الضربة الامريكية في سوريا زلزال سيخلّف تسونامي يهاجم النظام العالمي
يمنات
عبد الوهاب الشرفي
59 صاروخا اعلن البنتاجون انه اطلقها على قاعدة الشعيرات العسكرية في سوريا لتدشن بذلك الولايات المتحدة الامريكية مرحلة ترامب في الملف السوري و بالتبعية في منطقة الشرق الاوسط ككل.
الذريعة المستخدمة لتغطية هذا الانتهاك هو جريمة خان شيخون بالكيماوي بحق المدنيين في جريمة غاية في البشاعة وحادثة انسانية بطبيعتها توجب رد فعل كبير، لكن الامر هنا ليس متعلق برد الفعل الكبير، و انما متعلق بتوجيه هذا الرد، فالمنطق العدلي و الانساني و الاممي و القانوني جميعها تقول ان هذا الرد الكبير تجاه هذه الجريمة الفظيعة يجب ان يوجه باتجاه فاعلها و ليس باتجاه من تريد الاجندات السياسية ان توجه ضده، و هنا بيت القصيد في الموضوع.
ليست اول مرة تستخدم الولايات المتحدة وحلفائها الجانب الانساني لصالح الاجندة السياسية في الملف السوري فالسجال العريض بين الولايات المتحدة و حلفائها و بين روسيا و حلفائها كان معتمدا بدرجة محورية على هذا التفصيل، فكل الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين كانت تجير من فورها لصالح تسجيل نقطة ضد روسيا و ضد النظام السوري دون ان تكلف الولايات المتحدة و حلفائها أنفسهم الدفع باتجاه التحقيق القانوني لتحديد الفاعل و من ثم تحميله المسئولية بصفة قانونية و رسمية.
جريمة خان شيخون مثلها مثل كل الجرائم التي تمت بحق المدنيين في سوريا جُيّرت من فورها ضد النظام السوري، و بالتالي لا جديد فيها بالمرة من ناحية توظيف الانساني لصالح السياسي، و لكن الجديد الخطير فيها هو استخدامها من قبل الادارة الامريكية كذريعة للخروج على القانون الدولي و انتهاك النظام العالمي.
توجية ضربه عسكرية لسوريا او لغيرها هو امر يتطلب حقا قانونيا للاقدام عليه و هذا الحق لايمكن التحصل عليه الا من خلال صدور قرار اممي يجيز ذلك، و في سبيل الحصول على مثل هكذا قرار ظلت الولايات المتحدة و حلفائها يعملون للحصول عليه منذ بداية الازمة السورية، و حتى مغادرة اوباما للبيت الابيض مع الفشل في ذلك كل مرة لمعارضة روسية صينية لسماح بمرور هكذا اجازة دولية لتوجيه ضربه لسوريا، و مع فشل كل المحاولات للمحور الامريكي في عهد الرئيس الامريكي اوباما لاستصدار قرار اممي الا ان الادارة الامريكية لم تندفع لمجاوزة القانون الدولي و لانتهاك النظام العالمي مقدرة بشكل جيد ما الذي يمكن ان يترتب على ذلك، و بالتالي انحصر موقفها في مراكمة تركة الاعتراض على الكاهل الروسي الصيني، و حسب حاصرة للصراع القطبي حول سوريا في دائرة المكسب او الخسارة السياسية.
بشاعة جريمة خان شيخون فرضت تكون على طاولة مجلس الامن من فور وقوعها و بذات السجال الامريكي الروسي الذي تستنفر فيه امريكا لادانة النظام الروسي و تحميله مسئوليتها معتمدة على جلبة اعلامية و سياسية و تستنفر روسيا لدفع باتجاه التحقيق أولا لتحديد الفاعل معتمدة على ما يتوفر لها من معطيات لاتدعم الاتهام الامريكي، و ككل مرة من هذا النوع فشل مجلس الامن في اصدار قرار بشان هذه الجريمة و لتندفع الولايات المتحدة خارج دائرة السجال السياسي و توجه ضربة عسكرية جوية لسوريا بقرار ذاتي لم ينتظر حتى انتهاء التفاعل الساخن بشأن الجريمة داخل اروقة مجلس الامن.
مع ان الولايات المتحدة الامريكية قررت الاقدام على ضربة عسكرية تنتهك بها القانون الدولي و تهدد النظام العالمي الا انها قد وضعت احتياطتها للحد من ردود الافعال تجاه هكذا عمل سواء بالابلاغ المسبق للروس بالعملية بها و كذا بتحديدها بقاعدة عسكرية سورية واحدة تتميز بعدم وجود روسي فيها من اي نوع، و كذا بالتصريح السريع للرئيس الامريكي ترامب ان هذه الضربة هي ضربة وحيدة ردا على المجزرة و ليس هناك ضربات اخرى ستلحق.
روسيا تقول ان الضربة الامريكية كانت مخططة من قبل جريمة خان شيخون و ان الفترة الزمنية بين الجريمة و الضربة غير كافية للاقدام على هكذا ضربة، و لكن ان هذا التصريح الروسي ليس دقيقا و ان كان صائبا في مجمله، بمعنى ان هذه الضربة تحديدا لم تكن مخططة من قبل وما يدعم ذلك مااعلنه الروس انفسهم بأن ما وصل لقاعدة الشغور هو فقط 23 صاروخ من الـ 59 صاروخا التي اطلقتها واشنطن ما يعني ان هذه العملية لم تحظ بالقدر المثالي من الاعداد لها، و لكن هذا الامر يثبت صحة القول الروسي في مجمله فما كان مبيتا من قبل جريمة خان شيخون هو قرار جديد للتصرفات الامريكية في سوريا بقرار فردي بعيدا عن الطاولة الاممية وهو ما سمح باقتناص فرصة جريمة خان شيخون قبل ان تتكشف ملابساتها و يضعف دورها في تغطية اخراج القرار الامريكي الجديد بشأن العمل في سوريا الى الواقع.
الرد الروسي عسكريا على الضربة الامريكية لم يكن بين احتمالات ردود الافعال عليها فما اتخذته الادارة الامريكية من تدابير سبق ذكرها للحد من ردود الافعال جعلت الرد الرد العسكري الفوري ساقط منذ البداية ولكن القرار الامريكي الجديد بخصوص العمل في سوريا هو الذي سيجعل ردود الفعل تاخذ مسار التداعيات المتمحورة حول دفاع روسيا عن حظورها الاممي و الدولي قبل ان يكون الامر بالنسبة لها دفاعا عن النظام السوري.
التداعيات التي ستترتب على الضربة العالمية ستجعل الامن العالمي اكثر هشاشة من ذي قبل فمستوى التفاعلات العالمية تنتقل الى مستوى اعلى و بداية بالسجال السياسي الذي يمكن ادراكه من مجلس الامن ذاته الذي كان على طاولته قبل هذه الضربة جريمة خان شيخون و النظام السوري بينما بعدها سيكون على طاولته اليوم الضربة الامريكية وانتهاك القانون الدولي، كما سيحضر الاستخدام الامريكي للجماعات الارهابية لصالح الموقف السياسي بشكل اكثر سفورا من عهد اوباما و ما سيترتب على ذلك من انعكاسات على التنسيق الامريكي الروسي في سوريا.
عسكريا ستبدأ روسيا بالاحتياط لتكرار الولايات المتحدة انتهاكها للقانون الدولي و التصرف المنفرد في سوريا و سيتمثل ذلك بزيادة تسليح النظام السوري بالقدرة الصاروخية و الرادارية و اللوجستية المختلفة، و كذا زيادة الحضور بالسلاح في المنطقة ككل و هو ما يزيد من نقاط احتمال الاحتكاك بين الشرق و الغرب في سوريا و في منطقة الشرق الاوسط ككل.
امنيا ستتكسر كثير من ضوابط العمل العالمي في سوريا الموضوعة لعدم الاحتكاك المباشر و انزلاق التواجد العالمي في سوريا الى صراع مباشر و هذا الامر ستكون حدته عالية اذا ما اخذنا في الاعتبار زيادة النقاط المحتملة للاحتكاك بين الشرق و الغرب نتيجة التداعيات العسكرية للضربة الامريكية.
في اطار التنافس العالمي ستكون التداعيات سلبية ايضا فالتجاوز الامريكي و انتهاكه للنظام العالمي سترتب عليه شد روسي اعلى في مختلف الملفات ذات العلاقة في منطقة الشرق الاوسط و في غيرها من العالم، فالموقف الروسي في اليمن او في ليبيا او الجزائر او مصر او شرق اوربا او وسط وجنوب اسيا كلها سيكون الموقف الروسي اكثر تشددا في سبيل اثبات روسيا لحضورها العالمي الذي ترى ان الولايات المتحدة انتهكته بضربها في سوريا و احتمال تكرار انهاكه قائم بقوة ولابد لها من حماية دورها وحظورها العالمي.
ما قامت به الولايات المتحدة بضربها في سوريا بقرار منفرد في شأن ذو علاقة مباشرة بالامن والسلم الدوليين وفي ملف هو الاكثر حساسية وسخونه عالميا يمكن تشبيهه بزلزال ضرب بدرجة عالية وسيتلوه تسونامي سيغرق شاطئ النظام العالمي و سيكون الامن الدولي و الامن العالمي اكثر هشاشة من قبل الضربة بكثير.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا