كانت مقتصرة على حي صينة وبأحكام قضائية .. الاعدامات خارج القانون تحول مدينة تعز إلى ساحة اعدام كبيرة .. من يقف خلفها..؟ ولماذا تصاعدت..؟
يمنات
حي صينة فردوس تعز، المرتمي بأحضان جبل صبر، والمتوسد مديريتي مشرعة وحدنان، مشتل المشاقر، وملتقى المباخر، أيقونة سلام، لم يكن يرعب قاطنيه سوى ميدان الصهير، الذي ارتبط اسمه بالإعدام للقتلة الذين كان يحكم عليهم بالإعدام، إذ كان سكان صينة في بعض أيام السنة، يشاهدون صور الإعدام المرعبة، والتي تنفذ في حيهم. مشاهد كانت تقلق السكان، وربما دفعت البعض لمغادرة المنطقة، والانتقال إلى مكان آخر في المدينة.
إلا أن كثيرين فضلوا البقاء في صينة، بالقرب من ميدان الصهير تحديداً. لم يتخيل هؤلاء أنه ذات يوم ستأتي حرب لتقضي على ما تبقى من حياة هنا، بدون سابق إنذار، تماماً كما لم تكن تعلم الحاجة زكية، التي تقطن جوار ميدان الصهير.
ظلت الحاجة زكية، على مدى ستين عاماً، تسقي كل من يتقدم إلى منصة الإعدام، قبل أن تأتي الحرب وتحكم عليها هي بالإعدام، ودونما تهمة.
لم تكن تتصور أيضاً أنها ستبقى يومين كاملين بدون قطرة ماء واحدة، وأن مصيرها سيكون وسط ركام منزلها بصاروخ لطيران «التحالف»، لا رصاصة «عشماوي» ميدان الصهير.
الميدان، ذلك المكان الذي لا يمكن لذاكرة أي تعزي نسيانه مهما كانت مثقوبة بقذائف الوجع جراء حرب أكلت جل الذكريات الجميلة والسيئة معاً، واستبدلتها بصور الدمار والقتل والتشرد والنزوح.
ميدان الصهير، المكان الوحيد المعتق برائحة الدم، الذي كان يوزع فيه الموت المغلف في رصاص «عشماوي» تعز … أما اليوم، فلم تعد صينة وحدها، بل استحالت تعز كلها ساحات إعدام: في السائلة والجبل والشارع والجولة والمدرسة والجامعة … لا يكاد يمر أسبوع واحد، ولا تستيقظ فيه المدينة على إعدامات بلا أحكام، وبلا تهم أحياناً، وبعيداً من أي قانون، ولم يعد هناك «عشماوي» واحد، بل ألف عشماوي وعشماوي.
مصادر أمنية، كشفت في حديث إلى «العربي» أن «هناك عشرات، بل مئات الإعدامات نفذتها فصائل متشددة في (المقاومة الشعبية)، خارج إطار القانون، وبلا محاكمات، وبتهم إن وجدت فهي أوهن من بيوت العنكبوت».
و أفادت المصادر أن «ما تنقله وسائل الإعلام المختلفة من جرائم الإعدامات في المدينة ليست سوى النزر القليل، وإن ما خفي أرقام لا تتصور».
و أشارت المصادر إلى أن «الكثير من جرائم الإعدامات تم تنفيذها من قبل تنظيم (القاعدة)، وتنظيم (الدولة الاسلامية)، في المدينة».
و رأت المصادر أن «غياب سلطة الشرعية، وتعمدها في إهمال الجهاز الأمني وإضعافه، داخل المدينة، أتاح فرصة لكتائب الموت التابعة لهذه الجماعات المتطرفة، أن تكون فوق القانون وفوق الشرعية نفسها، وهو مخطط مريب، تكتوي تعز بفصول جحيمه اليوم».
و على الرغم من أن مدينة تعز تصدرت قائمة الإحصائيات التي سجلتها منظمات حقوقية لجرائم الإعدام خارج القانون خلال عام 2016، فإن حالات عديدة لم يجر رصدها، ونفذت غالبيتها بسرية تامة.
منظمة «سام»، سجلت في آخر إحصائية لها خلال العام 2016 ما يقارب 45 جريمة قتل خارج القانون، شملت 14 محافظة يمنية. و تصدرت مجموعات متطرفة تنسب إلى تنظيم «القاعدة»، وأخرى مجهولة، قائمة الإنتهاكات.
تنامي عمليات القتل خارج نطاق القانون للمئات من أبناء مدينة تعز، بهذا الشكل المخيف، يعود إلى جملة أسباب، أبرزها، وفق مراقبين «ثقافة العنف التي تعتنقها الجماعات التكفيرية، وتفخيخها العقول بالرغبة في القتل وإسالة الدماء، والإستهانة بالحق في الحياة، إضافة إلى تقويض سلطات الدولة وغياب الشرعية وإحلال جماعات العنف محل الدولة».
الناشط الحقوقي، وعضو منظمة «كرامة»، محمد الأحمدي، أكد في حديث إلى «العربي» أن «الإعدامات داخل مربعات (المقاومة) أيضاً هي كارثة، وجزء كبير من السبب تقويض سلطات الدولة، ومناخ الحرب دفع الناس أولاً نحو التسلح حتى في المدن والمناطق التي ليس متعارفاً في أوساطها السلاح والعنف، وبالتالي ذهبت مجموعة من الشباب إلى السلاح واستخدام العنف بسبب هذه الحرب».
ورأى الأحمدي أن عودة الدولة «ستنهي هذه النتوءات. إذا حضرت الدولة واستعيد نظام العدالة في اليمن، لأنه للأسف الهامش الذي تتركه الدولة تغطيه هذه الجماعات المتطرفة والمتشددة».
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا