كامل العمل السياسي في الجنوب و ماسك الدولة و عنوان السلطة الرسمية في جمهورية اليمن الديمقراطية، وهو الحزب الذي كان الطرف الثاني في اتفاق الوحدة اليمنية اي انه الحالة السياسية الرسمية للمحافظات الجنوبية التي انصهرت مع الحالة السياسية في محافظات الشمال المؤتمر الشعبي العام، و ليمثل خليطهما الحالة السياسية لدولة الوحدة الجمهورية اليمنية. و بذلك فالجمهورية اليمنية هي كيان سياسي نتج اساسا عن اتفاق طرفين كان الحزب الاشتراكي احدهما.
مع ان الجمهورية اليمنية استبدلت نظامين شموليين بنظام سياسي ديمقراطي ولم يعد اي من الاحزاب المشكّلة للنظام السياسي يحظى بحق التمثيل الحصري لاي منطقة من مناطق اليمن وبات الجميع مكونات سياسية تعبر عن المنتمين لها من كل انحاء اليمن شمالا او جنوبا لافرق، الا ان ذلك لم يكن الا من ناحية الشكل فقط بينما على الواقع ظل الحزب الاشتراكي اليمني هو الممثل لكتلة الجنوب في ميزان القوى السياسية في الجمهورية اليمنية بمقابل المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للاصلاح ممثلان لكتلة الشمال.
هذا الكلام كثير هم الذين سينتقدونه وخصوصا من المكونات التي ظلت تمثل كتلة الشمال لكن هو بالفعل كان الواقع، و فقط يجب الانتباه لأني هنا لا اتحدث عن الرغبة فالرغبة في إنهاء تعبير كتل منطقتي اليمن (شمال – جنوب) عبر مكونات سياسية كانت قد تحققت اساسا بقبول الجميع باتفاق الوحدة اليمنية، لكن الامر متعلق بالفترة المفترضة لانجاز حالة التحول الاندماجية هذه لتصبح كاملة التجسد في مختلف اوعية الدولة اليمنية بعد الوحدة، اي ان فترة استمرار تمثيل الحزب الاشتراكي لكتلة محافظات الجنوب و المؤتمر و الاصلاح لكتلة الشمال كان امرا لامجال لتحاشيه ولابد من المرور به لفترة انتقالية تستمر حتى انجاز صهر معادلة القوى جنوبا وشمالا بشكل كامل يصل لمختلف ولاصغر موقع في وظائف الدولة بما فيها العسكرية و الاقتصادية.
استمرار حالة تمثيل الكتل شمالا وجنوبا هذه لم تكن هي الخطاء فكما قلت هي وضع انتقالي مفروض على الجميع وطبيعي ولم يكن ليمثل اي مشكلة او عقبة لو تعامل الجميع تجاهها بحسن نيه و توجهوا لاستكمال حالة انصهار القوى وصولا بها لحالة تسمح لجميع المكونات السياسية بالتخلي عن حالة تمثيل كتلة بعينها ، ولكن الخطاء هو ان الواقع سار باتجاه اخر و تحولت الامور الى حالة من التجاذب وصلت الى صراع مسلح قبل انتهاء فترة تذويب القوى الانتقالية هذه من انجاز مهمتها في الصهر الكامل للقوى في الجمهورية اليمنية ، اي ان الصراع المسلح في 94 م وقع ولازالت الحالة السياسية في الجمهورية اليمنية غير كاملة الانصهار و لازال كل مكون من المكونات السياسية الرئيسية يمثل واقعا اوعاء لقوة الجنوب او وعاء لقوة الشمال.
مجرد ذكر الحزب الاشتراكي اليمني كطرف مهم في حل القضية الجنوبية يواجه بسيل من الانتقادات فكيف سيكون الامر عندما اقول انه محوري واساسي في حل هذه القضية وفي وجودها – بشكلها الحاصل – ابتداء، لكن ما يجب لفت النظر اليه هو ان كل الانتقادات التي توجه و اي كانت هي توجه للوضع الذي اُريد للحزب الاشتراكي اليمني بعد 94م ، بينما الوضع الذي كان يجب ان يكون عليه الحزب هو امر اخر، اي ان كل الانتقادات عن وضع الحزب و هيكليته و ادواره وعضويته وامولاه و مقراته ووو كلها موجهه لوضع فرض على الحزب كيما يظل محاصرا وغير معبر عن الكتلة الجنوبية التي كان هو وعائها منذ قيام الوحدة اليمنية وحتى حرب 94 م، بينما ما كان مفترض ان يكون عليه الحزب بعد 94 هو نقاش اخر هو ما يعنيني في هذا المقال.
نظرا لعدم اكتمال الفترة الانتقالية لصهر القوى الشمالية و الجنوبية كان الحزب الاشتراكي هو الممثل الاكبر للجنوب و عراب الحضور الجنوبي في حكم الجمهورية اليمنية، و ليس المعبر عن اعضاء الحزب الاشتراكي وحسب، و تعطل دوره بعد 94 م كان تعطيلا للحضور الجنوبي كقوة و الحضور الجنوبي كشريك و الحضور الجنوبي كمؤثر في اتخاذ و مرور القرار في مختلف شئون الدولة.
و هنا يجب التفريق بين الحضور الجنوبي كتقسيم اداري و بين حضوره كشريك سياسي، فالحضور الجنوبي كتقسيم اداري لم يغب عن الحالة السياسية بعد 94 مطلقا بل انه شغل مؤخرا ارفع مستويات الحضور في وظائف دولة الوحدة من رئيسها حتى رئيس وزرائها و وزير دفاعها وغير ذلك من المناصب الرفيعة و السيادية، لكن هذا الحضور لم يكن فاعلا في التعبير عن الشراكة الجنوبية و لم يكن كافيا للتاثير الجنوبي في صياغة الحالة السياسية بعد 94، فالحضور الجنوبي كتقسيم اداري كان حضورا ممثلا لمكونات سياسية لا زالت تمثل اوعية لكتلة الشمال – وهم من شغلوا مواقعهم تبعا لانتمائهم لمكوّني الموتمر او الاصلاح – او انه حضور ذاتي يمثل الاشخاص انفسهم و لايمثل الجنوب ككتلة سياسية.
بعد 94 لم يكن من الممكن لأي وعاء جنوبي ان يمثل الجنوب ككتلة بحقها من الرسمية تبعا لتّشكّل الرسمي للوعاء و بحقها من القانونية تبعا لوجوده كطرف في اتفاق الوحدة الذي انتج العلاقة بين الشمال والجنوب غير الحزب الاشتراكي اليمني، فهو المكون السياسي الرسمي الموجود وفقا للقانون قبل وبعد 1990 وقبل وبعد 94، هو الطرف صاحب الصفة في اتفاق الوحدة الذي كان احد طرفيه، و بالتالي فالحزب الاشتراكي اليمني كان هو الوحيد الذي له الحق في اتخاذ المواقف و الحديث باسم الجنوب في اي شأن ذي صلة باتفاق الوحدة و الحالة السياسية في الجنوب بعد 94 هي شأن ذو صلة باتفاق الوحدة فهي اما تمسك او تعديل او تراجع او تعطيل لذلك الاتفاق.
راوح الحال منذ 94 م وحتى اللحظة في حال تعطيل متعمد للوعاء صاحب الحق الرسمي والقانوني في الحديث عن الحالة السياسية في الجنوب بين استمرارها بحالها الاندماجي او تعديلها في صورة اقاليم او استبدالها بحالة سياسية مستقلة، و توزع الموقف و الحديث المفترض ان امتيازه هو للحزب الاشتراكي اليمني الوعاء الرسمي لكتلة الجنوب على اوعية سياسية اخرى هي ما بين مكونات سياسية لازالت تمثل كتلة الشمال جوهريا – حتى وان حضر في عضويتها من ابناء الجنوب – وبين قوى جنوبية لا تحوز الرسمية لانها لم تتكون بصورة نظامية لا قبل 94 ولا بعده ولا تحوز القانونية لانها ليست طرفا في الصيغة السياسية المستهدفة من قبلها وهي العلاقة بين الشمال والجنوب و ضاعف من عدم فاعليتها انها لم تنجح من الناحية التنظيمية في التشكل كوعاء واحد يجمع كل القوى الجنوبية و يناضل في سبيل مطلب محدد ثابت مقبول من اغلب ابناء الجنوب و يتولى هذا الوعاء مهمة التعبير عنه ليخرج هذا المطلب من صفة الشخصنة و يحمل صفة الاعتبارية للجنوب ولو بصورة غير رسمية.
هيمنة قوى الشمال
عندما تتهم قوى الشمال بالسعي للهيمنة على الجنوب فالامر يمثل تعبير عن المشكلة التي تواجهها قوى الجنوب ويمكنهم تعليقها بقوى الشمال، لكن عندما يتم الحديث عن دور الجنوب في مناهضة هذه الهيمنة واستعادة حضور الجنوب في تقرير الحالة السياسية في محافظات الجنوب فان الامر يتعلق بالقوى الجنوبية ذاتها وليس بقوى الشمال، ولا تمثل قوى الشمال هنا إلا شماعة لتعليق فشل الاداء بالنسبة للقوى الجنوبية واخفاقها في وضع نفسها في الموضع الذي يمكن من خلاله التأثير في الحالة السياسية القائمة في الجمهورية اليمنية و بالتبعية الحالة السياسية في الجنوب، ولهذا السبب ظلت كل المواقف التي عبرت عنها مختلف القوى الجنوبية مجرد رغبات سياسية كل الفضاء المفتوح امام نضالها هو حرية تكوين روئ سياسية و التعبير عنها، اي ان طبيعة الاوعية الجنوبية التي حملت مواقف جنوبية كانت ولا زالت تناهض حالة تسلط وقمع و حظر متعلقة بحق الرأي السياسي، ولم تكن ولازالت لاتناهض حالة الهيمنة السياسية لقوى الشمال التي تمنعها من الحضور في مسألة الحالة السياسية للجنوب، و بعبارة اخرى ظل تعاطي الجميع داخليا و خارجيا مع مواقف تلك القوى الجنوبية باعتبارها مواقف لـ”ناشطين سياسيين” و ليس لـ”مستحقين سياسيين” و مواقفها هي امر يمكن مراعاته في تسوية وضع الحالة السياسية وليس استحقاق يجب التعاطي معه عند تسويتها.
أوعية بطبيعة غير منتجة
كان ولا زال الخطاء الاكبر الذي ارتكبته القوى الجنوبية المعتنية بالحالة السياسية في محافظات الجنوب هو تخليها عن الحزب الاشتراكي اليمني و تركه لقوى الشمال لتشكله او تحاصره حسب ما يناسب اجندتها بينما ذهبت قوى الجنوب للنضال عبر اوعية بطبيعتها غير منتجة، وهي بذلك جعلت الجنوب دون معبر عن حق الجنوب في الحضور كقوة تحظى بنصف الحق في الحالة السياسية تبعا للاتفاق الذي اوجد الحالة السياسية القائمة في الجمهورية اليمنية والتي لا يمكن التاثير فيها بحق ثقل الجنوب كقوة الا عبر الحزب الاشتراكي اليمني، وكان ولا زال على القوى الجنوبية ان تستوعب هذا الامر وان تترك حالة. التخلي عن الحزب الاشتراكي وتعود للانخراط تحت عنوانه وتعزز وضعه ضمن القوى الرسمية المعنية بالحالة السياسية في الجمهورية اليمنية، و ان تتدارس مسألة علاقة الجنوب بالشمال ضمن اطره و تصوغ القرار جنوبي بشكل واحد من خلاله وتعود به الى وضعه المفترض كمكون سياسي معبر عنها امام المكونات السياسية الاخرى الممثلة لقوى الشمال.
ايا تكن التطلعات للقوى الجنوبية المختلفة، من اعادة العلاقة الى وضعها في اتفاق الوحدة الى العلاقة وفق دولة اتحادية واقلمة الى فك ارتباط الى انفصال كل ذلك لا يمكن التحصل عليه ولا يمكن ان يتعامل معه احد من المجتمع السياسي اليمني ومن المجتمع الدولي والاممي كاستحقاق للجنوب وليس كرغبات سياسية لقوى جنوبية الا عبر الحزب الاشتراكي اليمني وحسب، وهذا الامر هو ما على القوى الجنوبية ادراكه و العمل على التحول اليه كيما تسير في خط سياسي منتج لنضالها يمكنه ان يحدث تغييرات سياسية ايجابية للجنوب و للجمهورية اليمنية ككل، فالمفترض هو ان ينتهي كل هذا الانفعال باسم الحراك الجنوبي ويتحول الى موقف وحراك موحد باسم الحزب الاشتراكي اليمني الذي يجب ان تنصهر كل القوى الجنوبية داخله كاول خطوة لاستعادة قوة الجنوب القادرة على التاثير الايجابي في تشكيل الحالة السياسية لمحافظات الجنوب.
على القوى الجنوبية ان تتفهم ان وضع الحزب الاشتراكي اليمني بالنسبة لتطلعاتها في رسم الحالة السياسية في الجنوب ليس شأن تنظيميا متعلقا بالحزب و ان الانصهار فيه ليس امرا قاطعا بالاستمرار في الوحدة الاندماجية او انه لا يمكن النضال للانفصال عبره وفق طرق اتخاذ القرارات فيه، ولكنه وضع متعلق بالحضور الجنوبي كقوة لا يتأتى الا عبره كونه وعائها الرسمي و القانوني الاول و الشريك القادر ان يفرض استحقاقات الجنوب لا ان يستجديها او يتسلق عبرها، وعليها ان تعرف ان الحصار المضروب على الحزب هو حصار مضروب على قوة الجنوب و مالم يكسر هذا الحصار عن الحزب فلن يكسر الحصار عن الجنوب ككتلة شريكة، و لكن الاهم بالنسبة للقوى الجنوبية هو ان تدرك ان الجزء المعطل في هذا الحصار المفروض على الحزب الاشتراكي ليس من قوى الشمال وانما من قوى الجنوب نفسها فهي تعرف تماما انه الوعاء الجنوبي صاحب الحق في الحضور لمسألة العلاقة مع الشمال و كان هو حاملها الى دولة الوحدة اليمنية و بالتالي هو الوحيد الذي يمكن عبره عمل اي شيء تجاه العلاقة مع الشمال، ومع ذلك نبذته و ذهبت للتأطر في شكل قوى جنوبية لا طائل من كلما تعمله ولا نتيجة ستتحقق من كل حراكها.
الجمهورية اليمنية هي حالة سياسية ناتجة عن اتفاق سياسي و لا مجال لتمسك بها او تعديلها او فك الارتباط عنها او الانفصال دونها الا عبر اتفاق سياسي كذلك، والشريك في ذلك الاتفاف هو الذي يمكن عبره عمل اي شيء تجاه هذه الشراكة، و دون التفهم لهذا الامر كلما هو متاح امام القوى الجنوبية هو فصل الجنوب – و ليس انفصاله – وفصله يعني وضع الجنوب على مسار الكارثة و التي ستبدأ و تكون اكثر حدة في الجنوب لكنها ستعم كل الجمهورية اليمنية، لذلك من مسئولية الجميع شمالا وجنوبا تفهم مدى حساسية مسألة الحالة السياسية التي يعمل عليها كل طرف و ليحفظوا البلد من الويلات التي ينزلق اليها نتيجة استمرار السير في مسارات خاطئة لن تحل شيء وفقط ستوصل لكارثة.
رئيس مركز الرصد الديمقراطي – اليمن
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا