هل ستقلب “القاعدة” الطاولة في اليمن..؟ وكيف سيكون الترحيب “القاعدي” بجنود المارينز..؟
يمنات
1- وجود الأمريكان في اليمن يعطي “القاعدة” المبرر الشرعي للقتال، ويوفر عليها مشواراً كبيراً من التوعية والدعاية والترويج لمشروع الجهاد، بينما تعجز القوات الإماراتية والمليشيات اليمنية عن أن تصمد أمام حجج “القاعدة” العقلية والشرعية، ويجدر التذكير هنا بالفتوى التي أصدرها علماء اليمن حول التدخل الأمريكي عام 2009م.
2- قتال الأمريكان وجهاً لوجه هو حلم “القاعدة” الذي تتمناه وتسعى له منذ عقود، فأي هدية تعدل تقديم هذه الهدية لـ”قاعدة اليمن”، وهل يظن الأمريكان أن “القاعدة” ستقدم على ضرب شيء آخر..؟
3- فقط نحن بحاجة لمزيد من الوقت، لنشاهد كيف تقلب “القاعدة” الطاولة على جميع الأطراف، وكيف سيكون الترحيب “القاعدي” بجنود المارينز … فقط تذكروا أن “القاعدة” تقرأ المشهد بشكل جيد.
هذه الأسباب الثلاثة يرى القيادي في تنظيم “القاعدة”، “أبو بصير”، في حديث إلى “العربي”، أنها كافية لإثبات أن الأمريكان قد وقعوا في الفخ، بفتحهم الحرب مع التنظيم على أرض اليمن، وهو حلم يتحقق واقعاً اليوم في أبين وشبوة والبيضاء. ويتوعّد “أبا بصير” بهزيمة الأمريكان.
واقع مغاير
لا مظاهر مسلحة ولا حواجز عسكرية بتجهيزات ضخمة تصادفك أثناء سيرك على طول الطريق الرابط بين محافظتي عدن وأبين، سوى نقاط يقف فيها مسلحون بلباس نصف مدني. صورة تتلاشى معها كل الأفكار المسبقة عن حالة حرب ومواجهات وتوتر يسود الوضع في غالب مدن وبلدات محافظة أبين، على الرغم من تمكن عناصر “القاعدة” من تنفيذ هجمات نوعية ضد القوات الحكومية الموالية لـ”الشرعية”، كان آخرها استهداف معسكر لقوات “الحزام الأمني” وسط مدينة زنجبار، مركز محافظة أبين، يوم الجمعة قبل الماضي، بسيارة مفخخة يقودها انتحاري، وهو الهجوم الذي أودى بحياة 11 جندياً وأصاب آخرين.
إدارة أمن أبين التي اتخذت من مبنى السلطة المحلية المدمر، بفعل دورات الحروب التي شهدتها مدينة زنجبار، مقرّاً مؤقتاً لها، يحرسها عدد قليل من الجنود، ويغيب عنها جميع الموظفين والإداريين والضباط بفعل خلافات بين قيادات الأجهزة الأمنية في المحافظة، توّجت مؤخراً بانسحاب بعض قوات وحدات “الحزام الأمني” من البلدات النائية التابعة لمحافظة أبين، بينها لودر والمحفد والوضيع وأحور. إنسحاب أتاح لعناصر تنظيم “القاعدة” التحّرك بحريّة أكبر في تلك المناطق، ونصب نقاط تفتيش على الطرقات لساعات معدودة بين الفينة والأخرى، سرعان ما ترفعها، خشية استهدافها من قبل طائرات “التحالف العربي”.
في زنجبار، لا وجود فعلياً لـ”القاعدة” عدا بعض العبارات والشعارات التي تدعو للجهاد، وأخرى مؤيدة لزعيم “أنصار الشريعة”، جلال بلعيدي الزنجباري، الذي قتل بغارة جوية يعتقد أنها أمريكية، استهدفت سيارة كان يستقلها على الطريق الواصل بين محافظتي شبوة وأبين، في السادس من أبريل عام 2016م. لم ينتهز تنظيم “القاعدة” فرصة وجود الفراغ الأمني الذي خلقه انسحاب وحدات “الحزام الأمني” من بعض مديريات محافظة أبين لإسقاط هذه القرى والبلدات بيده، كما فعل ذلك سابقاً لمرتين متتاليتين، العام 2011 والعام 2016 المنصرم، بل اكتفى بشن هجمات محدودة ضد القوات والمقرات والنقاط التابعة للأجهزة الأمنية.
مرد ذلك، بحسب متخصصين في شؤون الجماعات المسلحة، إلى افتقار التنظيم إلى القيادات الفاعلة التي قتل كثير منها في هجمات نفذتها طائرات من دون طيار يعتقد بأنها أمريكية، ما ألجأه الى اعتماد حرب العصابات، عبر عمليات مركزة وخاطفة أطلق عليها تكتيك “الذئب المنفرد”. وما الهجوم الذي شنّه، قبل أيام، مسلحون من “القاعدة” على نقطة العرقوب التابعة لوحدات “الحزام الأمني”، وأسفر عن مقتل خمسة من الجنود إلا أنموذج لهذا التكتيك.
يسعى التنظيم، بحسب معلومات ومعطيات، إلى إثبات وجوده وارساله رسالة مفادها بأن الضربات الأمريكية الأخيرة “لن تزيد التنظيم إلا قوّة وصلابة وأتباعاً وأنصاراً، وأن تلك الهجمات لن تتمكن من استئصاله باعتباره فكراً لا حزباً”.
جاء ذلك في بيان صدر عن التنظيم بعد الضربات الأمريكية الأخيرة على مواقعه في جبال موجان وصعيد شبوة ويكلا البيضاء، لم يتم تداوله على نطاق واسع، بفعل حالة الإرباك التي أحدثتها الضربات الأمريكية، التي كانت مركّزة وفق معلومات استخبارية دقيقة.
ثقة معدومة
هل نسقت الولايات المتحدة مع الحكومة اليمنية حقيقة قبل تنفيذ الضربات، ومع أي من الحكومتين: ابن دغر في عدن أم ابن حبتور في صنعاء..؟ دوائر الإستخبارات الأمريكية لا تثق بعدد كبير من المسؤولين الحكوميين في اليمن، ولديهما معلومات واعترافات لمتهمين ضالعين في عمليات إرهابية تقول إن شخصيات تشغل مناصب رفيعة في الحكومة “الشرعية”، بعضها أمنية، متورطة في دعم هذه الجماعات، وسهّلت نقل عناصر تنتمي لتنظيم “القاعدة” إلى سوريا والعراق.
كما أن هناك اتفاقية وقعت سراً بين الحكومة اليمنية والجانب الأمريكي، وافق بموجبها الجانب اليمني على منح الجانب الأمريكي الحرية الكاملة في ضرب الأهداف في أي منطقة في اليمن، وعدم رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الدولية حال سقط مدنيون جراء تلك الضربات، فضلاً عن تنفيذ الهجمات دون إبلاغ الجانب اليمني أو التنسيق معه مسبقاً.
و تأتي التصريحات الأمريكية الصادرة عن الـ”بنتاجون” بعد الضربات الأخيرة، بشأن وجود تنسيق قبلي مع الحكومة اليمنية، ضمن ذلك السياق المتبع دوليّاً.
لا شك في أن التنسيق الفعلي كان مع عمليات “التحالف العربي”، باعتباره هو من يفرض حظراً جويّاً في اليمن منذ اندلاع “عاصفة الحزم” مطلع العام 2015م. كما لا شك في أن الضربات الأمريكية الأخيرة التي أوقعت 25 قتيلاً من عناصر التنظيم، وجرحت عشرات آخرين، أوجعته، لكنها على ما يبدو، لن تقضي على قدرة لديه، أثبتها، على التكيف والنهوض والعمل في أصعب الظروف وأعقدها.
مصادر وثيقة تكشف، لـ”العربي”، أن الهجومين الأخيرين على مواقع التنظيم في جبال موجان في محافظة أبين، وبلدة الصعيد في محافظة شبوة، ويكلا في محافظة البيضاء شمالاً، أثرت بشكل كبير على قدرات التنظيم القتالية، غير أنها لن يكون بمقدورها القضاء على نشاطه بشكل نهائي.
و كان قال “القاعدة”، في أول رد على الهجمات الأمريكية، إن “حرب أمريكا الصليبية لن توقف زحف التنظيم وتثني عزيمته وتكسر همّته”، واصفاً الحملة العسكرية الأمريكية على التنظيم بأنها “حرب على الإسلام والمسلمين”، مستغرباً عدم وجود أصوات تستنكر هذه الحملة، بعد وقوف التنظيم في وجه ما سماها “الحملة الصفوية على أهل السنّة، التي كانت فيها القاعدة هي الدرع المتين في المواجهات والمعارك الدائرة في اليمن”.
قطعة السكر
أهلاً بالـ”مارينز”… هنا “قاعدة اليمن”. هذا الترحيب جاء على لسان قيادي في تنظيم “قاعدة الجهاد في جزيرة العرب”، يكنّى بـ”أبي بصير”، أطلقه، في حديث إلى “العربي”، بداية العام الحالي 2017م، قبل دخول قوات “الحزام الأمني” وبسط سيطرتها على مدن وبلدات محافظة أبين، وفي وقت كانت تتزايد فيه التوقعات بضربات أمريكية في اليمن. يوضح “أبو بصير” أنه عندما يعلن الـ”بنتاجون” أنه قتل عشرة من “القاعدة” في اليمن عبر قصف جوي لم يحدد مكانه ولا طبيعة الأشخاص المستهدفين، فاعلم أن وزارة الدفاع الأمريكية تبحث عن نصر ولو كان رخيصاً. ويتابع أنه “عندما يصرح قائد القوات الإماراتية التي قادت الحملة على ساحل حضرموت بأن القاعدة خبيثة وذكية، فاعلم أنه يتميز غيظاً لأن القاعدة أفشلت مخططاً ما. وعندما تصرح قوات التحالف بأنها قتلت أثناء الحملة على مدينة المكلا 800 عنصر من القاعدة، ثم تعجز عن نشر صور لعشر جثث منهم، فاعلم أنك أمام كذبة أبريل، ليس لعام 2016، ولكن لعشر سنوات إلى الأمام. عندما تعلن وزارة الدفاع الأمريكية أنها نشرت جنوداً وفرقاً عسكرية أمريكية في حضرموت، فهذا يعني أن القاعدة تكسب المعركة الشرعية والاعلامية”.
القراءة التي ساقها القيادي “أبو بصير” تشير إلى أن التنظيم بالفعل يحتاج إلى تدخل أمريكي مباشر في اليمن لأسباب موضوعية يفصلها بقوله: “لست مبالغاً إن قلت إن مشروع أمريكا في اليمن قد مني بنكسات كبرى خلال السنتين الأخيرتين، وهو ما يفسر المحاولات الحثيثة التي تتبناها وزارة الدفاع الأمريكية لإثبات أي نصر في ما يتعلق بالحرب على القاعدة في اليمن، ونستطيع القول إن الضغوط الداخلية والخارجية التي تثقل كاهل الإدارة الأمريكية جراء فشلها في مواجهة قاعدة اليمن هي التي دفعت بها إلى مغامرات غير مدروسة، تمثلت بشكل واضح في لعب أدوار سياسية لإيقاف الحرب بين دول الخليج والحوثيين، والمباشرة في حرب عسكرية عبثية ضد القاعدة، استناداً إلى تحالفات هشة البنية. والأمر الملفت اليوم هو التبني الرسمي من قبل وزارة الدفاع الأمريكية لكل الخطوات التي تقوم بها، على خلاف ما كانت تنتهجه في السنوات الماضية حيث كانت تلتزم الصمت غالباً”.
يرى “أبو بصير” أن “حاجة الولايات المتحدة إلى تبني الحرب” ضد “القاعدة” تفرضها “حسابات داخلية وتوازنات دولية”، وهذا أيضاً سيخدم “القاعدة” إعلامياً باعتبارها “من يتحكّم بالمشهد”. يقول: “يبدو أن القاعدة – على الأقل – بالنسبة للإدارة الأمريكية صارت هي الرقم الأول في المعادلة في الشأن اليمني، وباتت هي المركز الذي تبنى عليه الترتيبات السياسية والأمنية والعسكرية، وهذا ما يجعل القاعدة تتحكم في المشهد بشكل غير مباشر، وهذه هي إحدى عوامل قوتها في الساحة اليمنية، وهو ما يدفع خصومها لاتهامها بأنها تتحرك في الساحة لأجل خدمة كل الأطراف”. يلفت إلى علاقة طرفي “التحالف”، السعودية والإمارات، بالولايات المتحدة و”القاعدة” في آن، معتبراً أن “السعودية أسقط بيدها بعد أن تفردت الإمارات بالمشهد، وليس هذا فحسب بل أصبحت الإمارات تنفذ الخطة الأمريكية في اليمن بحذافيرها، وبكل تفاصيلها، ما يعني عدة أمور”.
هل وقعت أمريكا في الفخ؟
هل كان بإمكان الأمريكان عدم إعلان مسؤوليتهم عن الهجمات على مواقع التنظيم..؟ ورمي المسؤولية وتبعاتها على طيران “التحالف العربي” وقواته التي تخوض حرباً مع التنظيم في كل من أبين وحضرموت، وقبلها في لحج وعدن، بمساندة “المقاومة الجنوبية”؟ على ما يبدو، سعت الإدارة الأمريكية الجديدة إلى تسجيل حضور قوي في منطقة باتت تتسيّدها دول أخرى كروسيا والصين.
متابعون يمنيون يخشون من توسع رقعة التدخل الأمريكي، الذي سيجلب معه عشاق مواجهة الأمريكان من أصقاع المعمورة بمظلة دفع العدو الأمريكي الصائل عن أرض اليمن، لتكون ساحة بديلة للمواجهات، في تكرار لسيناريوهات سوريا والعراق وقبلهما أفغانستان، وما يعنيه ذلك لبلد يعيش أكثر من 80% من سكانه تحت خط الفقر بخطوط. يضاف إلى ذلك أن تأكيد وزارة الدفاع الأمريكية وجود تعاون ودعم من الحكومة اليمنية للهجمات الأمريكية قد يدفع بالتنظيم إلى ردات فعل انتقامية.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا