معارك نقل السلطة في الخليج وتأثيرها المحتمل على اليمن والعالم
يمنات
حسين الوادعي
نقل السلطة في نادي الأغنياء الخليجي لم يكن سلسا على الدوام.
كان تاريخا مليئا بالإنقلابات على الآباء، واغتيال الإخوة، والنفي، والمؤامرات منذ بدايات القرن الثامن عشر حتى اليوم.
استولى زايد بن سلطان (أكثر حكام الإمارات شعبية) على السلطة من أخيه شخبوط. وشخبوط نفسه اضطر لاغتيال عمه (صقر) لينتزع السلطة منه، في حين كان عمه قد إغتال أخاه سلطان (والد الشيخ زايد) ليستولي على السلطة، وكان سطان قبلهم قد أغتال أخاه حمدان.
بعد وفاة زايد بن سلطان تولى السلطة ابنه الأكبر خليفة، وكان يفترض أن تنقل السلطة منه ألى نجله سلطان، لكن اخاه غير الشقيق محمد بن زايد أصبح ولي العهد ويبدو أنه نفذ إنقلابا صامتا على أخيه وصار الحاكم الفعلي للإمارات منذ عامين على الاقل.
(مشكلة الحكم في آل سعود أن الملك عبد العزيز أوصى بالحكم بعد سعود إلى فيصل كاسرا بذلك قاعدة الحكم الوراثي من الملك الى الابن، ويبدو ان زايد ارتكب نفس الخطأ عندما عين محمد بن زايد وليا للعهد بعد خليفة ليصبح انتقال السلطة افقيا (بين الاخوة) لا عموديا).
وكانت قد تردد ت أخبار أن سلطان بن خليفة (نجل الرئيس الحالي) كان قد حاول تنفيذ انقلاب يستعيد به ولاية العهد عام 2014 لكنه فشل.كما تدور اخبار عن صراعات محاولات انقلاب من قبل أشقاء وإخوة محمد بن زايد الذين يرون أنفسهم أجدر بولاية العهد منه.
وكثير مما يجري في الإمارات من احداث داخلية وخارجية مرتبط بمعركة نقل السلطة من الأخ المريض (خليفة) الى الأخ الشاب الطموح (محمد بن زايد) ، بما في ذلك التدخل العسكري في اليمن.
وهو رجل عسكري اهتم كثيرا بتطوير الجيش الإماراتي، وخريج كلية سانت هيرست العسكرية الملكية العريقة، وخلفيته العسكرية قد تفسر سلوكه العسكري الجامح في اليمن. ( وهي نفس الكلية التي تخرج منها أحمد وخالد علي عبد الله صالح، كما ان الرئيس هادي وعدد من اولاد واحفاد الشيخ الأحمر درسوا فيها أيضا).
………………………………………
السعودية ليست أفضل حالا.
عام 1964 نفذ أبناء الملك عبد العزيز انقلابا على شقيقهم الاكبر سعود على خلفية “فساده” وعجزه عن حل مشكلة الثورة اليمنية والتدخل العسكري المصري في اليمن الذي كان قد اقترب من الحدود السعودية وبدأ بقصف نجران وجيزان بالطائرات. فأول انقلاب داخل العائلة المالكة السعودية كان مرتبطا باليمن بشكل كبير.
بعد ذلك اغتال الأمير خالد بن مساعد بن عبد العزيز الملك فيصل بتحريض من أعمامه الطامحين للحكم ، خاصة بعد ان أغضب فيصل الغرب وامريكا بقراره قطع إمدادات البترول في حرب 1973. كانت مشكلة مؤسسة الحكم السعودية ان السلطة صارت تنتقل (أفقيا) من الأخ الاكبر الى الأخ الذي يليه وليس (عموديا) من الملك إلى الإبن الأكبر كما هو معتاد في الأنظمة الملكية الوراثية. تسبب هذا مع مرور الزمن في حصر الملك في “أبناء” تجاوزوا سن الثمانين من أعمارهم وصاروا مصابين بأمراض الشيخوخة التي تمنعهم من ممارسة الحكم بفعالية.
عندما تولى الملك سلمان الحكم كانت العائلة الحاكمة أمام لحظة الحقيقة. يجب أن تتوقف عادة نقل السلطة بين الإخوة (أبناء عبد العزيز) ، وأن يعاد الى اصل النظام الملكي وتنقل السلطة من الملك إلى الإبن الأكبر. لكن المشكلة كانت أن أول ملك سينقل السلطة الى ابنه ستستمر الحكم في فرعه العائلي الى ما لانهاية، وهو شرف قد تسيل من اجله الدماء.
كان الملك سلمان جاهزا لحصر حكم السعودية في نسله، وبدأ اكبر عملية انقلاب على إخوته أولا (بلغت ذروتها بإقصاء مقرن بن عبدالعزيز وتحييد متعب بن عبد العزيز)، ثم تنفيذ أوسع عملية انقلاب على أبناء اخوته المرشحين للحكم بلغت ذروتها بإزاحة ولي العهد (محمد بن نايف) ووضعه تحت الإقامة الجبرية منذ أيام.
وكما قال هيكل فإن عاصفة الحزم مرتبطة جوهريا بمعركة نقل السلطة في السعودية من الأبناء الى الأحفاد . ولا يبدو أن إخوة الملك سلمان أو أبناء إخوته سيسلمون بالإنقلاب بسهولة مما يرجح محاولات إنقلاب بيضاء أو حمراء. (ارتباط التدخل العسكري ضد اليمن بمعركة نقل السلطة قد يفسر عدم رغبة السعودية في حسم المعركة عسكريا في مناطق الشمال رغم قدرتها على ذلك).
كما أن رشوة الـ400 مليار دولار لترامب هي في جزء منها رشوة لضمان موافقة امريكية على الملك القادم اضافة الى دورها في حشد تحالف اقليمي ضد إيران. (هل يمكن القول ان نسيان ايران حاليا وشن معركة شرسة ضد قطر هي جزء من هذه المعركة خاصة ان قطر تدعم مراكز قوى تعارض نقل السلطة الى المحمدين بن سلمان وبن زايد؟).
محمد بن سلمان هو أيضا وزير الدفاع ، مثله مثل محمد بن زايد القائد الاعلى للقوات المسلحة، كما أن الشيخ تميم قائد القوات المسلحة القطرية. (السلاح يقود السياسة بما في كل ذلك من ألغام!)
………………………………………..
أشهر انقلاب لا زال حيا في الذاكرة هو انقلاب أمير قطر حمد على أبيه خليفة آل ثاني عام 1995. وقد حاول والده استعادة السلطة عام 1996 بانقلاب مضاد لكنه فشل وأعدمت الرؤوس الاساسية في تخطيطه، ثم فوجيء العالم بتخلي حمد عن السلطة لإبنه من زوجته الثانية موزه (تميم) عام 2013 رغم انه ليس الأكبر سنا، مما يدل عىل تأثير واسع لموزه على صناعة القرار في قطر.
يواجه تميم ثلاث تحديات. تحدي مواجهة اي محاولة انقلابية جديدة من أقارب ومناصري الامير الراحل (خليفة) وأبناءعمومته، وتحدي مواجهة أي محاولة انقلابية من إخوانه الأكبر سنا، وتحدي مواجهة واسعة مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر بسبب دعمهم للإخوان وجبهة النصرة وبعض الفصائل الشيعية والسنية المصنفة إرهابية.
ولأن الصراع العسكري بين الأخوة الاعداء سيتأخر فسيتم تصفية الحسابات في ساحات معارك اخرى ( من ضمنها اليمن التي بدأ فيها صراع قطري اماراتي متسارع في الجنوب).
ولا شك أن السعودية والإمارات بدأتا باستكشاف مراكز القوى القادرة على تنفيذ إنقلاب داخلي على تميم يضع في السلطة أميرا مواليا للأغلبية الخليجية.
………………………………………..
مشكلة نقل السلطة هي نفس مشكلة ملك البحرين (حمد بن عيسي) الذي يحكم بنخبة سنية وسط أغلبية شيعية غاضبة، لكنه أيضا يتصارع مع عمه رئيس الوزراء (خليفة بن سلمان) الذي يريد نقل السلطة لأحد ابناءه مستغلا ضعف القدرات القيادية والسياسية للملك الحالي. وقد بدأ الصراع على ثروات وقرارات البحرين بن ولي العهد (سلمان بن خليفه) والعم القوي ونجله (علي بن خليفه).
والد خليفه بن سلمان كان بدوره قد اغتال أخاه (جد الملك الحالي) ليستولي على السلطة عام 1968 ، ليزيحه البريطانيون بعد ذلك وينصبوا والد الملك الحالي حمد بن عيسى. ولا زال أبناء وأحفاد سلمان يرون أحقيتهم بالحكم الذي انتزعه جدهم بالسيف.
هناك اذا صراع سني –شيعي تثيره معارضة شيعية قوية مرتبطة بالمحور الايراني، وانقسام سني-سني داخل أسرة آل خليفة تغذيه علاقات هذا الفرع أو ذاك بالقوى العظمى خاصة بريطانيا وأمريكا. ولأن البحرين ليست غنية بما فيه الكفاية لافتعال معارك وحروب خارج حدودها لاكتساب الشرعية ، فانها تكتفي بأثارة القلاقل الأمنية الداخلية وهو سلوك خطر على المستوى البعيد.
…………………………………………
ربما يتذكر الكثيرون إنقلاب الشيخ قابوس على والده سعيد بن تيمور، ذلك الإنقلاب الذي نقل عمان من الفقر والتخلف الى آفاق تنمية بشرية ومادية رفيعة المستوى. لكن مشكلة قابوس أنه بلا أبناء ولا أشقاء ولا ولي عهد ولا آلية رسمية لنقل السلطة مما يجعل مستقبل نقل السلطة في عمان أكثر خطرا من نظرائه في دول الخليج الاخرى.
وبما يشبه حكايات ألف ليلة وليلة يقال أن لقابوس وصية سرية اقترح فيها إسمين مختلفين وسيكون من حق المحكمة العليا ومجلسي النواب والشورى النظر في الإسمين واختيار الانسب (يتردد اسم ابن عمه اسعد كأبرز وأقوى المرشحين). لكن هذه الطريقة هشة وتفتح الباب امام الطامحين في الحكم مثل الأباضيين الذين اطاح بهم تيمور بن سعيد في خمسينات القرن الماضي،و القبائل العمانية القوية، والجهاديين المتواجدين على مقربة منه في حضرموت وشبوه والمهرة. (جبهة ظفار المدعومة من اليمن الماركسي كانت اخطر تحد واجه قابوس، وها هي اليمن تحضر مرة اخرى في معركة نقل السلطة الجديدة كما حضرت في معركة نقل السلطة القديمة).
وبالمناسبة، قابوس بن سعيد هو أيضا خريج كلية سانت هيرست العسكرية!
وتواجه عمان تحديا إضافيا بقرب نضوب احتياطياتها من النفط خلال العقد القادم ،وليس مستبعدا ان يهرب الحاكم الجديد من تحديات الداخل الى تحديات الخارج ، واليمن هي اقرب “حائط قصير” يمكن الاستناد اليه لتثبيت الشرعية عبر تدخل خارجي يخلق عدوا وهميا يشتت الانتباه ويرسخ الشرعية الداخلية.
……………………………………………
الهروب الى الخارج مارسه ايضا محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وتميم بن حمد عبر دعم تدخلات عسكرية و”إرهابية” في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر. وهذا يعني أن عدم حسم مسألة نقل السلطة سيطيل في عمر التدخلات الخارجية وابرزها حرب التحالف ضد اليمن التي يرفعها المحمدان كأبرز تدخاتهما لإنقاذ (الأمن القومي العربي وكبح جماح النفوذ الايراني).
لقد فشلت المؤسسات الوراثية مثل (هيئة البيعة) في السعودية، ومجالس الحكم العائلي في البحرين والإمارت وقطر، وتوليفة المحكمة العليا والمجالس النيابية العمانية في حل مشكلة نقل السلطة. بل أنها اصبحت عائقا للمضي نحو “بدايات” ديمقراطية في أنظمة حكم وراثية عجزت حتى الوراثة في حل مشكلة الإنتقال السلمي للسلطة.
بدون الحد الأدنى للديمقراطية لا يوجد حل سلمي لنقل السلطة حتى في الأنظمة الوراثية، ولأن الديمقراطية لا زالت فكرة بعيدة المنال في ذهن نخبة الخليج الوراثية الأوتوقراطية الثرية يجري الهروب الى اسلوب ادراة الأزمات ونقل السلطة او الحفاظ عليها بالخروج من أزمة إلى أخرى وتوجيه الإهتمام لمعارك خارج الحدود.
وكما كانت مشكلة نقل السلطة هي القشة التي قصمت ظهر البعير في سوريا واليمن ومصر وليبيا ، لا اعتقد ان دول الخليج ستخرج منها بكامل عافيتها.