انفصال أو اتحاد ..الحقيقة بدون مكياج
يمنات
د. أيوب الحمادي
يكثر تعاطي الناس و الحراك للقضية الجنوبية من زاوية واحدة و هو الانفصال لكن هذا الامر يتطلب التعاطي معه ليس كما نريد عاطفيا و انما واقعيا, فلا يمكن الدخول الى معركة دون ان نعرف اين نقف.
شحن الناس ضد الوحدة و الشرعية بمعلومات غير صحيحة من وجهة نظري لا يقود الا الى تضليل الناس اي اسلوب شيطاني. فيمكنك ان تطالب بالانفصال و يمكن للناس تحدد خيارتها لكن ضعها امام الحقائق دون التلاعب بحرية الاختيار, لان ذلك اغتصاب لعقل المجتمع و برمجته بنظام تشغيل قديم مبني على مغالطات, لذلك لم يتحرك المجتمع خطوة الى الامام.
و رغم اني كتبت حول ذلك انما سوف احاول اشرح فقط نقطة بسيطة و هو الانفصال بين الواقعية و الاوهام كنقطة طرح و نقاش لكم مع القيادات, التي تتجمعون حولها حتى تعرفون واقعكم..؟
نبدأ من النهاية و نقول لن يكون هناك انفصال و لا فك ارتباط إلا إذا وجدنا, اولا الاستقلالية الاقتصادية, ثانيا الصيغ القانونية, ثالثا التوافق الاجتماعي, رابعا القوة العسكرية, و خامسا الحامل الدولي للمشروع اي الدعم الاقليمي و الدولي لذلك, و التي سوف احاول اتطرق اليهن بهدوء لكن لا تنفعلوا من طرحي لانه يطرح الحقيقة دون مكياج, لنعرف هل نحن نساهم فعلا عبر الانفصال و الوقوف ضد الدولة اليمنية ممثلة بالشرعية في استقرار مجتمعنا ام العكس..؟
فمن النواحي الاقتصادية كل المؤشرات تقول أن موارد الجنوب قبل الحرب كانت لا تمثل 28% من إجمالي موازنة الدولة اليمنية بينما موارد الشمال تمثل نسبة 72% من الموازنة العامة للدولة و يشمل ذلك نفط و غاز و ضرائب و جمارك و زراعة و سياحة و متحصلات و إيرادات زكوية و غيرها هذه واحدة.
و بحكم التوثيق ناخذ ارقام حكومة 2014 كاخر مرحلة طبيعية حول حقول النفط و الغاز. حقول النفط في الاراضي الجنوبية لليمن تنتج حولي كمتوسط 120 ألف برميل من قطاع 10 تعمل فيه توتال الفرنسية و حقل المسيلة قطاع 14 و المملوك لشركة بترو مسيلة و قطاع 51 لشركة صينية و حقلان صغيران الأول حقل العقلة لشركة “او ام في” ولا يزيد انتاجه عن 20 ألف برميل و حقل مالك في المسيلة و هناك حقول اخرى, كل هذه الحقول تصدر النفط عبر حضرموت من ميناء الضبة.
في الاراضي الشمالية أي مارب توجد حقول صافر مع حقل جنة هنت المشترك تستخرج اليمن كمتوسط 130 ألف برميل اي تقريبا نفس الكمية, مع فارق ان صافر ملك للحكومة اليمنية 100%, اي ان الثروة الاقتصادية لبناء دولة على النفط غير موجود لا في الشمال و لا في الجنوب، لاسيما و اسعار النفط منخفظة و لن ترتفع بعد الآن و الاسباب عديدة, فصلتها بمنشورات قبل سنة. هذه الارقام مقيدة من حكومة 2014 في تقييم تفجير انابيب النفط, اي بعد انطلاق الحرب ليست هناك ارقام واضحة.
الآن بيطلع واحد يقول و الغاز, لماذا لا نحسبه..؟ و اقول بالمختصر ان كل تصدير الغاز الى قبل الحرب اي 2014 كان من الشمال, و المعلن أن نصيب الحكومة اليمنية هو 21% من إجمالي الشركة و الباقي لتوتال و غيرها. و الآن بيرد واحد و يقول لكن نحن في الحراك نشاهد ان الغاز يصدر من الجنوب, و انتم تغالطون في قلب الحقائق..؟
ياخي صحيح ان الغاز يصدر عبر ميناء بلحاف و لكن لو اطلعت على الاتفاقيات و ايضا سألت من يعملون في هذا الامر او رجال الدولة الجنوبيون لقالوا لك ان الغاز من الشمال و اصلا مش محرز لبناء اقتصاد دولة يمنية، لاسيما و كل نصيب و عائدته للحكومة اقل من نصف مليار دولار اي ليس هناك اسرار, هذه ليست بالمبلغ الكبير في السنة. اي ان الثروة الاقتصادية لبناء دولة على الغاز غير موجود لا في الشمال و لا في الجنوب.
الى هذه النقطة ممكن نفهم ان الوضع الاقتصادي للجنوب لا يتحمل ميلاد دولة و لا استمرار الحرب يضمن استمرار اليمن كما نعرف, دون دعم خارجي و بيع و ارتهان للسيادة.
الآن واحد اخر يقول, بما معنا سوف تعيش الدولة و نحن اصلا اقل منكم اي يقصد الشمال..؟ و هنا سوف اقول له غير صحيح, لن تستطيع الدولة الجديدة ان تصرف مرتبات من هم من الجنوب في جهاز الدولة اليمنية. فمثلا في الحوار الوطني كان الحديث عن تقريبا 990 الف موظف كانوا في اليمن الجنوبي قبل الوحدة في القضية الجنوبية من ممثلين القضية الجنوبية, اي من كانوا في جهاز الدولة, و الذي كان رقم غير منطقي لأنه يقول ان نصف السكان في الدولة, لكن في جدول النقاش و المظلومية كان هذا الرقم في الجداول, و كان الهدف اعطاء الجنوب يكمل بقية العدد.
واقعيا حسب جداول الخدمة المدنية بعد الوحدة وظائف الجنوب في الدولة 440 الف حسب كشوفات الوحدة و 40 الف الزمرة اي 480 الف شخص و هناك ارقام تتحدث عن عدد الموظفين في الجنوب قبل الوحدة 380 تم دمجهم. اي الانفصال ليست فقط زعامات و انما توفير مرتبات لما يقارب من 600 الف شخص كرقم واقعي الآن، أي النفط لن يكفي للاستهلاك و المرتبات.
طيب , ماذا عن رؤوس الاموال الا يمكن يعتمد عليها الحركيين اي المؤشر الثاني..؟
المؤشر الثاني رؤوس الأموال الموجودة في اليمن مهم جدا لنجاح عامل الاقتصاد لكن قد تنزعج لو قلت لك, ان رؤوس الاموال في اليمن شمال و جنوب و شرق و غرب هي رؤوس أموال شمالية و تبلغ 80 الى 85% من البيوت التجارية, و السبب بسيط ان في الجنوب لم يتواجد اصلا قطاع خاص و لا سوق مفتوحة, و الدولة قبل الوحدة ميزانيتها لم تتجاوز 200 مليون دولار, و دخلها القومي الى نهاية السبعينيات بداية الثمانيات في حدود 150 مليون دولار, اي لا يمكن ان يتضاعف الى قبل الوحدة الى مليار، و انما اكثر فهو نصف ذلك و لو انه مستبعد و يظل العدد 350 مليون دولار دخل قومي هو الاقرب للواقع لأن السوق مغلقة و ليس هناك حركة تجارية او استثمار, و النفط لم يظهر الا في 1993, اي الجنوب دولة فقيرة. و ايضا اغنياء الجنوب بعد الوحدة في نظام صالح هم شركاء مع رجال صالح، أي الامور معقدة و الحضارم اكثر حذر, لن يعودون لدولة فيها عدم استقرار, و لا اظن سوف يكون هناك استثمار او استقطاب لمستثمرين و سلوكنا مناطقي اقصائي في السنوات القادمة اذا لم نكون منفتحين.
ياخي انتم في الشمال تعبتونا, كان عندنا نظام و دولة, و مرتاحين من سرق الشمال..؟
اتفق معك ان في الشمال سرق و انهم نهبوا الجنوب و الشمال, و لكن انا شمالي و هناك 25 مليون شخص احتمال لم يدخلوا الجنوب فكيف تتهم ان الشمال كما تقول, لكن ارجع الى تقرير باصرة و هلال سوف تجد انهم من الشمال و الجنوب الحرمية, اي لا داعي للتعميم اما عن نظام الجنوب الاداري كان لا يوجد فيه فساد لانه اصلا لا يوجد مال, فميزانية الدولة كانت مضحكة اي لم تتجاوز في الثمانيات 150 مليون دولار و اما النظام الاداري فارجع الى تقرير منظمة العمل في تونس في 1986 و سوف تجدهم مصنفين نظام الجنوب انه الاسوء في المنطقة, النظام الاشتراكي كان نظام مغلق عنيف، لذلك كان الكل يعيش بخوف وليس الامر دولة ومؤسسات وحرية ونظام.
هذه كلام غير صحيح كيف اسوء و نحن كنا من كنا..؟ و سوف يسرد اسطوانات الحراك لا تنطبق الا على سنغافورة.
شوف يابني لا تصدق شحن بعض الحراكين لك, فانت اذهب الى اي بروفيسور في الادارة و الاقتصاد في جامعة عدن و قل له يفند كلامي و يثبت لك عكسه, و قل له كيف كان نظام الادارة..؟ سوف يقول لك ان النظام في الجنوب كان معاق اي هجين اي لا يسمح لنفسه بالاستمرار. فهو عبارة عن بقايا نظام اداري بريطاني على منظومة اشتراكية مما جعل اقتصادنا ليس اقتصاد سوق حر مفتوحة كما كانت بريطانية, و لا سوق مغلقة متحكم بها كما في روسيا, اي لتسهيل الفهم نظامين تشغيل غير متوافقين كلما حاولت تشغل الكمبيوتر يتوقف الموس و لوحة المفاتيح عن العمل, فتضطر تعيد التشغيل.
لذلك كانت ميزانية الجنوب ايام سالمين جمهورية اليمن الديمقراطية 14 مليون دينار اي اقل من 50 مليون دولار, لذا لم يقومون بمشروع واحد و لم يتحسن الحال الى قبل الوحدة اي لم تصل ميزانية الجنوب حتى 200 مليون دولار و قيادة الدولة الجنوبية لازالوا يعيشون بيننا يقدرون يفندوا كلامي, و هذا لن يحصل لانهم يعرفون ذلك, و اصلا الدولة الجنوبية كانت دولة فقيرة تنتظر مساعدة الروس. و الخليج و المملكة لم يقدموا لها دعم كما الشمال، لاسيما و العالم لم يتعامل معها الا كمركز ارهاب مرتبطة بختطاف الطائرات و مركز للارهابيين امثال كارلوس و غيرها.
طيب سيبنا من هذا الامر و خلينا في كيفية ندير الدولة و الموظفين كحراك بعد الانفصال بعد طرد الشمالين, الذي تحدثت عن مؤشر القوة العاملة و السوق؟
طيب نستحمل سؤالك و احاول ابسط لك مؤشرالقوى العاملة و توزيعها, و التي يظهر انكم كحراك لم تفهموا بعد الدولة و لا ارقامها. فنسبة الموظفين من الشمال في الجنوب لاتتعدى 2% بينما نسبة الموظفين الجنوبيين في محصلة دولة الوحدة اي في الجغرافية الشمالية تتجاوز 30% و على رأسهم عبدربه منصور و رئيس الوزراء و غيرهم الكثير الكثير في قيادة الدولة, يعني ان الشمالين اصلا غير متواجدين في الوظائف في الجنوب كما الجنوبين في الشمال يعني المشكلة ليست كبيرة للشمال.
طيب انت لم تذكر الدعم الخارجي لنا. هناك مؤشرات اقتصادية اخرى لا مجال لذكرها تقول ان الجنوب لن يستطيع ان يخطو في اتجاه الانفصال الا بوجود 12 مليار دولار لبناء مؤسسات دولة و مجملها تقول ان الانفصال لن يتحقق من دون الفدرالية كمرحلة اولية لبناء مؤسسات دولة و نظام سياسي مستقر يقنع العالم.
ياخي نحن من نحدد الانفصال, قل لنا انت بقية المؤشرات القانونية و الاجتماعية, و الباقي مالك دخل به..؟
لا ادري من تقصد نحن و كأنك تمثل الجنوب و رغم ذلك افهمك, اما عن الصيغ القانونية لا يمكن ان نجد قاعدة قانونية دولية أو داخلية يمكن الاستناد عليها في الانفصال، لاسيما و قرارات مجلس الأمن رقمي 2014 و 2051 , التي يعتمد عليها قيادات الانفصال إضافة إلى عدد من البيانات الصادرة عن مجلس الأمن ذات الصلة بحرب 94، و كذا المبادرة الخليجية و جميع الوثائق تؤكد على الوحدة اليمنية و حتى قرارات الامم المتحدة 2216 و 2201 تتعامل مع دولة يمنية موحدة و لا يذكر انه هناك حتى قضية احتقان جنوبية و انما هناك مشكلة تمرد حوثي اي جميع القرارات لا تحتمل تفسيرات اخرى و دعم المجتمع الدولي لليمن الواحد و استقرره واضح, و التحالف و الشرعية و اهدار المليارات في الحرب بمجرد التعاطي مع هذا الامر سوف يسقط المشروعية لهم مما يعني على هدفهم ان ايران في الحديقة الخلفية صارت واقع.
و كون قيادات الحراك الانفصالية لا تحسن قراءة ذلك هذا مشكلتها, لكن العالم ليس عنده وقت يعلمها المصطلحات و لا التعاطي الاقليمي و العربي و الدولي للمشكلة اليمنية.
أيضا اخواننا في الحراك لم يطلعوا انه ليس هناك في دستور الدولة اليمنية المستفتى عليه ما يمنح الحق في المطالبة بذلك لا من الشمال و لا من الجنوب و لم تصل الدولة اليمنية إلى مرحلة فيدرالية كاقاليم قوية بمؤسساتها مع وجوب حق تقرير الانفصال, فنقول أن الفكرة سوف تنجح واقعيا و اقتصادياً.
و مختصر الامر ان جميع المؤشرات القانونية لو تجمعت و كان العالم موافق و المنطقة, و التي اختصرتها هنا لابد أن توافق حكومة الشرعية مع استفتاء في الجمهورية و تصديق مجلس النواب, اي شرعية الرئيس هادي لا تكفي “هذا ان وجدت تشريعات تسمح بذلك, و التي هي اصلاً غير موجودة”, و ما جمهورية ارض الصومال و انفصالها عن الصومال عنا ببعيد. أكثر من عشرين سنة لم يعترف بها احد و كردستان. هناك عائق اخر نسيت اقوله لك نطلق عليه مؤشر اجتماعي.
فنعدما تتحدث عن انفصال دون فهم المؤشرات الاجتماعية يعني انك فقط تشحن في الناس كحركة مناطقية عنصرية. فالأجدر عند الحديث حول الانفصال أن لا تتجاهل قيادات الحراك المتشدد المطالب بالانفصال الكثير من الواقع اليمني العسكري و القبلي أو حقيقة درجة الاندماج بين اليمنيين في محافظات شمالية مع إخوانهم في محافظات جنوبية, و الذي يفوق بمراحل ماهو موجود بين محافظات شمالية شمالية قبل 1990، بمعنى أن الاندماج بين المواطنين في عدن و لحج و تعز مثلا يفوق بمراحل كثيرة الاندماج بين المواطنين في عدن و شبوة مثلاً, و كذلك بين البيضاء و ابين, و بين اب و الضالع و مأرب و شبوة و هكذا.
و هنا اذا حصل استفتاء فلا يمكن ان يكون خارج الاسرة اليمنية, و التي سوف ترفض التشطير. فالدولة اليمنية تحكم من قيادات جنوبية و أبناء المهرة في الحوار الوطني كان كلامهم واضح أنهم مع الوحدة و الدولة اليمنية, و اقليم حضرموت ارسل رسائل واضحة قبل ايام انهم مع الدولة اليمنية الاتحادية, و شبوة اكثر ارتباط بمأرب فمنهم من هو مع المؤتمر ومنهم من هو اصلاح, و أبناء عدن 80 % او حتى و لو قلت لا النصف من ذلك أي 40% من أبناء تعز و المناطق الوسطي, و الحجرية منطقة واحدة من عدن, لحج و تعز, اي هنا الجنوب غير متجانس و ليس على خط واحد, و دليل ذلك ان الحراك لا يمثل الجنوب و من 2007 لم يطلعوا بورقة واضحة تجمعهم في هدف واحد, و السبب مافصلته لك.
الآن طول الكلام, الباقي نكمل فيما بعد, لكن مختصر الأمر بناء على ماورد أقول إن العقلانية انعدمت عندما شغلنا انفسنا عن الاهم و المهم و نسعى و بكل قوة الى ان نعقد حياتنا و نرهن بلدنا و نبيع ارضنا و نصير شقاة عند غيرنا, نرهن ابنائنا و بناتنا و مستقبلهم لأطراف خارجية تؤزم بلدنا مقابل أن نقتل الملل و نكون زعماء.
و رسالتي إلى أبنائي و احبائي لا تولوا المشاريع الطائفية و الانفصالية اهتماماً فهي مشاريع لا تستمر, و فكروا انكم الحاضر و المستقبل و انتم من ستتحملون بناء يمن اليوم و يمن الغد.
المصدر: حائط الكاتب على الفيسبوك
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا