اليمن ساحة تصفيات بين دول تحالفت في تدخلها العسكري لتجد نفسها مختلفة مؤخراً
يمنات
هشام محمد
تعودت دول الخليج على الاستقرار النسبي بفضل البترول وقلة الكثافة السكانية، لكن لم يستمر الوضع كذلك بعد التصعيد الإماراتي السعودي ضد قطر، وهو ما يشير إلى وجود مشاكل أعمق قد تجعل اليمن ساحة للتصفيات بين الدول التي تحالفت في تدخلها العسكري واختلفت مؤخراً.
بطريقة ما، نستشرف أن البيت الملكي الخليجي يبتكر، أو يستدعي، معركة جانبية، قد تنعكس سلباً على تدخله في اليمن خلال هذه المرحلة، سواء في الحرب القائمة، أو التزامات ما بعد الحرب، من إعادة إعمار وغيره.
من المعروف أن اليمن إلى ما قبل العام 2011 كانت بمثابة حديقة خلفية بالنسبة للسعودية، ونفوذ ضيئل وغير معلن لإيران، وبعد ثورات الربيع أصبحت ساحة مفتوحة للعديد من مراكز النفوذ في المنطقة، بحيث أصبح تدخل أكثر من طرف إقليمي واضحاً في مسارات وتشعبات الصراع في اليمن.
منذ بداية التدخل العسكري لـ«التحالف» في اليمن، كان هدف السعودية حماية مصالحها وأمنها والحفاظ على نفوذها في اليمن، بضمان تبعية السلطة السياسية التي ستنتجها الحرب، والقوة الموالية التي تصنعها هي، لكن قطر كانت قد قد وجدت ضالتها. فمنذ 2011، سارعت الدوحة إلى الاستفادة من الموقف السلبي للسعودية والإمارات تحديداً تجاه ثورة 11 فبراير وسعت إلى كسب الزخم الثوري، من خلال تقديم منبرها الإعلامي «قناة الجزيرة» التي كانت الثورة في أمس الحاجة إليها طبعاً، وفي ظل صمت تلك الدول، رأت أن هذا الصوت الثوري هو المستقبل السياسي لليمن الذي يمكن أن يكون تابعاً أو موالياً لها، غير أنها لم تر في ذلك الزخم الثوري سوى الاسلام السياسي: «حزب الإصلاح»، المؤمن بعالمية حركة «الإخوان المسلمين»، كانتماء أيديولوجي غير معلن رسمياً، وبفضل التنظيم والتعصب الحزبي وولاء أفراده، وقدرتهم على استغلال قنوات التواصل، لتقديم أنفسهم كحليف مستقبلي، اختزلوا الثورة في تنظيمهم، وأزاحوا بل وأقصوا المكونات الأخرى.
على عكس ذلك تعاملت السعودية، التي أعلنت عن مبادرتها كمبادرة لدول مجلس التعاون تجاه اليمن، وانسحبت منها قطر، وهي المبادرة التي لم تضع حلاً للأزمة اليمنية، بل رحلت الحروب ببنودها المليئة بالثغرات، والتي فسرها المراقبون حينها بأنها تلبية لمطالب النظام والتفاف على الثورة، لتحافظ أيضاً على آليات ومكتسبات النظام الموالي لها، الذي لا تمثل سياساته ولا شعاراته أي عداء لها، ولسياساتها تجاه اليمن، وهي بدورها تعتبرها ساحتها الخلفية التي تحكمها اللجنة الخاصة، مع الأخذ بالاعتبار أن تلك المبادرة لم تكن إلا رؤية النظام نفسه وصادرة عنه، كما صرح مؤخراً الرئيس السابق، وهو ما يعني أن مغالطة سياسية تبنتها السعودية، لتضع الحل وفقاً للطرف الموالي لها، لتسهيل عودة النظام، والإلتفاف على الثورة والأهداف التي خرج من أجلها شباب فبراير، أما الإمارات فموقفها من ثورة فبراير كان مسانداً للموقف السعودي، وكان واضحاً التوجس الإماراتي، لا سيما مع تغول «حزب الإصلاح» على بقية المكونات، لتطلب من اليمنيين المقيمين عندها عدم ممارسة أي نشاط سياسي أو إعلامي ضد النظام من أراضيها، وهي التي يستثمر فيها رموز النظام السابق مليارات الدولارات.
إلى جانب ذلك، لعب صراع الأقطاب الخارجية دوراً في تقاسم ولاءات الأطراف اليمنية، غير أن الصراع بين الدول الخليجية ذاتها، يجعل التضحية باليمن والتفرغ لتصفية الحسابات فيما بينها أمراً وارداً، خصوصاً وأن الإختلاف بين دول «التحالف» وصل إلى شكل النظام السياسي والوحدة والانفصال في اليمن.
هذه الأزمة الخليجية التي تكاد أن تفضي إلى حرب مدمرة كشفت عن تعبئة صامتة من قبل الإمارات ضد «حزب الإصلاح» في اليمن، بعد أكثر من عام من الوفاق معه ودعمه في القتال ضد الحوثيين، لتظهر أولى بوادر عدم الرضى عن «الإصلاح» بممارستها للضغوط السياسية تجاه التعيينات التي يصدرها الرئيس هادي، خاصة تعيين المحافظ السابق لعدن الإصلاحي نايف البكري، والذي أزيح بضغط من أبوظبي. بعدها ظهرت الحساسيات وبوضوح تجاه موقف قطر من «الإخوان» و«الإصلاح» على حد سواء، وبما أن «الإصلاح» من قوى الإسلام السياسي وموقفه داعم للوحدة اتجهت الإمارات إلى دعم القوى السلفية، والقوى المطالبة بانفصال الجنوب، وفي تعز كانت القوة الأكثر تماسكاً التي يمكن أن تكون قوة أمام هيمنة «الإصلاح» ذو التوجه الإسلامي – المدعوم افتراضياً من قطر – هي السلفية، ولذلك حظيت بالدعم والتجهيز، مما جعلها تعزز قوتها وهيمنتها، وأصبحت مدينة تعز ترزح تحت تغول تلك الجماعة السلفية التي توافد إليها المتشددون من كل حدب وصوب، فيما ظل الدعم السعودي يكاد يكون مقتصراً على التعامل مع القنوات الرسمية إلى حد ما.
وفي المجمل، فإن التحرك السعودي والإماراتي ضد قطر مبني على تراكم زمني من التوجس تجاه السياسيات والمواقف القطرية، ومحاولتها لعب دور سياسي أكبر منها، وفي الوقت ذاته تدفع دولة قطر ضريبة خرقها للأعراف غير المعلنة لدول الخليج، بمحاولتها تجاوز الشقيقة الكبرى في لعب دور سياسي فاعل في المنطقة تعودت الرياض أن تكون هي صاحبته.
بالإضافة إلى حساسيات التناول الاعلامي لملفات سعودية، وأيضاً لدور قناة «الجزيرة» في المؤازرة الإعلامية والسياسية لثورات الربيع العربي، ودعمها لتيارات الإسلام السياسي، وخشية الأنظمة الديكتاتورية من نشوء ديمقراطيات مجاورة مستقرة، قد تصبح تحريضاً للشعوب الخليجية للمطالبة بالتحول الديمقراطي.
وعموماً، فإن ألسنة اللهب ستمتد إلى اليمن التي صارت ملعباً من ملاعب التنافس والهيمنة والصراع الخليجي والإقليمي، لتتضاعف مأساة البلد المنهك بالحروب وبالجماعات الإرهابية الممولة من المال الخليجي، سواء المال المسرب من الدعم الرسمي، أو الذي ينشط في حشده أفراد وجماعات ويوزع بدون رقيب.
المصدر: العربي