جلسة زمالة في وقتها
يمنات
عبد الرحمن بجاش
وسط هذا الجحر الذي نعيشه, يكون من اجمل الاشياء لو استطعت, استدعاء اللحظات الاجمل في حياتك.
لك ذكرياتك, زملائك, اصدقائك, معارفك, ذكريات ملونة, ذكريات موجعة, هي الحياة, ولا بد من اللحظات السيئة, لكن اللحظات الاجمل تظل عنوان الحياة.
عندما تدلهم السماء في اعماقي فجأة, استدعي خيالي, لأعود الى لحظات اشتاقها, خذ مثلا, فلدي صديق وزميل مدرسة اعتز بزمالته التي تحولت الى صداقة تغمرنا دائما بكل ما هو جميل, صالح الذاري او مهندس الكهرباء صالح انسان نظيف الاعماق, ابيض القلب, طيبة لم تغيرها كل عوامل التعرية التي غيرت أنفس كثيرة, أو اخرى اصابها الصدأ, خاصة انفس تتنكر للجميل, تبيع اصحابها بأرخص الاثمان..!!!, ما احقر النفس التي تبيع صاحبها..!!!.
صالح الذاري كنا نذاكر سوية في الدكان الكائن في السوق المركزي بباب اليمن, حيث سكنا معا ذات مرحلة من العمر بين الدقيق, وبقايا الطماط والبطاط امام باب الدكان, كنا اذا مسكنا دفاترنا فلا بد من سيجارة نلاحق دخانها, كان صالح لا يدخن, يوم بعد يوم كنت ازوده بحبة روثمان حتى ادمن, والده الفاضل كان يعمل في مدرسة المدفعية في باب اليمن.
ذات نهار وصالح قد انضم الى طابور المدخنين, وقف وسط ميدان المدرسة يستمتع بالروثمان, فجاة تمسكه يد من خلف رأسه, يظل يصرخ (بطل المزاح), يلتفت فاذا به والده, وعينك ما تشوف إلا النور..!!, والى الزنزانه عقابا على التدخين, وانا ظليت ابحث عنه حتى ظهر بعد ايام, فسالته: مالك..؟ – كله بسببك يا كلب, وحكى لي, دارت بنا الايام سافر روسيا, عاد, التقينا, يمد الي بعلبة سجائره: اتفضل, قلت وانا اكتم ضحكة مستفزة: عفوا, انا لا ادخن, السجائر حق السراسرة, علق بهدوء: صح حق السراسرو, لعنة الله علي لوما صدقتك … يظل صالح اجمل مافي سيرة المدرسة.
الاحد الماضي, الحاجة الى لحظة جمال, جعلتنا نلتقي في بيت الاحب الى قلوبنا جميعا زميلنا صديقنا المهندس يوسف الاديمي, كنا د. عوض محمد يعيش, د. عبد الله زيد عيسى, مهندس عبد الجبار مكرد, مهندس محمد علي قاسم, و أنا, كان سيأتي زميلنا قائد الكشافة أيام جمال اللحظة علي البروي, فلم يتمكن لظرف خاص.
حوالي ثلاث ساعات استدعينا فيها مدرسة سيف وعبد الناصر وبيوت المذاكرة ومقالب الزملاء ونكاتهم, اقسم ان المطر كان يتدفق بزنينته على رؤوسنا, كان نجم الجلسة د. عوض و ذكريات سيجارة علي الحميضة, وانا ولغلغة عبد الرحمن الحيفي, حكاية الرياضيات, وحكايات جميلة ولحظات اجمل استعدناها, نسينا انفسنا الا من ذكريات حميمة الى القلب, والوجدان, اقسم لو ان كل ثلة زملاء عملوها لخففنا عن انفسنا ضيق غياب الراتب, وضياع الافق, ليس الامر دعوة الى تغييب العقل, ابدا بل تنشيط الذاكرة والتذكر, ان نستعيد انسانيتنا, اجل ما في الامر اننا خاطبنا بعضنا باسماءنا المجردة مع حفظ المكانة لكل واحد, انا واصحابي الزملاء الاصدقاء احسسنا لساعات ثلاث اننا خلقنا من جديد.
وانظر, فقد لا نستطيع ان نتلملم من جديد, هكذا نحن, الصدفة تجمعنا, والصدفة تفرقنا, لأن حياتنا كالمدينة تسير في كل الاتجاهات, ولا اتجاه.
على ان تلك اللحظات, كانت من اجمل اللحظات, ارجو ان نتمكن من اقتناصها مرة اخرى.
لله الامر من قبل ومن بعد.
المصدر: حائط الكاتب على الفيسبوك
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا