“أخطاء” قطر والزمن الأغبر
يمنات
لطف الصراري
في العام 2014، شكا باحث يمني من عرقلة صرف مستحقات دراسة أنجزها لصالح مركز بحوث قطري. بعد أشهر من المتابعة لتحويل مستحقاته عبر البنك الحكومي، كون المركز مؤسسة حكومية، تفاجأ بمذكرة رسمية من المركز تفيده بأن التعاملات المالية الواردة من قطر إلى اليمن لا تمر عبر البنوك، بل عبر السفارة القطرية في صنعاء، وأن هذه الطريقة هي الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها استلام مستحقاته.
و في المذكرة إشارة إلى وجود توجيهات من الحكومة القطرية بعدم إجراء أي تحويلات مالية إلى اليمن عبر البنك المركزي اليمني، بل عبر سفارة الدوحة بصنعاء.
كان الأمر مفاجئاً للباحث الذي بدا أنه نسي أمر المستحقات وقرّر إرسال نسخة من مذكرة مركز البحوث القطري إلى الصحافة اليمنية، التي نشرت بدورها خبراً مقتضباً اقتصر على حالة الباحث الأكاديمي، من دون البحث عن حالات أخرى.
لم تكن المفاجأة بتعميم الحكومة القطرية منع إرسال التحويلات المالية عبر البنوك الرسمية، بل بشأن حصر هذه التحويلات على طريقة وحيدة أوكلت مهمة تنفيذها لسفارتها بصنعاء.
مرّ الخبر حينها مرور الكرام؛ فالمستجدات السياسية والأمنية التي كانت تشهدها اليمن خلال رئاسة عبد ربه منصور هادي، في الفترة الانتقالية التي أفضت إلى الحرب الدائرة الآن، كانت كفيلة بشغل الناس عن الالتفات إلى خبر صغير بلا تفاصيل في صفحة داخلية. أو ربما كان الناس يعرفون بشأن تدفق الأموال السياسية من الخارج، ولم تعد تهمهم تفاصيل من قبيل إرسالها عبر السفارات أو عبر البنوك، كما أن سفارات عدة بلدان، كانت تتولى صرف مثل هذه الأموال، وإن كانت تحت مسميات دعم مشاريع تنموية لتعزيز الحياة المدنية في البلد.
من سخرية القدر أن تتناوب الأخطاء العربية لتفتك بالملايين، ثم يأتي «زمن أغبر» تلقى فيه المسؤولية على «أخطاء» سياسية.
في نفس الفترة الانتقالية، صرّح مسؤول بريطاني في اجتماع للدول المانحة بخصوص التزاماتها للحكومة السودانية، بأن على دولة قطر أن تكفّ عن دعم الجماعات المتطرّفة بأموال الفدية للإفراج عن مختطفين.
لم يثر ذلك التصريح حفيظة قطر، كما لم يثر أي جدل عربي كالذي أثاره تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال زيارته الأولى للرياض أواخر مايو الماضي.
من المؤكد، أن هناك فرق في شدّة الجدل الذي يثيره تصريح مسؤول بريطاني بدرجة وزير، وبين تصريح رئيس أمريكي يختبئ الجدل تحت شعره المسرّح إلى الأمام دائماً، لكن يبدو أن المتغيرات السياسية في المنطقة العربية على مدى السنوات الثلاث الماضية، لعبت دوراً حاسماً في إنضاج موقف عربي أكثر عدائية لسياسة قطر الخارجية، سيّما تدخلاتها في سوريا واليمن ومصر والعراق ليبيا.
إضافة إلى ذلك، تتضح تعقيدات التوتر العربي مع قطر بتتبع السعي الدؤوب لقطر في تقديم نفسها كدولة فاعلة في المنطقة، سيّما في ظل الاختلالات السياسية الكبرى التي أعقبت العام 2011. وهو سعي أخذ إجمالاً شكل الاستقطاب المباشر وغير المباشر للأفراد والجماعات والدول، عبر المال وعقود الاستثمار، لكنه لم يأخذ الاعتبار بما يكفي لمصالح السعودية والإمارات ومصر، كأكبر ثلاث دول عربية تلعب في نفس المضمار وبأدوات وأساليب متعددة.
مع كل تعقيدات الوضع الملتهب في أربع دول عربية، والتوتر السياسي المتصاعد على إثر لجوء قطر لتركيا وإيران، تمضي جهود التهدئة التي تبذلها الكويت ببطئ وحذر شديدين، خاصة مع دخول تركيا على خط التهدئة بعد أن كان برلمانها أقرّ إرسال قوات عسكرية إلى الدوحة في ما يشبه التعهّد بحماية قطر من أي تدخّل عسكري تقوم بها جارتاها الخليجيتان.
في ظل تفاوت المواقف بين الحدّة الشديدة والدعوة لعدم التسرّع في تصعيد الوضع، وبعد تسليط الضوء إعلامياً على خفايا بعض التدخّلات القطرية في ليبيا والعراق وسوريا، بدأت تتسرّب بوادر اعترافات قطرية بوجود «أخطاء» في سياستها تجاه بعض الدول العربية. لا يهمّ إذا ما تضمن الاعتراف كونها أخطاء كبيرة أو صغيرة، ولا ما إذا كان للسعودية والإمارات «أخطاء» مماثلة أو أكبر منها، ولا يهمّ الآن أن يكون أحدها حصر ضخ المال السياسي إلى اليمن عبر سفارتها بصنعاء، المهم أن هناك نتائج كارثية ما زالت حيّة لهذه الأخطاء.
و من سخرية القدر أن تتناوب الأخطاء والخطايا العربية لتفتك بملايين اليمنيين والسوريين والعراقيين والليبيين … ثم يأتي «زمن أغبر» تلقى فيه مسؤولية قتل ملايين الأبرياء على «أخطاء» سياسية.
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا