المخرج السماوي وسيناريو العبث المليشاوي
يمنات
فارس العليي
يطل عبدالرحمن السماوي من نافذة غرفته الجميلة و الأنيقة و المرتبه بوجه بشوش قائلا لي ولغيري من الشباب والاصدقاء شعراء و صحفيين و روائيين و فنانون و رسامون ممن فقدوا الأمكنة: اصعد ياصديقي، فكان مأوانا. نتنفس ارتياحا من نهلة الضجر الثوري الحالم و خيانات ساسة المشترك الملعونين وبلطجة صالح وزبانيته، نمتد على الفراش و من تحت البطانية نخفت الموسيقى بينما نتحادث في اشكال و إشكالية الثورة و المستقبل ونتصاعد تناهيد الوطن ومصير شبابه الحالم كانوا في الستين او في السبعين، في ساحة التحرير التابعة لنظام صالح او في ساحة التغيير بجامعة صنعاء، لم نكن نسخر ممن لهم رأي مغاير طالما و يجمعنا السلم طريقا حضاريا للاحتجاج.
جاء عبد الرحمن السماوي قبل أن يصبح مخرج سينمائي من قرى عتمة باذخة الجمال كأي يمني حالم و شغوف قادم من الريف، هذا السماوي لم يكن ابنا لشيخ او من ابناء نقباء و اعيان اليمن، قطع صنعاء حافيا الا من الأمنيات الحالمة بالحياة، و كان ادخر من القرية صور تراجيدية و درامية للصبر و الاصرار، وبخفته الساخرة اصبح لديه مشهد لشكل المستقبل الباهر كما تتخيله أذهاننا، نحن الريفيين نصنع افلامنا مبكرا من علاقتنا بقسوة وجمال الطبيعة.
من بلابل الوديان الى ذرى الاعالي الشامخة رحلة مليئة بعلاقات الموجودات والكائنات وتحف رحلة الريفي المتاعب و الصعاب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية .. ورحلة السماوي الى المدينة رحلة اليتيم الذي عليه اجتياز مشاوك الحياة، ينام في الحدائق ويحتذي الأمل ليقطع مسافاته في الشجن، الصديق عبدالرحمن السماوي من القلة القليلة الذين داسو اشواك الحياة ومرارتها، فكتب اغاني مشوار حياته في اشتغالات شعرية و ابداعية.
كان يعمل ليشتري كتبا وبدلات وربطات عنق انيقة، يمشي في شياكة ابن رجل اعمال ممتلئ بالأمل و البهجة و السرور.
و كي يغادر صنعاء لدراسة السينماء في القاهرة باع كتبه ومقتنياته وذهب في مغامرة جديدة، وفي جيبه الأمل و العزيمة و اصرار ملك حميري، تاه في أزقة الحسين وقاضت جبينه شموس عصر شارع الأهرام، لكن رحلة بخطى رجل الأخلاق الرفيعة بما يليق أن يصبح ليس صديقا وحسب بل واخا وفيا لا تنجبه أم.
زرته الى القاهرة و ترافقنا الأماكن والمدن وقطعنا الشوارع بنقاش تاريخي وفلسفي و شعري وسينمائي محتدم، كان يناضل في سبيل النجاح، وليس من أب او أخ يفاجئ انشغاله التدريبي والتعليمي بحواله مالية تريحه من جهد اضافي كان يؤديه ليقتاد لقمة عيشه.
المخرج السينمائي عبدالرحمن السماوي تعرض في صنعاء لمضايقات من قبل مسلحين مجهولين قبل فترة بسيطة بعد تهديدات ومضايقات و رسائل تلفونية، كان يحكي لي بحشرجة فضاعة الموقف عندما اوقف سيارته مسلحين مجهولين واجبروه على ترجل سيارته اثناء القائهم على مسامعه خطبة عصماء عن الوطن ومعاني الخيانة، في حين كان صراخ طفله من المقعد الخلفي للسيارة يملأ الشارع وﻻ من اعتراض بشري في حضرة حماة الوطن و الوطنية، قصص واقعية مريرة على السماوي اخراجها الآن، مثلما غامر ايام ثورة الشباب في 2011 بكاميرته السينمائية التي التقطت مشاهد العديد من بطولة الثائرين ذوي الصدور العارية امام رصاص واسلحة نظام صالح والإصلاح، و وزعها على القنوات وزملاء العمل الاعلامي و السينمائي دون أي مقابل، ثم فقد كاميرته ومصادر عيشه ولم يلتفت اليه احد.
و انتهت مطاردته باتصال هاتفي ناصح بضرورة سرعة مغادرة صنعاء الى مكان يمني آخر و هكذا استقر به الحال لدى احد اقاربه في عدن، لكنها ليست النهاية المستحقه لمبدعي اليمن، ليست التراجيديا التي يتوقعها اليمنيين في الألفية الثالثة..
مايحدث للأصدقاء و اليمنيين بشكل عام من عدن مرورا بتعز و صنعاء وانتهاء بحجة جرح يمني يحرق اصابع الانتماء ويحز انفاس الرمق الأخير.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا