فقهاء بحاجة لدورات مكثفة في تربية الدواجن
يمنات
فكري قاسم
لا أستطيع الخوض في أي نقاش ديني صراحة، لأنني أخاف من العواقب، خصوصاً وأن “الفقيه” الذي كان يدرسنا تحفيظ قرآن زمان في مدرسة “الرحمة” بتعز طردني ذات يوم من الحصة، لأنني بسذاجة طفل سألته عن الله، وهل يأكل بيده اليمنى أم باليد الشمال؟ ولم أنته من سؤالي ذاك إلا وسعادة “الفقيه” يستغفر الله بصوت مسموع، ويقولي وهو يتقمبع كما الملسوع:
– أستغفر الله… أستغفر الله
ماجعل وجهي أمام الطلبة يتحول يومها من شدة الخوف إلى إشارة مرور يصفر ويحمر ويخضر، وقلبي ينتفض مثل أرنب مذعور. وبدلاً من أن يرد “الفقيه” على سؤالي البسيط من تلميذ لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، وجدته بسلامة روحه ينهي استغفاره بسرعة، ثم فتح باب الفصل وهو يصرخ في وجهي أمام الكل: “أخرج من الفصل يا ابن السوق”.
– الله، إيش عملتوا؟
سألته وأنا مستغرب، والإهانة تضرب روحي، ورد علي وهو يتقارح: “الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء يا ابن السوق”. ومن يومها طبعاً وأنا لا أسأل مخلوقاً عن الله، وكلما أردت أن أعرفه أحصي نعمه علي، وأمسك المصحف وأقرأ دون الحاجة لـ”فقهاء” أجدر بوزارة الأوقاف أن تعطيهم دورات مكثفة في تربية الدواجن، لأن تربية الأجيال مسؤولية، مُش كل من لبس عمامة أو معه لحية وحمل حِقداً لليهود والنصارى قُلنا به أزقم هه، و تعال ربي الأجيال.
ولقد كان ذلك “الفقيه” – بالمناسبة – يخبرنا دائماً أن الدين الإسلامي دين عطف ومحبة ورحمة وشفقة، دون أن ينسى عصاه الخيزران في البيت ولو لمرة واحدة، ولطالما كان يذرع ظهورنا الصغيرة بتلك الخيزران الطويلة واللعينة وهو يخبرنا “الإسلام ما مثله دين”، بينما كنا نسمعهُ ونحن معطوفين فوق الكراسي نتلهبب من شدة الضرب، ولم نكن لنشعر برحمة الدين الإسلامي الحنيف إلا عند انتهاء الدرس ومغادرته باب ذلك الفصل الكئيب.
في إحدى المرات، كانت الحصة تسميع، ولما جاء دوري طلب مني أن أسمع له سورة “الكافرون” غيب طبعاً. ويا ساتر يا الله، بمجرد أن وقفت أمامه ورحت أتلوها تلخبطت للأمانة، لقد كنت مفجوعاً من الخيزران التي في يديه أكثر من خوفي من أي جحيم آخر، وأنا شخصياً اتلخبط كثيراً بترتيب آيات سورة “الكافرون”، حتى وصلت إلى عند “لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد و…”، بدأت اللخبطة عندي وعينك ما تشوف إلا النور.
لقد ذرع الخيزران فوق جسدي الناحل، وراح يحفظني السورة ذيك الساع، ومن جديد يا جديد، والعصى تتمشى فوق جسمي الملتهب. وبينما كنت بين يديه أبكي من الألم وأرتعش مثل الفرخ، كان سعادة “الفقيه” يتهجى سورة “الكافرون” بالعصى فوق ظهري الناحل ويرتلها آية آية، وبعد كل آية كنت أرددها خلفه كان يذرعني خبطة أخرى بالخيزران تنسيني ما قرأته من قبل، ولم تنته سورة “الكافرون” يومها إلا وأنا مضروب بين التلاميذ، وأتنطط في الفصل كـ”الكنغر” من شدة الألم، وكأنني أنا “الكافرون”.
والحمد لله عموماً أنني يومها لم أكن مطالباً بتسميع سورة أطول من سورة “الكافرون”، ولا أدري ما الذي كان سيحدث لي يومها، أو كيف كانت ستنتهي حصة التسميع تلك لو طلب مني أسمع له سورة “عبس وتولى”؟! لكن الباري كريم خارجني، بعد أن عشت يومها أسوأ حصة تسميع في حياة مسلم.
وأقسم أنني منذ ذلك اليوم وحتى اللحظة، وأنا لا أزال أكره سورة “الكافرون”، ولا أحفظها ولن أحفظها مهما حاولت، وإذا أراد أحدكم أن يخرجني من الإسلام، عليه الآن أن يطلب مني، الآن، وبكل بساطة، أن أسمع له سورة “الكافرون”، لكن من دون خيزران لو سمحتم.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا